الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا يجمع بينهما ) أي تيمم وغسل كما لا يجمع بين حيض وحبل أو استحاضة أو نفاس ، ولا بين نفاس واستحاضة أو حيض ، ولا زكاة وعشر أو خراج [ ص: 259 ] أو فطرة ، ولا عشر مع خراج ، ولا فدية وصوم أو قصاص ، ولا ضمان وقطع أو أجر ، ولا جلد مع رجم أو نفي ، ولا مهر ومتعة وحد أو ضمان إفضائها أو موتها من جماعة ، ولا مهر مثل وتسمية ، ولا وصية وميراث وغيرها مما سيجيء في محله - إن شاء الله تعالى . [ ص: 260 ] ( من به وجع رأس لا يستطيع معه مسحه ) محدثا ولا غسله جنبا ففي الفيض عن غريب الرواية يتيمم ، وأفتى قارئ الهداية أنه ( يسقط ) عنه ( فرض مسحه ) ولو عليه جبيرة ، ففي مسحها قولان ، وكذا يسقط غسله فيمسحه ولو على جبيرة إن لم يضره ، وإلا سقط أصلا وجعل عادما لذلك العضو حكما كما في المعدوم حقيقة .

التالي السابق


( قوله ولا يجمع بينهما ) لما فيه من الجمع بين البدل والمبدل ، بخلاف الجمع بين التيمم وسؤر الحمار ; لأن الفرض يتأدى بأحدهما لا بهما فجمعنا بينهما للشك بحر ( قوله وغسل ) بفتح الغين ليعم الطهارتين ح ( قوله كما لا يجمع ) عدم الجمع في جميع ما يأتي بمعنى المعاقبة من الطرفين أي كلما وجد واحد امتنع وجود آخر ، وليس المراد عدم الجمع ولو من أحد الطرفين ; لأن ذلك لا ينحصر في عدد كالحيض مع الصلاة أو الصوم أو الحج ، وكذا العبادات بأسرها مع الكفر ونحو ذلك ( قوله بين حيض وحبل أو استحاضة أو نفاس ) أي لا يجمع بين الحيض وبين واحد من الثلاثة المعطوفات عليه ، بل كلما وجد الحيض لا يوجد واحد منها ، وكلما وجد واحد منها لا يوجد الحيض ، وكذا يقال فيما بعده ، وقوله ولا بين نفاس واستحاضة أو حيض ، قيل كذا في أصل نسخة الشارح . وفي بعض النسخ : أو حبل بدل قوله أو حيض وعليه فلا تكرار ، لكن فيه كما قال ط : إن النفاس قد يجتمع مع الحبل في التوأم الثاني ، لما ذكروه من أن النفاس من الأول .

والحاصل أن الاحتمالات ستة : ثلاثة فيها الحيض مع غيره ، واثنان نفاس مع غيره ، والسادس حبل مع استحاضة . قال ح : وتركه الشارح ; لأن الجمع فيه صحيح ( قوله ولا زكاة وعشر أو خراج ) ; لأن كل ما كان الواجب فيه الزكاة لا يجب فيه عشر ولا خراج ، وهو ظاهر وكذا عكسه ، كما لو أدى عشر الخارج من الأرض العشرية أو أدى خراج الأرض الخراجية من الخارج منها ونوى فيما بقي التجارة وحال عليه الحول فلا زكاة فيه . [ ص: 259 ] وكذا لو شرى أرضا خراجية أو عشرية ناويا التجارة بها وحال الحول لما سيذكره الشارح في كتاب الزكاة ، من أنه لا تصح نية التجارة فيما خرج من أرضه العشرية أو الخراجية لئلا يجتمع الحقان ، وكذا لو شرى أرضا خراجية ناويا التجارة أو عشرية وزرعها لا تكون للتجارة لقيام المانع . ا هـ ( قوله أو فطرة ) فعبيد الخدمة فيها الفطرة ولا زكاة وعبيد التجارة إذا حال عليها الحول فيها الزكاة ولا فطرة ح ( قوله ولا عشر مع خراج ) أي إن كانت الأرض عشرية ففيها عشر الخارج ، وإن خراجية فالخراج .

