الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولو كفل لها كل شهر كذا أبدا وقع على الأبد وكذا لو لم يقل أبدا عند الثاني ، - [ ص: 583 ] وبه يفتى بحر . وفيه عليها دين لزوجها لم يلتقيا قصاصا إلا برضاه لسقوطه بالموت ، بخلاف سائر الديون . وفيه آجرت دارها من زوجها وهما يسكنان فيه لا أجر عليه . ولو دخل بها في منزل كانت فيه بأجر فطولبت به بعد سنة فقالت له : أخبرتك بأن المنزل بالكراء عليك الأجر فهو عليها ; لأنها العاقدة بزازية ، ومفهومه أنها لو سكنت بغير إجارة في وقف أو مال يتيم أو معد للاستغلال ، فالأجرة عليه فليحفظ ( ويقدرها بقدر الغلاء والرخص ولا تقدر بدراهم ) ودنانير كما في الاختيار ، وعزاه المصنف لشرح المجمع للمصنف ، لكن في البحر عن المحيط ثم المجتبى : إن شاء القاضي فرضها أصنافا أو قومها بالدراهم ثم يقدر بالدراهم . - [ ص: 584 ] وفيه : لو قترت على نفسها فله أن يرفعها للقاضي لتأكل مما فرض لها خوفا عليها من الهزال فإنه يضره كما له أن يرفعها للقاضي للبس الثوب ; لأن الزينة حقه .

( وتزاد في الشتاء جبة ) وسروالا وما يدفع به أذى حر وبرد ( ولحافا وفراشا ) وحدها ; لأنها ربما تعتزل عنه أيام حيضها ومرضها ( إن طلبته ، ويختلف ذلك يسارا وإعسارا وحالا وبلدا ) اختيار ، وليس عليه خفها بل خف أمتها مجتبى . وفي البحر : قد استفيد من هذا أنه لو كان لها أمتعة من فرش ونحوها لا يسقط عن الزوج ذلك بل يجب عليه وقد رأينا من يأمرها بفرش أمتعتها له ولأضيافه جبرا عليها وذلك حرام كمنع كسوتها . ا هـ لكن قدمنا في المهر عنه [ ص: 585 ] عن المبتغى .

التالي السابق


( قوله ولو كفل لها كل شهر كذا إلخ ) اعلم أن ما مر إنما هو في الخلاف في جواز أخذها الكفيل منه جبرا عند خوف الغيبة ، والكلام الآن في قدر المدة التي تصح بها الكفالة ، فإن كفل لها كل شهر عشرة دراهم ، فإن قال أبدا أو ما دمتما زوجين وقع على الأبد اتفاقا ، وإلا وقع على شهر واحد عند أبي حنيفة ، وعلى الأبد عند أبي يوسف ، وهو أرفق وعليه الفتوى كما في البحر . ومفاده أنها لا تصح قبل الفرض أو التراضي على شيء معين ، وصرح به في البحر عن الذخيرة في شرح قوله ولا تجب نفقة مضت إلا بالقضاء أو الرضا ، لكن نقل بعده عن الواقعات لو قالت : إنه يريد الغيبة وطلبت منه كفيلا ليس لها ذلك ; لأن النفقة لم تجب .

وقال أبو يوسف : أستحسن أخذ كفيل بنفقة شهر وعليه الفتوى ; لأنها إن لم تجب للحال تجب بعده فيصير كأنه كفل بما ذاب لها على الزوج فيجبر استحسانا رفقا بالناس . قال : وزاد في الذخيرة : إنه لا فرق بين كونها مفروضة أو لا . ا هـ . قلت : وهذا مخالف لما قبله من أنها لا تصح قبل الفرض أو التراضي ، ووفق الرملي بحمل ما قبله على حال الحضور وحمل هذا على حال إرادة الغيبة فيصح في الغيبة مطلقا استحسانا ، وعليه فما مر من أن الأب لا يطالب بنفقة زوجة ابنه إلا إذا ضمنها مقيد بالمفروضة أو المقضية توفيقا بين كلامهم قلت : وفي الذخيرة عن كتاب الأقضية : إذا ضمن النفقة والمهر عن زوجها فضمان النفقة باطل إلا أن يسمي شيئا بأن يصطلحا على شيء مقدر لنفقة كل شهر ثم يضمنه رجل ، فيجوز لوجوب النفقة بهذا الاصطلاح فيصح الضمان ولكن لا يلزمه أكثر من نفقة شهر . ا هـ والظاهر أن هذا هو القياس ، إذ لا يصح الضمان بما لم يجب ; لأن النفقة لا تجب قبل الاصطلاح على قدر معين بالقضاء أو الرضا ولذا تسقط بالمضي عند عدم ذلك ، لكن علمت مما مر أن الاستحسان [ ص: 583 ] الجواز وإن لم تجب للحال وأنه يصير كأنه كفل لها بما ذاب لها على الزوج ، أي بما ثبت لها عليه بعد ، والكفالة بذلك جائزة في غير النفقة فكذا في النفقة . ولا يخفى أن علة الاستحسان جارية في مسألتي الحضرة والغيبة ، ويدل عليه إطلاقهم مسألة ضمان الأب نفقة زوجة الابن ، وكذا قوله في فتح القدير ولو ضمن لها نفقة سنة جاز وإن لم تكن واجبة ، هذا ما ظهر لي من التوفيق ، وهو بالقبول حقيق فاغتنمه .

