الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( لا تخرجي ) بغير إذني أو ( إلا بإذني ) أو بأمري أو بعلمي أو برضاي [ ص: 759 ] ( شرط ) للبر ( لكل خروج إذن ) إلا لغرق أو حرق أو فرقة ولو نوى الإذن مرة [ ص: 760 ] دين وتنحل يمينه بخروجها مرة بلا إذن ، ولو قال : كلما خرجت فقد أذنت لك سقط إذنه ، ولو نهاها بعد ذلك صح عند محمد وعليه الفتوى والولوالجية . وفي الصيرفية : حلف بالطلاق لا ينقل أهله لبلد كذا فرفع الأمر للحاكم فبعث رجلا بإذنه فنقل أهله لا يحنث ( بخلاف ) قوله ( إلا إن أو حتى ) آذن لك لأنه للغاية ولو نوى التعدد صدق .

[ ص: 759 ]

التالي السابق


[ ص: 759 ] مطلب لا تخرجي إلا بإذني

( قوله شرط للبر لكل خروج إذن ) للبر متعلق بشرط ، ولكل متعلق بنائب الفاعل وهو إذن لا بشرط لئلا يلزم تعدية فعل بحرفين متفقي اللفظ والمعنى أفاده القهستاني ، ثم لا يخفى أن اشتراط الإذن راجع لقوله إلا بإذني أما ما بعده فيشترط فيه الأمر أو العلم أو الرضا ، وإنما شرط تكراره لأن المستثنى خروج مقرون بالإذن فما وراءه داخل في المنع العام لأن المعنى لا تخرجي خروجا إلا خروجا ملصقا بإذني ، قال في النهر : ويشترط في إذنه لها أن تسمعه وإلا لم يكن إذنا وأن تفهمه ، فلو أذن لها بالعربية ولا عهد لها بها فخرجت حنثت ، وأن لا تقوم قرينة على أنه لم يرد الإذن فلو قال لها اخرجي أما والله لو خرجت ليخزينك الله لا يكون إذنا صرح به محمد ، وكذا لو قال لها في غضب اخرجي ينوي التهديد لم يكن إذنا إذ المعنى حينئذ اخرجي حتى تطلقي ا هـ ملخصا .

وفي البزازية : قامت للخروج فقال دعوها تخرج ولا نية له لم يكن إذنا ، ولو سمع سائلا فقال لها أعطيه لقمة فإن لم تقدر على إعطائه بلا خروج كان إذنا بالخروج وإلا فلا ، وإن قال اشتر اللحم فهو إذن ، ولو أذن لها بالخروج إلى بعض أقاربه فخرجت لكنس الباب أو خرجت في وقت آخر حنث ، ولو استأذنت في زيارة الأم فخرجت إلى بيت الأخ لا يحنث لوجود الإذن بالخروج ، إلا إن قال إن خرجت إلى أحد إلا بإذني وفي لا تخرجي إلا برضاي فإذن ولم تسمع أو سمعت ولم تفهم لا يحنث بالخروج لأن الرضا يتحقق بلا علمها بخلاف الإذن ، وفي إلا بأمري فالأمر أن يسمعها بنفسه أو رسوله وفي الإرادة والهوى والرضا لا يشترط سماعها ، وفي إلا بعلمي لا يحنث لو خرجت وهو يراها أو أذن لها بالخروج فخرجت بعده بلا علمه ا هـ ملخصا ، وتمام فروع المسألة هناك .

قال في البحر : ولا فرق في المسألة بين أن يكون المخاطب الزوجة أو العبد بخلاف ما لو قال : لا أكلم فلانا إلا بإذن فلان أو حتى يأذن أو إلا أن يأذن ، أو إلا أن يقدم فلان أو حتى يقدم ، أو قال لرجل في داره والله لا تخرج إلا بإذني فإنه لا يتكرر الإذن في هذا كله لأن قدوم فلان لا يتكرر عادة والإذن في الكلام يتناول كل ما يوجد من الكلام بعد الإذن ، وكذا خروج الرجل مما لا يتكرر عادة ، بخلاف الإذن للزوجة فإنه لا يتناول إلا ذلك الخروج المأذون فيه لا كل خروج إلا بنص صريح فيه مثل أذنت لك أن تخرجي كلما أردت الخروج كذا في الفتح . ا هـ .

