الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وكذا ) تجب ( لولده الكبير العاجز عن الكسب ) كأنثى مطلقا وزمن ومن يلحقه العار بالتكسب وطالب علم لا يتفرغ لذلك ، كذا في الزيلعي والعيني . وأفتى أبو حامد بعدمها لطلبة زماننا كما بسطه في القنية ، ولذا قيده في الخلاصة بذي رشد ( لا يشاركه ) أي الأب [ ص: 615 ] ولو فقيرا ( أحد في ذلك كنفقة أبويه وعرسه ) به يفتى ما لم يكن معسرا فيلحق بالميت ، فتجب على غيره بلا رجوع عليه على الصحيح من المذهب إلا لأم موسرة بحر . قال : وعليه فلا بد من إصلاح المتون جوهرة .

[ ص: 616 ] فروع ] لو لم يقدر إلا على نفقة أحد والديه فالأم أحق ، ولو له أب وطفل فالطفل أحق به ، وقيل يقسمها فيهما .

التالي السابق


( قوله لولده الكبير إلخ ) فإذا طلب من القاضي أن يفرض له النفقة على أبيه أجابه ويدفعها إليه ; لأن ذلك حقه وله ولاية الاستيفاء ذخيرة ، وعليه فلو قال له الأب : أنا أطعمك ولا أدفع إليك لا يجاب ، وكذا الحكم في نفقة كل محرم بحر ( قوله كأنثى مطلقا ) أي ولو لم يكن بها زمانة تمنعها عن الكسب فمجرد الأنوثة عجز إلا إذا كان لها زوج فنفقتها عليه ما دامت زوجة وهل إذا نشزت عن طاعته تجب لها النفقة على أبيها محل تردد فتأمل ، وتقدم أنه ليس للأب أن يؤجرها في عمل أو خدمة ، وأنه لو كان لها كسب لا تجب عليه ( قوله وزمن ) أي من به مرض مزمن ، والمراد هنا من به ما يمنعه عن الكسب كعمى وشلل ، ولو قدر على اكتساب ما لا يكفيه فعلى أبيه تكميل الكفاية ( قوله ومن يلحقه العار بالتكسب ) كذا في البحر والزيلعي . واعترضه الرحمتي بأن الكسب لمؤنته ومؤنة عياله فرض فكيف يكون عارا ، الأولى ما في المنح عن الخلاصة إذا كان من أبناء الكرام ولا يستأجره الناس فهو عاجز . ا هـ ومثله في الفتح وسيأتي تمامه .

( قوله كما بسطه في القنية ) حاصله أن السلف قالوا بوجوب نفقته على الأب ، لكن أفتى أبو حامد بعدمه لفساد أحوال أكثرهم ، ومن كان بخلافهم نادر في هذا الزمان فلا يفرد بالحكم دفعا لحرج التمييز بين المصلح والمفسد . قال صاحب القنية : لكن بعد الفتنة العامة يعني فتنة التتار التي ذهب بها أكثر العلماء والمتعلمين نرى المشتغلين بالفقه والأدب اللذين هما قواعد الدين وأصول كلام العرب يمنعهم الاشتغال بالكسب عن التحصيل ويؤدي إلى ضياع العلم والتعطيل ، فكان المختار الآن قول السلف ، وهفوات البعض لا تمنع الوجوب كالأولاد والأقارب . ا هـ ملخصا ، وأقره في البحر .

وقال ح : وأقول الحق الذي تقبله الطباع المستقيمة ولا تنفر منه الأذواق السليمة القول بوجوبها لذي الرشد لا غيره ، ولا حرج في التمييز بين المصلح والمفسد لظهور مسالك الاستقامة وتمييزه عن غيره ، وبالله التوفيق ( قوله ولذا إلخ ) أي لكونها لا تجب لطلبة زماننا الغالب عليهم الفساد ( قوله لا يشاركه ) جملة استئنافية أو حالية [ ص: 615 ] من الضمير المضاف إليه في تجب لطفله الفقير إلخ تأمل ( قوله ولو فقيرا ) هذا مجاراة لظاهر إطلاق المصنف الأب تبعا لإطلاق المتون فلا ينافيه قوله ما لم يكن معسرا تأمل .

( قوله في ذلك ) أي في نفقة طفله وولده الكبير العاجز عن الكسب ( قوله كنفقة أبويه وعرسه ) أي كما لا يشاركه أحد في نفقة أبويه ولا في نفقة زوجته ( قوله به يفتى ) راجع إلى مسألة الفروع ، ومقابله ما روي عن الإمام أن نفقة الولد على الأب والأم أثلاثا يعني الكبير ، أما الصغير فعلى أبيه خاصة بلا خلاف : قال الشرنبلالي : ووجه الفرق أنه اجتمع للأب في الصغير ولاية ومؤنة حتى وجب عليه صدقة فطره فاختص بلزوم نفقته عليه ، ولا كذلك الكبير لانعدام الولاية فتشاركه الأم . ا هـ . ط وصرح العلامة قاسم بأن عدم الفرق بينهما هو ظاهر الرواية ، وبأن عليه الفتوى فلذا تبعه الشارح .