واعلم أن الاحتمالات في هذه الأربعة ستة أيضا : ثلاثة في اجتماع الزكاة مع غيرها ، وواحد في العشر مع الخراج ، واثنان في الفطرة مع العشر أو مع الخراج تركهما لعدم تصورهما أفاده ح .

( قوله ولا فدية و صوم ) فمن وجب عليه الصوم لا تلزمه فدية ، ومن وجبت عليه الفدية لا يجب عليه الصوم ما دام عاجزا ، أما إذا قدر فإنه يصوم ، لكن لا يبقى ما أداه فدية ; لأن شرطها العجز الدائم فلا جمع أفاده ط ( قوله أو قصاص ) أي ولا بين فدية أي كفارة وقصاص ، فأراد بالفدية ما يشمل الكفارة ، والأولى التعبير بها كما في البحر فافهم ، وذلك ; لأن القصاص في العمد والكفارة في غيره ، فمتى وجب أحدهما لم يجب الآخر ( قوله ولا ضمان وقطع ) فإن السارق إذا قطع أولا لا يضمن العين الهالكة أو المستهلكة ، وإذا ضمن القيمة أولا لم يقطع بعده لملكه مستندا إلى وقت الأخذ ، نعم يجتمع مع القطع ضمان النقصان فيما إذا شق الثوب قبل إخراجه لكنه ضمان إتلاف لا ضمان مسروق فلم يجب الضمان بما وجب به القطع فافهم ( قوله أو أجر ) أي ولا ضمان وأجر ; كما لو استأجر دابة ليركبها ففعل وجب الأجر ولا ضمان وإن عطبت ، ولو أركبها غيره فعطبت ضمنها ولا أجر عليه . وأما إذا استأجرها لحمل مقدار فحمل أكثر منه ولا تطيق ذلك فعطبت فعليه الأجر لأجل الحمل والضمان لأجل الزيادة فلم يجب الضمان بما وجب به الأجر بل بغيره ( قوله ولا جلد مع رجم ) ; لأن الجلد للبكر والرجم للمحصن ( قوله أو نفي ) المراد به تغريب عام كما فسره الشافعي . وأما إذا كان بمعنى الحبس فيجمع مع الجلد أفاده ح ، والمراد أن البكر إذا جلد لا ينفى ما لم يره الإمام فله فعله سياسة ، وليس المراد أنه إذا نفي لا يجلد ، ففي عده هنا نظر تأمل .

( قوله ولا مهر ولا متعة ) فإن المطلقة قبل الدخول إن سمي لها مهر فلها نصفه وإلا فالمتعة حينئذ ، وهذا في المتعة الواجبة ، أما المستحبة فتجتمع مع المهر ( قوله وحد ) أي ولا مهر وحد ، بل إن كان الوطء زنا فالحد ولا مهر ، وإلا فالمهر ولا حد ح ( قوله أو ضمان إفضائها ) أي ولا مهر وضمان إفضائها فيما إذا وطئ زوجته فأفضاها لا يجب ضمان الإفضاء عند أبي حنيفة ومحمد ، ومثله المهر مع الموت من الوطء ح ، وهذا لو بالغة مختارة مطيقة لوطئه وإلا لزمه ديتها كاملة كما حرره الشرنبلالي في شرح الوهبانية ، ثم هذا أيضا في ذكره هنا نظر ، إذ ليس المراد أنه إذا لزمه الضمان في الزوجة لا يلزمه مهرها فعدم الاجتماع من أحد الطرفين فقط وسيأتي - إن شاء الله تعالى - في الجنايات قبيل باب الشهادة في القتل ما لو كان ذلك بأجنبية ، وأنه بإفضائها مكرهة يلزمه الحد وأرش الإفضاء وهو ثلث الدية إن كانت تستمسك بولها وإلا فكل الدية فافهم ( قوله من جماعه ) أي جماع الزوج لها ( قوله ولا مهر مثل وتسمية ) ; لأنه إذا سمى الجائز من المهر وجب ، وإن لم يسم أصلا أو سمى ما لا يجوز كخنزير وخمر وجب مهر المثل ط ( قوله ولا وصية و ميراث ) فمن يستحق الوصية لا يستحق الميراث وكذا بالعكس : أي فيما إذا كان ممن يرد عليه ، أما إذا أوصى أحد الزوجين للآخر ولا وارث غيره اجتمعا حينئذ ، وكذا يجتمعان إذا أجاز بقية الورثة ( قوله وغيرها مما سيجيء ) ذكر الحموي [ ص: 260 ] في شرحه على الكنز جملة : منها : القصاص مع الدية وأجر القسمة مع نصيبه ، فمن يستحق الأجرة على قسمة الدار المشتركة لا يجوز أن يكون له نصيب منها وبالعكس . والظهر مع الجمعة ، فمن كان الواجب عليه الظهر كالمسافر لا تجب عليه الجمعة وكذا بالعكس . والشهادة مع اليمين ، فمتى لزم أحد الخصمين البينة لا يلزم الآخر اليمين وبالعكس تأمل . وأما من أحد الطرفين فيتصور فيما إذا ادعى وأقام البينة فلا يحلف المدعى عليه ، وكذا لا يحلف الشهود على المعتمد ، وفيما إذا أقام شاهدا واحدا وحلف فلا يقبل شاهد ويمين عندنا .

