الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) يصح أيضا ( بهذا ابني ) أو بنتي ( للأصغر ) سنا من المالك ( والأكبر و ) كذا ( هذا أبي ) أو جدي ( أو ) هذه ( أميوإن لم ) يصلحوا لذلك ولم ( ينو العتق ) ; لأنها صرائح لا كناية ولذا جاء بالباء وأخرها لتفصيلها ، فإن صلحوا وجهل نسبهم في مولدهم [ ص: 647 ] وليس للقائل أب معروف - ثبت النسب أيضا ما لم يقل ابني من الزنا فيعتق فقط ، وهل يشترط تصديقه فيما سوى دعوى البنوة ؟ قولان ، ولا تصير أمه أم ولد . ولو قال لعبده : هذه بنتي أو لأمته هذا ابني افتقر للنية وفي هذا خالي أو عمي عتق وأخي لا ، ما لم ينو من النسب ( لا ) يعتق ( بيا ابني ويا أخو ) ويا أختي ويا أبي - [ ص: 648 ] ( ولا سلطان لي عليك ولا بألفاظ الطلاق ) صريحه وكنايته ، بخلاف عكسه كما مر ( وإن نوى ) قيد للأخيرة لتوقفه في النداء على النية كما نقله ابن الكمال ، وكذا نفى السلطان كما رجحه الكمال وأقره في البحر .

التالي السابق


( قوله أو بنتي ) أي أو هذه بنتي ، ولا يصح أن يكون التقدير أو هذا بنتي لما سيأتي أنه كناية وكلامه الآن في الصريح ; ولو قال أو هذه بنتي لكان أولى ح ، وقوله إنه كناية فيه كلام يأتي ( قوله وإن لم يصلحوا لذلك ) أي للأبوة والجدودة والأمومة ( قوله ولذا جاء بالباء إلخ ) أي إن قول المصنف وبهذا ابني بإعادة الباء الجارة ليفيد أنه عطف على قوله وبكنايته مقابل له ، ولو حذف الباء لأوهم أنه عطف على أمثلة الكناية مع أنه من أمثلة الصريح ، وإنما أخره وذكره بعد ألفاظ الكناية ; لما فيه من التفصيل المفاد بقوله فإن صلحوا إلخ ( قوله فإن صلحوا ) حاصله أن هذا ابني على وجهين : إما أن يصلح ابنا له بأن كان مثله يولد له أو لا ، وكل منهما إما أن يكون العبد مجهول النسب أو لا ، فإن صلح وهو مجهول عتق وثبت نسبه منه إجماعا ، وإن كان معروف النسب لا يثبت منه بلا شك لكن يعتق عندنا ، وإن لم يصلح ولدا له فكذلك عند الإمام .

وعندهما لا يعتق ، وكذلك الكلام في هذا أبي أو أمي فإن صلح أبا له أو أما وليس للقائل أب أو أم معروف ثبت النسب والعتق بلا خلاف ، وإن صلح وله أب معروف لا يثبت النسب ويعتق عندنا ، وإن لم يصلح لا يثبت النسب ، ولكن يعتق عنده لا عندهما ، ولو قال لصغير هذا جدي فقيل هو على الخلاف وهو الأصح ; لأنه وصفه بصفة من يعتق عليه بملكه كما في البحر ( قوله في مولدهم ) قال في القنية : مجهول النسب الذي يذكر في الكتب هو الذي لا يعرف نسبه في البلدة التي هو فيها . ا هـ ومختار المحققين من شراح [ ص: 647 ] الهداية وغيرهم أنه الذي لا يعرف نسبه في مولده ومسقط رأسه وتمامه في الدرر ( قوله وليس للقائل أب معروف ) أراد بالأب الأصل فيشمل الجد والأم . قال ط : وهذا يغني عنه قوله وجهل نسبهم ( قوله فيعتق فقط ) أي بلا ثبوت نسب ; لأن العتق باعتبار الجزئية ، والزنا ينفي النسبة الشرعية لا الجزئية ( قوله وهل يشترط ) أي في ثبوت النسب تصديق العبد للسيد ، فقيل لا ; لأن إقرار السيد على مملوكه يصح بلا تصديق ، وقيل يشترط فيما سوى دعوى البنوة ; لأن فيه حمل النسب على الغير زيلعي . قلت : ومشى في كافي الحاكم على الثاني حيث قال في مسألة الأب والأم : وصدقا في ذلك ولم يذكر ذلك في مسألة الابن ( قوله ولا تصير أمه أم ولد ) قال في فتح القدير : ثم إذا قال هذا ابني هل تصير أمه أم ولد له إذا كانت في ملكه ؟ فقيل لا سواء كان الولد مجهول النسب أو معروفه ، وقيل تصير في الوجهين ، وقيل إن كان معروف النسب حتى لم يثبت نسبه منه لا تصير أم ولد له ، وإن كان مجهوله حتى ثبت نسبه منه صارت أم ولد له وهذا أعدل . ا هـ

