الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإن كان ) الحالف ( ذا سلطان ) كقاضي وشريف ( لا يباشر هذه الأشياء ) بنفسه حنث بالمباشرة ( وبالأمر أيضا ) لتقيد اليمين بالعرف وبمقصود الحالف ( وإن كان يباشر مرة ويفوض أخرى اعتبر الأغلب ) وقيل تعتبر السلعة ، فلو مما يشتريها بنفسه لشرفها لا يحنث بوكيله وإلا [ ص: 815 ] حنث . ( ويحنث بفعله وفعل مأموره ) لم يقل وكيله لأن من هذا النوع الاستقراض والتوكيل به غير صحيح ( في النكاح ) لا الإنكاح ( والطلاق والعتاق ) الواقعين بكلام وجد بعد اليمين لا قبله كتعليق بدخول دار زيلعي [ ص: 816 ] ( والخلع والكتابة والصلح عن دم العمد ) أو إنكار كما مر ( والهبة ) ولو فاسدة أو بعوض ( والصدقة والقرض والاستقراض ) وإن لم يقبل ( وضرب العبد ) .

قيل والزوجة ( والبناء والخياطة ) وإن لم يحسن ذلك خانية [ ص: 817 ] ( والذبح والإيداع والاستيداع ، و ) كذا ( الإعارة والاستعارة ) إن أخرج الوكيل الكلام مخرج الرسالة وإلا فلا حنث تتارخانية ( وقضاء الدين وقبضه ، والكسوة ) وليس ، منها التكفين إلا إذا أراد الستر دون التمليك سراجية ( والحمل ) [ ص: 818 ] وذكر منها في البحر نيفا وأربعين وفي النهر عن شارح الوهبانية نظم والدي ما لا حنث فيه بفعل الوكيل لأنه الأقل مشيرا إلى حنثه فيما بقي فقال : بفعل وكيل ليس يحنث حالف ببيع شراء صلح مال خصومة     إجارة استئجار الضرب لابنه
كذا قسمة والحنث في غيرها اثبت ( ولام دخل ) مبتدأ خبره اقتضى الآتي ( على فعل ) أراد بدخولها عليه قربها منه ابن كمال ( تجري فيه النيابة ) للغير ( كبيع وشراء وإجارة وخياطة وصباغة وبناء اقتضى ) أي اللام ( أمره ) أي توكيله ( ليخصه به ) أي بالمحلوف [ ص: 819 ] عليه إذ اللام للاختصاص ولا يتحقق إلا بأمره المفيد للتوكيل ( فلم يحنث في إن بعت لك ثوبا إن باعه بلا أمر ) لانتفاء التوكيل سواء ( ملكه ) أي المخاطب ذلك الثوب ( أو لا ) بخلاف ما لو قال ثوبا لك فإنه يقتضي كونه ملكا له كما سيجيء .

( فإن دخل ) اللام ( على عين ) أي ذات ( أو ) على ( فعل لا يقع ) ذلك الفعل ( عن غيره ) أي لا يقبل النيابة ( كأكل وشرب ودخول وضرب الولد ) بخلاف العبد فإنه يقبل النيابة ( اقتضى ) دخول اللام ( ملكه ) أي ملك المخاطب للمحلوف عليه لأنه كمال الاختصاص ( فحنث في إن بعت [ ص: 820 ] ثوبا لك إن باع ثوبه بلا أمره ) هذا نظير الدخول على العين وهو الثوب لأن تقديره إن بعت ثوبا هو مملوكك وأما نظير دخوله على فعل لا يقع عن غيره فذكره بقوله ( وكذا ) أي مثل ما مر من اشتراط كون المحلوف عليه ملك المخاطب قوله ( إن أكلت لك طعاما ) أو شربت لك شرابا ( اقتضى أن يكون الطعام ) والشراب ( ملك المخاطب ) كما في إن أكلت طعاما لك لأن اللام هنا أقرب إلى الاسم من الفعل والقرب من أسباب الترجيح ، وأما ضرب الولد فلا يتصور فيه حقيقة الملك بل يراد الاختصاص به ( وإن نوى غيره ) أي ما مر ( صدق فيما ) فيه تشديد ( عليه ) قضاء وديانة ودين فيما له ، ثم الفرق بين الديانة والقضاء لا يتأتى في اليمين بالله لأن الكفارة لا مطالب لها كما مر

التالي السابق


( قوله وإن كان الحالف إلخ ) محترز قوله إذا كان ممن يباشر بنفسه ، وهو بمنزلة الاستثناء من قوله لا بالأمر .

