الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 578 ] ( ومحبوسة ) ولو ظلما إلا إذا حبسها هو بدين له فلها النفقة في الأصح جوهرة ، وكذا لو قدر على الوصول إليها في الحبس صيرفية كحبسه مطلقا ، لكن في تصحيح القدوري : لو حبس في سجن السلطان فالصحيح سقوطها . وفي البحر عن مآل الفتاوى : ولو خيف عليها الفساد تحبس معه عند المتأخرين ( ومريضة لم تزف ) أي لا يمكنها الانتقال معه أصلا فلا نفقة لها وإن لم تمنع - [ ص: 579 ] نفسها لعدم التسليم تقديرا بحر ( ومغصوبة ) كرها ( وحاجة ) ولو نفلا ( لا معه ولو بمحرم ) لفوات الاحتباس . ( ولو معه فعليه نفقة الحضر خاصة ) لا نفقة السفر والكراء ( امتنعت المرأة ) من الطحن والخبز ( إن كانت ممن لا تخدم ) أو كان بها علة ( فعليه أن يأتيها بطعام مهيإ وإلا ) بأن كانت ممن تخدم نفسها وتقدر على ذلك ( لا ) يجب عليه ولا يجوز لها أخذ الأجرة على ذلك لوجوبه عليها ديانة ولو شريفة ; لأنه عليه الصلاة والسلام قسم الأعمال بين علي وفاطمة ، فجعل أعمال الخارج على علي رضي الله عنه والداخل على فاطمة رضي الله عنها مع أنها سيدة نساء العالمين بحر . ( ويجب عليه آلة طحن وخبز وآنية شراب وطبخ ككوز وجرة وقدر ومغرفة ) وكذا سائر أدوات البيت كحصر ولبد وطنفسة ، وما تتنظف به وتزيل الوسخ كمشط وأشنان وما يمنع الصنان ، ومداس رجلها ، وتمامه في الجوهرة والبحر . وفيه أجرة القابلة على من استأجرها من زوجة وزوج ولو جاءت بلا استئجار ، - - [ ص: 580 ] قيل عليه وقيل عليها .

التالي السابق


( قوله ومحبوسة ولو ظلما ) شمل حبسها بدين تقدر على إيفائه أو لا قبل النفقة إليه أو بعدها ، وعليه الاعتماد زيلعي وعليه الفتوى فتح ; لأن المعتبر في سقوط نفقتها فوات الاحتباس لا من جهة الزوج بحر ( قوله صيرفية ) كذا نقله عنها في المنح وأقره ، ونقله في الشرنبلالية عن الخانية ( قوله كحبسه ) مصدر مضاف لمفعوله أي ككونه محبوسا فافهم ( قوله مطلقا ) أي ولو ظلما أو حبسته هي لدين عليه أو أجنبي ( قوله لكن إلخ ) قال في النهر : قيد بحبسها ; لأن حبسه مطلقا غير مسقط لنفقتها كذا في غير كتاب ، إلا أنه في تصحيح القدوري نقل عن قاضي خان أنه لو حبس في سجن السلطان ظلما اختلفوا فيه والصحيح أنها لا تستحق النفقة . ا هـ . قلت : ونقل المقدسي عبارة الخانية كذلك ، وقال كذا في نسخة المؤيدية ونسخ جديدة لعلها كتبت منها . وفي نسختي العتيقة التي عليها خط بعض المشايخ حذف لا ، فليحرر . ا هـ

قلت : وهكذا رأيته بدون لا في نسخة عتيقة عندي من الخانية وكذا نقله في الهندية عن الخانية ، فلعل صاحب تصحيح القدوري نقل ذلك من نسخة المدرسة المؤيدية أيضا أو مما نقل عنها فتكون لا زائدة ، ليوافق ما في بقية النسخ القديمة وما في غير كتاب ، والمعنى يساعده أيضا ; لأن الاحتباس جاء لمعنى من جهته لا من جهتها كما لو كان مريضا أو صغيرا جدا أو مجبوبا أو عنينا ( قوله وفي البحر إلخ ) عبارته : وفي الخلاصة أنها إذا حبسته وطلب أن تحبس معه فإنها لا تحبس . وذكر في مآل الفتاوى إلخ .