وبه علم ما في كلام الشارح من الإطلاق في محل التفصيل فافهم ( قوله افتقر للنية ) فيه نظر . ففي المجتبى : قال لغلامه هذه بنتي أو لجاريته هذا ابني يعتق عندهما خلافا لأبي حنيفة ، وقيل لا يعتق عند الكل وهو الأظهر . ا هـ . ومثله في الذخيرة والقهستاني . وقال في النهر : قال في المجتبى : والأظهر أنه لا يعتق يعني إلا بالنية ، ويدل عليه ما مر من أنه لو قال لعبده أنت حرة أو لأمته أنت حر ذكر في بعض المواضع أنه صريح وفي بعضها كناية . ا هـ فقوله : يعني إلا بالنية إلخ ليس من كلام المجتبى كما علمت ، وفيه نظر . وما استدل به لا يدل له لجواز كون التأنيث في قوله للعبد أنت حرة باعتبار كونه ذاتا أو جثة أو نسمة ، والتذكير في قوله للأمة أنت حر باعتبار كونها شخصا أو خلقا بخلاف إطلاق البنت على الابن وعكسه ، لما في فتح القدير حيث قال في تعليل المسألة : لأن الأول مجاز عن عتق في الذكر والثاني عنه في الأنثى ، فانتفى حقيقته لانتفاء محل ينزل فيه ، ولا يتجوز في لفظ الابن في البنت وعكسه اتفاقا . ثم قال : وما ذكره المصنف يعني صاحب الهداية بيان لتعذر عتقه بطريق آخر ، وهو أنه إذا اجتمعت الإشارة والتسمية والمسمى من جنس المشار تعلق بالمشار ، وإن كان من خلاف جنسه يتعلق بالمسمى ، والمشار إليه هنا مع المسمى جنسان ; لأن الذكر والأنثى في الإنسان جنسان لاختلاف المقاصد ، فيلزم أن يتعلق الحكم بالمسمى : أعني مسمى بنت ، وهو معدوم ; لأن الثابت ذكر . ا هـ . فأنت ترى أن مقتضى التعليل بهذين الوجهين كون الكلام لغوا لا يتعلق به حكم سواء نوى أو لا .

ويظهر من هذا أنه لا فرق بين قوله للعبد هذا بنتي أو هذه بنتي بتذكير اسم الإشارة أو تأنيثه ; لأن اللغو جاء من إطلاق البنت على الابن حيث لا يستعمل أحدهما في الآخر حقيقة ولا مجازا ، ومن كونه خلاف جنس المشار إليه كما لو باع فصا على أنه ياقوت فإذا هو زجاج فالبيع باطل ، ويدل لما قلنا : أنه في متن المنتقى عبر بقوله هذا ابنتي ( قوله عتق ) أي بلا خلاف فتح ، وينبغي توقفه على النية تأمل . ( قوله وأخي لا ) أي وفي قوله هذا أخي لا يعتق بدون نية . قال في البحر : وفرق في البدائع بأن الأخوة تحتمل الإكرام والنسب ، بخلاف العم ; لأنه لا يستعمل للإكرام عادة وهذا كله إذا اقتصر ; فلو قال أخو من أبي أو من أمي أو من النسب فإنه يعتق كما في الفتح وغيره . ولا يخفى أنه إذا اقتصر يكون من الكنايات فيعتق بالنية . ا هـ . ( قوله لا يعتق بيا ابني ويا أخي ) أي بدون نية كما يأتي . قال في الدر المنتقى : [ ص: 648 ] وعنه أنه يعتق . والظاهر الأول ; لأن المقصود بالنداء استحضار المنادى ، فإن كان بوصف يمكن إثباته من جهته نحو يا حر كان لإثبات ذلك الوصف ، وإن لم يمكن كالبنوة كان لمجرد الإعلام .

قال في الفتح : وينبغي أن يكون محل المسألة ما إذا كان العبد معروف النسب وإلا فهو مشكل ، إذ يجب أن يثبت النسب تصديقا له فيعتق . ا هـ . ولو قال يا أخي من أمي أو أبي أو من النسب عتق كما مر . ا هـ . ( قوله ولا سلطان لي عليك ) ; لأن السلطان عبارة عن الحجة واليد ونفي كل منهما لا يستدعي نفي الملك كالمكاتب يثبت للمولى فيه الملك دون اليد ( قوله بخلاف عكسه ) وهو وقوع الطلاق بألفاظ العتق ; لأن إزالة ملك الرقبة تستلزم إزالة ملك المتعة بلا عكس درر ( قوله كما مر ) أي في أول الطلاق ( قوله قيد للأخيرة ) يعني أن قوله وإن نوى راجع إلى المسألة الأخيرة وهي ألفاظ الطلاق ، أما الأولى وهي مسألة النداء والثانية وهي مسألة نفي السلطان فيتوقف وقوع العتق فيهما على النية فهما من كناياته . ( قوله كما نقله ابن الكمال ) أي عن غاية البيان ، وكذا نقله في البحر عنها عن التحفة وقال : فحينئذ لا ينبغي الجمع بين هذه المسائل في حكم واحد وأقره في النهر أيضا . قلت : بل على ما مر من بحث الفتح ينبغي أن يثبت العتق بلا نية إذا كان مجهول النسب ( قوله كما رجحه الكمال ) ونقله أيضا عن بعض المشايخ ، وبه قال الأئمة الثلاثة ، إذ لا يظهر فرق بينه وبين لا سبيل . وعن الإمام الكرخي : فني عمري ولم يتضح لي الفرق بينهما ، ثم قال الكمال بعد تقرير عدم الفرق . والذي يقتضيه النظر كونه من الكنايات ( قوله وأقره في البحر ) وكذا في النهر والشرنبلالية والمقدسي .




الخدمات العلمية