[ تنبيه ] هذه الكفالة تتضمن زمان العدة أيضا ; لأنه كفيل ما دام النكاح ، وهو في العدة باق من وجه كما في الذخيرة ونحوه في الفتح . ولو كفل لها بنفقة ولدها أبدا أو بنفقة خادمها ما عاش لم يصح لسقوط النفقة عنه إذا أيسر الولد أو بلغ أو استغنت المرأة عن الخادم فكان الوقت مجهولا ، بخلاف نفقة المرأة لوجوبها ما بقي النكاح كما في الذخيرة . ثم اعلم أن الكفالة بالمال يشترط لصحتها أن يكون المال دينا صحيحا وهو ما لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء ، ودين النفقة يسقط بالموت والطلاق ، فالقياس أن لا تصح فيه الكفالة ، وكأنهم أخذوا بالاستحسان كما ذكره الشارح في كتاب الكفالة فافهم ( قوله لسقوطه ) أي لسقوط دين النفقة بموت أحدهما ، وكذا بالطلاق على ما فيه من الخلاف على ما سيأتي ، فكان أضعف من دين الزوج فلا بد من رضاه . ا هـ ح .

( قوله بخلاف سائر الديون ) أي فإنه يقع التقاص فيها تقاصا أو لا بشرط التساوي ، فلو اختلفا كما إذا كان أحدهما جيدا والآخر رديئا فلا بد من رضا صاحب الجيد كما في البحر ح ( قوله وفيه ) أي في البحر عند قول الكنز والسكنى في بيت خال إلخ ، لكن هذا يوجد في بعض نسخ البحر ( قوله لا أجر عليه ) ; لأن منفعة سكنى الدار تعود إليها ، لكن سيأتي في الإجارات أن الفتوى على الصحة لتبعيتها له في السكنى أفاده ح ( قوله ومفهومه إلخ ) من كلام البحر ( قوله فالأجرة عليه ) ; لأن هذه الثلاثة تضمن بالغصب ، وهي تابعة للزوج في السكنى ولم يوجد العقد منها . واعترضه ط بأن سكناه عارضة بعد تحقق الغصب منها ولا اعتبار لنسبة السكنى العارضة إليه بعد تحقق الفعل منها . ا هـ وقد يجاب بأنها لما كانت تابعة له في السكنى صارت اليد له فصار كغاصب الغاصب ، لكن مقتضى هذا جواز تضمينها وتضمينه الأجرة كما هو الحكم في الغاصب وغاصب الغاصب ( قوله بقدر الغلاء والرخص ) أي يراعى كل وقت أو مكان بما يناسبه . وفي البزازية إذا فرض القاضي النفقة ثم رخص تسقط الزيادة ولا يبطل القضاء وبالعكس لها طلب الزيادة ا هـ وكذا لو صالحته على شيء معلوم ثم غلا السعر أو رخص كما سيذكره المصنف والشارح ( قوله ولا تقدر بدراهم ودنانير ) أي لا تقدر بشيء معين بحيث لا تزيد ولا تنقص في كل مكان وزمان ، وما ذكره محمد من تقديرها على المعسر بأربعة دراهم في كل شهر فليس بلازم وإنما هو على ما شاهد في زمانه ، وإنما على القاضي في زماننا اعتبار الكفاية بالمعروف كما في الذخيرة ( قوله لكن في البحر إلخ ) حيث قال : فالحاصل أنه ينبغي للقاضي [ ص: 584 ] إذا أراد فرض النفقة أن ينظر في سعر البلد وينظر ما يكفيها بحسب عرف تلك البلدة ويقوم الأصناف بالدراهم ثم يقدر بالدراهم كما في المحيط ، إما باعتبار حاله أو باعتبار حالهما كما مر . ثم قال : وفي المجتبى إن شاء فرض لها أصنافا وإن شاء قومها وفرض لها بالقيمة . ا هـ .