وحاصله : أنه لا يحنث بفعل المأمور إلا إذا كان لا يباشر بنفسه قال في الفتح : فإن مقصوده من الفعل ليس إلا الأمر به فيوجد سبب الحنث بوجود الأمر به للعادة ، وإن كان السلطان ربما يباشر بنفسه عقد بعض المبيعات ، ثم لو فعل الآمر بنفسه يحنث أيضا لانعقاده على الأعم من فعله بنفسه أو مأموره ا هـ فتأمل . ثم قال : وكل فعل لا يعتاده الحالف كائنا من كان كحلفه لا يبني ولا يطين انعقد كذلك ا هـ واستثنى في الهداية أيضا ما إذا نوى الحالف البيع بنفسه أو بوكيله فإنه يحنث ببيع الوكيل لأنه شدد على نفسه ، وإن نوى السلطان ونحوه أن لا يتولاه بنفسه دين في القضاء لأنه نوى حقيقة كلامه كما في الجوهرة : أي فلا يحنث بفعل مأموره ( قوله لتقيد اليمين بالعرف ) فإن العرف انعقاد يمينه على الأعم من فعله بنفسه ، أو مأموره كما مر ( قوله وبمقصود الحالف ) الأولى إسقاطه لإغناء ما قبله عنه ولأن القصد إنما يعتبر إذا لم يخالف الظاهر لا مطلقا ولعله أشار إلى أنه إنما يحنث إذا قصد الأعم أما لو قصد فعل نفسه الذي هو حقيقة كلامه لا يحنث كما ذكرناه آنفا .

( قوله وإن كان ) أي الحالف ، وعبارة الفتح ولو كان رجلا يباشر بنفسه إلخ ومفاده : أن الضمير ليس عائدا للسلطان وهو مفاد البحر وغيره أيضا ( قوله اعتبر الأغلب ) هذا هو الذي اعتمده في الخانية والمحيط والبزازية واقتصر عليه في البحر تبعا للزيلعي منح . [ ص: 815 ] قلت : وكذا جزم به في الفتح ومقابله ما ذكره الشارح ولذا عبر عنه بقيل ( قوله ويحنث بفعله وفعل مأموره إلخ ) هذا هو النوع الثاني مقابل قوله بالمباشرة لا بالأمر ، ثم هذا النوع منه ما هو فعل حكمي شرعي كالطلاق ، ومنه ما هو فعل حسي كالضرب ، فلو نوى أن لا يفعل بنفسه ففي الأفعال الحسية يصدق قضاء وديانة لأنها لا توجد إلا بمباشرته لها حقيقة ، فإذا لم يباشرها فقد نوى حقيقة كلامه وفي غيرها روايتان أشهرهما أنه لا يصدق إلا ديانة لأنه كما يوجد بمباشرته يوجد بأمره ، فإذا نوى المباشرة فقط فقد نوى تخصيص العام وهو خلاف الظاهر فلا يقبل منه كما في النهر عن كافي النسفي ( قوله لم يقل وكيله ) حاصله : أنه عدل عن قول الكنز وفعل وكيله لأنه اعترضه في البحر بأن الاستقراض لا يصح التوكيل به ، لكن أجاب في النهر بأنه إنما خص الوكيل لتعلم الرسالة منه بالأولى . ا هـ .

وقال القهستاني : يمكن أن يحمل على ما هو متعارف من تسمية الرسول بالاستقراض وكيلا كما إذا قال المستقرض : وكلتك أن تستقرض لي من فلان كذا درهما ، وقال الوكيل للمقرض : إن فلانا يستقرض منك كذا ، ولو قال أقرضني مبلغ كذا فهو باطل ، حتى إنه لا يثبت الملك إلا للوكيل كما في وكالة الذخيرة ا هـ قال ط : ووجهه الزيلعي في الوكالة بأنه لا يجب دين في ذمة المستقرض بالعقد بل بالقبض ، والأمر بالقبض لا يصح لأنه ملك الغير ، وتصح الرسالة في الاستقراض ; لأن الرسول معبر والعبارة ملك المرسل فقد أمره بالتصرف في ملكه ، ويصح التوكيل بالإقراض وبقبض القرض كأن يقول لرجل أقرضني ثم يوكل رجلا بقبضه فإنه يصح ا هـ .

قلت : وحاصله : أن التوكيل بالقرض أو بقبضه صحيح لا بالاستقراض ، بل لا بد من إخراجه مخرج الرسالة ليقع الملك للآمر وإلا وقع للمأمور ، ولا يخفى أن هذا ليس خاصا بالاستقراض ، بل النكاح مثله وكذا الاستعارة كما سنذكره .