ومنها : النكاح مع ملك اليمين ، فمن كان يطأ بالنكاح لا يمكن أن يكون مالكا للرقبة وبالعكس إلا أن يعقد على أمته للاحتياط ، والأجر مع الشركة في حمل المشترك نظير أجرة القسمة ، والحد مع قيمة أمة مملوكة زنى بها فقتلها على قول أبي يوسف . وأما عندهما فيجب الحد بالزنا والقيمة بالقتل ، وهو ما مشى عليه المصنف في الحدود ، والحد مع قيمة إفضاء أمة مملوكة زنى بها فأفضاها في بعض الصور على ما سيأتي تفصيله في الحدود - إن شاء الله تعالى - والظاهر أن هذا إذا لم يكن الوطء بشبهة ، فلو كان بشبهة لا حد بل تجب القيمة في الصورتين .

ومنها : القيمة مع الثمن ، فإن البيع لو صحيحا وجب الثمن ، ولو فاسدا وتعذر رده على البائع وجبت قيمته والحد مع اللعان وأجر نظر الناظر إذا عمل مع العملة في الدار الموقوفة فإن له أجر العمل لا النظارة . ا هـ ح موضحا ، فهذه أحد عشر موضعا والذي في الشرح ثلاثة وعشرون فالمجموع أربعة وثلاثون .

أقول : وزدت الرهن مع الإجارة فيما إذا رهن شيئا ثم آجره أو بالعكس أو مع الإعارة كذلك ، والمساقاة مع الشركة ، والغسل مع المسح على الخف في إحدى الرجلين ، والحج مع العمرة للمكي ، والنكاح مع أجرة الرضاع ، ثم رأيت الشرنبلالي زاد في الإمداد القتل مع الوصية أو مع الميراث وخرق خف مع آخر ، والتتبع ينفي الحصر ( قوله محدثا ) حال من فاعل يستطيع ( قوله وأفتى قارئ الهداية إلخ ) هو العلامة سراج الدين شيخ المحقق ابن همام ، وما أفتى به نقله في البحر عن الجلابي ، ونظمه العلامة ابن الشحنة في شرحه على الوهبانية وقال إنها مهمة نظمتها لغرابتها وعدم وجودها في غالب الكتب ( قوله قولان ) ذكر في النهر عن البدائع ما يفيد ترجيح الوجوب ، وقال : وهو الذي ينبغي التعويل عليه . ا هـ بل قال في البحر : والصواب الوجوب ويأتي تمامه في آخر الباب الآتي ( قوله وكذا يسقط غسله ) أي غسل الرأس من الجنابة ( قوله ولو على جبيرة ) ويجب شدها إن لم تكن مشدودة ط أي إن أمكنه ( قوله وإلا ) أي بأن ضره المسح عليها ، والله سبحانه وتعالى أعلم .




الخدمات العلمية