ثم اعلم أن هذا لا ينافي ما عزاه إلى الاختيار والمجمع من عدم تقديرها بدراهم : أي بشيء معين لا يزيد ولا ينقص بل هو مؤكد له ومفسر ، فلا وجه للاستدراك عليه ; فالأولى جعل قوله لكن إلخ استدراكا على قوله ويقدرها بقدر الغلاء والرخص ، فإن ما ذكره في البحر يفيد أن القاضي مخير بين ذلك وبين فرضها أصنافا : أي من خبز وإدام ودهن وصابون ونحو ذلك ، فإذا ظهر للقاضي عدم إنفاقه بنفسه يأمره بدفع ذلك أو بقيمته بقدر كفايتها ، وحينئذ فالاستدراك صحيح فافهم . ( قوله وفيه ) أي في البحر بحثا ( قوله كما له أن يرفعها ) الأولى أن يقول بدليل أن له أن يرفعها إلخ ليفيد أنه بحث ، فإن صاحب البحر ذكر هذه المسألة عن الخلاصة ، ثم قال وهو يدل على أن له إلخ .

( قوله وتزاد في الشتاء إلخ ) أي تزاد على ما قدره محمد في الكسوة بدرعين وخمارين وملحفة في كل سنة . قال في الظهيرية : إن هذا في عرفهم ، أما في عرفنا فيجب السراويل والجبة والفراش واللحاف وما تدفع به أذى الحر والبرد ، وفي الشتاء درع خزرجية قز وخمار إبريسم . ا هـ . وفي الذخيرة ما ذكره محمد على عادتهم ، وذلك يختلف باختلاف الأماكن حرا وبردا والعادات ، فعلى القاضي اعتبار الكفاية بالمعروف في كل وقت ومكان ، وكل جواب عرفته في النفقة من اعتبار حاله أو حالهما فهو الجواب في الكسوة .

( قوله وما يدفع إلخ ) مفعول لفعل مقدر دل عليه المذكور ، إذ عطفه على جبة لا يناسبه تقييد الفعل بالشتاء ، وما يدفع أذى الحر يناسب الصيف ( قوله إن طلبته ) راجع لقوله ويقدرها وقوله وتزاد ( قوله ويختلف ذلك إلخ ) هو معنى ما ذكرناه آنفا عن الظهيرية وعن الذخيرة ، وقوله وحالا : أي حال الزوجين في اليسار والإعسار ، فهو عطف مرادف تأمل ، ولو قال بدله ووقتا لكان أولى ( قوله وليس عليه خفها إلخ ) قال في البزازية : ولم يذكر الخف والإزار في كسوة المرأة وذكرهما في كسوة الخادم وذلك في ديارهم بحكم العرف وفي ديارنا يفرض الإزار والمكعب وما تنام عليه . ا هـ وقال السرخسي : ولم يوجب محمد الإزار ; لأنه إنما يحتاج للخروج والمرأة منهية عنه ، قال في الذخيرة : هذا التعليل إشارة إلى أنه لا يفرض للمرأة الإزار في ديارنا أيضا . ا هـ والحاصل أنه اختلف التعليل لعدم ذكر الإزار ، فقيل للعرف ولذا أوجبه الخصاف لاختلاف العرف في زمانه وقيل لحرمة الخروج ، ولعل الأول أوجه ; لأنها يحل لها الخروج في مواضع فلا بد لها من ساتر ، وتقدم أنه يجب لها مداس رجلها والظاهر أنه لا خلاف فيه إن كان المراد به ما تلبسه في البيت ، وكذا الخف أو الجورب في الشتاء لدفع البرد الشديد ( قوله وفي البحر إلخ ) وعبارته : والحاصل أن المرأة ليس عليها إلا تسليم نفسها في بيته ، وعليه لها جميع ما يكفيها بحسب حالها من أكل وشرب ولبس وفرش ، ولا يلزمها أن تتمتع بما هو ملكها ولا أن تفرش له شيئا من فرشها إلخ . [ ص: 585 ] قلت : ومفاده أنه يلزمه كسوتها من حين عقده عليها أو دخوله بها ; ومر التصريح به عن الخلاصة فتجب حالة لا مؤجلة إلى مضي نصف الحول ، وإن زفت إليه بثياب فلا يلزمها استعمالها ، كما لو مضت المدة ولم تلبس ما دفعه لها فلها عليه غيره كما مر ويأتي ، وكما لو كانت تملك طعاما يكفيها أو قترت على نفسها وبقي معها دراهم مما فرض لها عليه فيجب لها غيره عليه .




الخدمات العلمية