قلت : وهذا إذا كان في الحبس موضع خال كما في التتارخانية ; ثم لا يخفى أن تقييده بما لو خيف عليها الفساد ظاهر في أن فرض المسألة فيما إذا ظهر للقاضي أن قصدها بحبسه أن تفعل ما تريد حيث كانت من أهل التهمة والفساد لا بمجرد دعوى الزوج ذلك ، فينبغي للقاضي أن يتحرى في ذلك ، فقد وقع في زماننا أن امرأة حبست زوجها بدين لها عليه فطلب حبسها معه لأجل أن تخرجه من الحبس ويأكل مالها ، ولا يخفى أن حبسها له غير قيد ، بل لو حبسه غيرها وخاف عليها الفساد فالحكم كذلك ; لأن العلة خوف الفساد ( قوله لم تزف ) أي لم تنتقل إلى بيت زوجها ( قوله أي لا يمكنها إلخ ) اعلم أن المذهب المصحح الذي عليه الفتوى وجوب النفقة للمريضة قبل النقلة أو بعدها أمكنه جماعها أو لا ، معها زوجها أو لا حيث لم تمنع نفسها إذا طلب نقلتها ، فلا فرق حينئذ بينها وبين الصحيحة لوجود التمكين من الاستمتاع كما في الحائض والنفساء ، وحينئذ فلا ينبغي إدخالها فيمن لا نفقة لهن .

لكن ظاهر التجنيس أنه إذا كان مرضا مانعا من النقلة فلا نفقة لها وإن لم تمنع نفسها لعدم التسليم بالكلية فهذا مراد من فرق بين المريضة والصحيحة ، وعليه يحمل كلام المصنف ، هذا حاصل ما حرره في البحر ، ومشى عليه الشارح حيث ذكر فيما مر أن لها النفقة إذا مرضت بعد النقلة في بيت الزوج أو قبل النقلة ثم انتقلت إلى بيته أو لم تنتقل ولم تمنع نفسها ، ثم ذكر هنا أن التي لا نفقة لها هي التي مرضت قبل النقلة مرضا لا يمكنها [ ص: 579 ] الانتقال معه ، وقدمنا الفرق بين هذه وبين التي مرضت عند الزوج ثم عادت إلى دار أبيها ولا يمكنها الانتقال .

( قوله ومغصوبة ) أي من أخذها رجل وذهب بها ، وهذا ظاهر الرواية . وعن أبي يوسف : لها النفقة والفتوى على الأول ; لأن فوات الاحتباس ليس منه ليجعل باقيا تقديرا هداية ، وقيد بقوله كرها ; لأنه لو ذهب بها على صورة الغصب لكن برضاها فلا خلاف فيها إذ لا شك في أنها ناشزة فافهم ( قوله ولو نفلا ) المناسب ولو فرضا فيفهم عدم الوجوب في النفل بالأولى ; لأنه متفق عليه . أما الفرض ففي البحر عن الذخيرة عن أبي يوسف أنه عذر فلها نفقة الحضر . وفي رواية عنه : يؤمر بالخروج معها والإنفاق عليها ( قوله لا معه ) عطف على مقدر : أي حاجة وحدها أو مع غير الزوج لا معه .

( قوله لفوات الاحتباس ) علة لقوله لا نفقة لأحد عشر إلخ ( قوله ولو معه ) أي ولو حجت مع الزوج ولو كان الحج نفلا كما في الهندية ط . قلت : وكذا لو خرجت معه لعمرة أو تجارة لقيام الاحتباس لكونها معه ( قوله لا نفقة السفر والكراء ) فينظر إلى قيمة الطعام في الحضر لا في السفر بحر قلت : لا يخفى أن هذا إذا خرج معها لأجلها ، أما لو أخرجها هو يلزمه جميع ذلك ( قوله من الطحن والخبز ) عبارة الهندية من الطبخ والخبز ( قوله فعليه أن يأتيها بطعام مهيإ ) أو يأتيها بمن يكفيها عمل الطبخ والخبز هندية ( قوله لا يجب عليه ) وفي بعض المواضع : تجبر على ذلك . قال السرخسي : لا تجبر ، ولكن إذا لم تطبخ لا يعطيها الإدام وهو الصحيح ، كذا في الفتح .