[ تتمة ]

في النهر عن المحيط لو قال إلا بإذن فلان فمات المحلوف عليه بطلت اليمين عندهما خلافا لأبي يوسف ا هـ وفي الذخيرة : حلف لا يشرب بغير إذن فلان فناوله فلان بيده ولم يأذن باللسان وشرب ينبغي أن يحنث لأنه ليس بإذن بل هو دليل الرضا ( قوله أو فرقة ) قال في الفتح : ثم انعقاد اليمين على الإذن في قوله إن خرجت إلا بإذني فأنت طالق ، والله لا تخرجي إلا بإذني مقيد ببقاء النكاح لأن الإذن إنما يصح لمن له المنع وهو مثل السلطان إذا حلف إنسانا ليرفعن إليه خبر كل داعر في المدينة كان على مدة ولايته فلو أبانها ثم تزوجها فخرجت بلا إذن لا تطلق وإن كان زوال الملك لا يبطل اليمين عندنا لأنها لم تنعقد إلا على بقاء النكاح ا هـ فلو لم يقيد بالإذن لم يتقيد بقيام النكاح كما سيذكره الشارح عن الزيلعي في أواخر الأيمان مع عدة مسائل من هذا الجنس ، وهو كون اليمين المطلقة تصير مقيدة بدلالة الحال ، بقي لو خرجت في عدة البائن هل يحنث ؟ يظهر لي عدمه لأنها وإن [ ص: 760 ] كانت ممنوعة لكن مانعها الشرع لا الزوج تأمل .

( قوله دين ) أي ولا يصدق في القضاء وعليه الفتوى خانية أي لأنه خلاف الظاهر وإنما دين لأنه محتمل كلامه لأن الإذن مرة موجب الغاية في قوله حتى آذن وبين الاستثناء والغاية مناسبة من حيث إن ما بعدهما مخالف لما قبلهما فيستعار إلا بإذني لمعنى حتى آذن فتح ( قوله وتنحل يمينه إلخ ) أي لو خرجت بغير إذن ووقع الطلاق ثم خرجت مرة ثانية بلا إذن لا يقع شيء لانحلال اليمين بوجود الشرط وليس فيها ما يدل على التكرار بحر عن الظهيرية ( قوله ولو نهاها بعد ذلك صح ) أي بعد قوله كلما خرجت إلخ قال في الخانية وبه أخذ الشيخ الإمام ابن الفضل ، حتى لو خرجت بعد ذلك حنث ولو أذن لها بالخروج ثم قال لها كلما نهيتك فقد أذنت لك فنهاها لا يصح نهيه . ا هـ . ( قوله وفي الصيرفية إلخ ) هذه مسألة استطرادية وذكر في الذخيرة عبارة فارسية وقال بعدها ثم إن الزوج ذهب إلى سمرقند وبعث إليها أصحاب السلطان حتى أخرجوها على كره منها وذهبوا بها إلى زوجها بسمرقند بأمر الزوج هل يحنث في يمينه ؟ فقيل : ينبغي أن يحنث على ظاهر جواب الكتاب أن للزوج نقلها من بلدة إلى بلدة أخرى بعدما أوفى المعجل لأنه صح الأمر بالإخراج من الزوج وانتقل فعل المخرج إليه فكأن الزوج أخرجها بنفسه ، أما على اختيار أبي الليث أنه ليس له نقلها لم يصح الأمر ولم ينتقل فعل المخرج إليه فلا يحنث ا هـ ( قوله بخلاف قوله إلخ ) مرتبط بما تقدم في المتن أي لو قال لا تخرجي إلا أن آذن أو حتى آذن لك ، فإنه يكفي الإذن مرة واحدة لأنه للغاية ، أما حتى فظاهر ، وأما إلا أن فتجوز بإلا عنها لتعزر استثناء الإذن من الخروج ، وتمامه في الفتح والبحر . قال في البحر : وأشار إلى أنه لو قال عبده حر إن دخل هذه الدار إلا إن نسي فدخلها ناسيا ثم دخل ذاكرا لم يحنث بخلاف قوله إلا ناسيا لأنه استثنى من كل دخول دخولا بصفة فبقي ما سواه داخلا تحت اليمين ، أما الأول فإنه بمعنى حتى فلما دخلها ناسيا انتهت اليمين . ا هـ . ( قوله صدق ) أي قضاء لأنه محتمل كلامه وفيه تشديد على نفسه بحر .




الخدمات العلمية