( قوله ما لم يكن معسرا إلخ ) الضمير راجع للأب . قال في الذخيرة : ولو كان للفقير أولاد صغار وجد موسر يؤمر الجد بالإنفاق صيانة لولد الولد ويكون دينا على والدهم هكذا ذكر القدوري ، فلم يجعل النفقة على الجد حال عسرة الأب ، وهذا قول الحسن بن صالح . والصحيح في المذهب أن الأب الفقير يلحق بالميت في استحقاق النفقة على الجد ، وإن كان الأب زمنا يقضى بها على الجد بلا رجوع اتفاقا ; لأن نفقة الأب حينئذ على الجد فكذا نفقة الصغار . ا هـ . وقال في الذخيرة أيضا قبل هذا : ولو لهم أم موسرة أمرت أن تنفق عليهم فيكون دينا ترجع به على الأب إذا أيسر وهي أولى بالتحمل من سائر الأقارب إلخ .

قال في البحر : وحاصله أن الوجوب على الأب المعسر إنما هو إذا أنفقت الأم الموسرة ، وإلا فالأب كالميت والوجوب على غيره لو كان ميتا ولا رجوع عليه في الصحيح . وعلى هذا فلا بد من إصلاح المتون والشروح كما لا يخفى . ا هـ أي ; لأن قول المتون والشروح : إن الأب لا يشاركه في نفقة ولده أحد يقتضي أنه لو كان معسرا وأمر القاضي غيره بالإنفاق يرجع سواء كان أما أو جدا أو غيرهما ، إذ لو لم يرجع عليه لحصلت المشاركة وأجاب المقدسي بحمل ما في المتون على حالة اليسار ، لكن قال الرملي : لا حاجة إلى ذلك ; لأن ما في المتون مبني على الرواية الثانية ، وقد اختارها أهل المتون والشروح مقتصرين عليها . ا هـ . قلت : وعلى هذا فلا فرق بين كون المنفق أما أو جدا أو غيرهما في ثبوت الرجوع على الأب ، ما لم يكن الأب زمنا فإنه حينئذ يكون في حكم الميت اتفاقا وقدمنا عن جوامع الفقه ما يؤيد ما في المتون ، ومثله ما في الخانية من أن نفقة الصغار والإناث المعسرات على الأب لا يشاركه في ذلك أحد ولا تسقط بفقره . ا هـ وكذا ما في البدائع من قوله : وإن كان لهم جد موسر لم تفرض عليه بل يؤمر بها ليرجع على الأب ; لأنها لا تجب على الجد عند وجود الأب القادر على الكسب ، ألا ترى أنه لا يجب على الجد نفقة ابنه المذكور فنفقة أولاده أولى ، نعم لو كان الأب زمنا قضي بنفقتهم ونفقة الأب على الجد . ا هـ على أن ما صححه في الذخيرة يرد عليه تسليمه رجوع الأم مع أنها أقرب إلى أولادها من الجد والعم والخال ، فكيف يرجع الأقرب دون الأبعد ؟ . ومسألة رجوع الأم منصوص عليها في كافي الحاكم وغيره ، وهي تثبت رجوع غيرها بالأولى ، وهذا مؤيد لما في المتون والشروح كما لا يخفى فافهم .

[ تنبيه ] في البحر : الفقير لا يجب عليه نفقة غير الأصول والفروع والزوجة . ا هـ وشمل الفروع الولد الكبير العاجز والأنثى ، وتقدم آنفا في عبارة الخانية ( قوله جوهرة ) كذا في عامة النسخ ولا وجه له ، فإن هذا الكلام [ ص: 616 ] لم ينقله في البحر عن الجوهرة ولا هو موجود فيها . وفي نسخة الرحمتي : وفي الجوهرة فروع إلخ وهي الصواب ، فإن هذه الفروع إلى قوله . وفي المختار ذكرها في الجوهرة فيكون الجار والمجرور خبرا مقدما وفروع مبتدأ مؤخرا ( قوله فالأم أحق ) ; لأنها لا تقدر على الكسب . وقال بعضهم : الأب أحق ; لأنه هو الذي يجب عليه نفقة الابن في صغره دون الأم ، وقيل يقسمها بينهما جوهرة . قلت : ويؤيد الأول ما رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه { عن معاوية القشيري قلت يا رسول الله من أبر ؟ قال أمك ، قلت : ثم من ؟ قال أمك . قلت ، ثم من ؟ قال : أباك ، ثم الأقرب فالأقرب } أورد الحديث في الفتح ( قوله وقيل يقسمها فيهما ) أي في المسألتين .




الخدمات العلمية