وما نقله عن بعض المواضع عزاه في البدائع إلى أبي الليث ، ومقتضى ما صححه السرخسي أنه لا يلزمه سوى الخبز تأمل ، لكن رأيت صاحب النهر قال بعد قوله لا يعطيها الإدام ، أي إدام هو طعام لا مطلقا كما لا يخفى ( قوله على ذلك ) أي على الطحن والخبز ( قوله لوجوبه عليها ديانة ) فتفتى به ، ولكنها لا تجبر عليه إن أبت بدائع ( قوله ولو شريفة ) كذا قاله في البحر أخذا من التعليل ، وهو مخالف لما قبله من أنها إذا كانت ممن لا تخدم فعليه أن يأتيها بطعام وإلا لا ، فلو وجب عليها ديانة لم يبق فرق بين الصورتين ، اللهم إلا أن يقال : إن الشريفة قد تكون ممن تخدم نفسها وقد لا تكون . والذي يظهر اعتبار حالها في الغنى والفقر لا في الشرف وعدمه فإن الشريفة الفقيرة تخدم نفسها ، وحاله عليه الصلاة والسلام وحال أهل بيته في غاية من التقلل من الدنيا فلا يقاس عليه حال أهل التوسع تأمل . وعبارة صاحب الهداية في مختارات النوازل تؤيده حيث قال : وإن كانت تخدم نفسها فعليها الطبخ والخبز ; لأنه عليه الصلاة والسلام إلخ ( قوله ولبد ) كجلد واحد اللبود والطنفسة مثلثا البساط ( قوله وتمامه في الجوهرة ) حيث قال ويجب عليه ما تنظف به وتزيل الوسخ كالمشط والدهن والسدر والخطمي والأشنان والصابون على عادة أهل البلد ، أما الخضاب والكحل فلا يلزمه بل هو [ ص: 580 ] على اختياره ، وأما الطيب فيجب عليه ما يقطع به السهوكة لا غير ، وعليه ما تقطع به الصنان لا الدواء للمرض ولا أجرة الطبيب ولا الفصاد ولا الحجام ، وعليه من الماء ما تغسل به ثيابها وبدنها لا شراء ماء الغسل من الجنابة بل ينقله إليها أو يأذن لها بنقله وإن كانت موسرة استأجرت من ينقله إليها وعليه ماء الوضوء . ا هـ لكن في الهندية أن ثمن ماء الاغتسال على الزوج وكذا ماء الوضوء ، وعليه فتوى مشايخ بلخ والصدر الشهيد ، وهو اختيار قاضي خان . ا هـ وفي البزازية : ولا تفرض لها الفاكهة ، والسهك بالتحريك : ريح العرق ، والصنان : دفر الإبط بالدال المهملة : أي نتنه كما في المصباح .

[ تنبيه ] قد علم مما ذكر أنه لا يلزمه لها القهوة والدخان وإن تضررت بتركهما ; لأن ذلك إن كان من قبيل الدواء أو من قبيل التفكه فكل من الدواء والتفكه لا يلزمه كما علمت ( قوله قيل عليه إلخ ) عبارة البحر عن الخلاصة : فلقائل أن يقول عليه ; لأنه مؤنة الجماع ، ولقائل أن يقول عليها كأجرة الطبيب ا هـ وكذا ذكر غيره ، ومقتضاه أنه قياس ذو وجهين لم يجزم أحد من المشايخ بأحدهما خلاف ما يفهمه كلام الشارح ، ويظهر لي ترجيح الأول ; لأن نفع القابلة معظمه يعود إلى الولد فيكون على أبيه تأمل .




الخدمات العلمية