مطلب حلف لا يتزوج

( قوله في النكاح ) فلو حلف لا يتزوج فعقده بنفسه ، أو وكل فعقد الوكيل حنث ، وكذا لو كان الحالف امرأة فلو حلفت ، وأجبرت ممن له ولاية الإجبار ، ينبغي أن لا تحنث كما لو جن فزوجه أبوه كارها ، ولو صار معتوها فزوجه أبوه لا يحنث كذا لو كان التوكيل قبل اليمين نهر عن شرح الوهبانية .

قلت : وسيأتي متنا آخر الباب الآتي ما لو حلف لا يتزوج فزوجه فضولي أو زوجه فضولي ثم حلف لا يتزوج ا هـ

مطلب حلف لا يزوج عبده

( قوله لا الإنكاح ) أي التزويج ، فلا يحنث به إلا بمباشرته وهذا في الولد الكبير أو الأجنبي لما في المختار وشرحه حلف لا يزوج عبده أو أمته يحنث بالتوكيل والإجازة لأن ذلك مضاف إليه متوقف على إرادته لملكه وولايته وكذا في ابنه وبنته الصغيرين لولايته عليهما وفي الكبيرين ، لا يحنث إلا بالمباشرة لعدم ولايته عليهما فهو كالأجنبي عنهما فيتعلق بحقيقة الفعل ا هـ ومثله في الزيلعي والبحر في آخر الباب الآتي بلا حكاية خلاف فقول القهستاني وعن محمد : لا يحنث في الكل رواية ضعيفة ( قوله كتعليق ) يصلح مثالا للقبل والبعد وعبارة الزيلعي وإنما يحنث بالطلاق والعتاق إذا وقعا بكلام وجد بعد اليمين ، وأما إذا وقعا بكلام وجد قبل اليمين " يحنث حتى لو قال لامرأته : إن دخلت الدار فأنت طالق ثم حلف أن لا يطلق فدخلت لم يحنث لأن وقوع الطلاق عليها بأمر كان قبل اليمين ، ولو حلف أن لا يطلق ، ثم علق الطلاق بالشرط ، ثم وجد الشرط حنث ولو وقع الطلاق [ ص: 816 ] عليها بمضي مدة الإيلاء ، فإن كان الإيلاء قبل الدين لا يحنث وإلا حنث وتمامه فيه ( قوله والخلع ) هو الطلاق وقد مر نهر ( قوله والكتابة ) هو الصحيح ، وفي المجتبى عن النظم أنها كالبيع نهر ( قوله والصلح عن دم العمد ) لأنه كالنكاح في كونه مبادلة مال بغيره ، وفي حكمه الصلح عن إنكار قهستاني . وفي حاشية أبي السعود واحترز عن الصلح عن دم غير عمد لأنه صلح عن مال فلا يحنث فيه بفعل الوكيل أما عن دم العمد فهو في المعنى عفو عن القصاص بالمال ، ولا تجزي النيابة في العفو بخلاف الصلح عن المال حموي عن البرجندي ( قوله أو إنكار ) لأن الصلح عنه فداء باليمين في حق المدعى عليه فوكيله سفير محض ومثله السكوت وأما المدعي لا يحنث بالتوكيل مطلقا كما مر وشمل الإنكار إنكار المال وإنكار الدم العمد وغيره ( قوله والهبة ) فلو حلف لا يهب مطلقا أو معينا أو شخصا بعينه فوكل من وهب حنث صحيحة كانت الهبة أو لا قبل الموهوب له أو لا قبض أو لم يقبض لأنه لم يلزم نفسه إلا بما يملكه ، ولا يملك أكثر من ذلك ، وفي المحيط : حلف لا يهب عبده هذا لفلان ثم وهبه له على عوض حنث لأنه هبة صيغة ولفظا . ا هـ . نهر .

وفي التتارخانية إن وهب لي فلان عبده فامرأته طالق فوهب ولم يقبل الحالف حنث الحالف ( قوله أو بعوض ) يعني إذا وهب بنفسه لا بوكيله أيضا لما قدمه من أنه لا يحنث بفعل وكيله في الهبة بشرط العوض وسبب وهم الشارح قول البحر فالهبة بشرط العوض داخلة تحت يمين لا يهب نظرا إلى أنها هبة ابتداء ، فيحنث وداخلة تحت يمين لا يبيع نظرا إلى أنها بيع انتهاء فيحنث ا هـ وأنت خبير بأن كلامه فيما إذا فعل بنفسه وإلا لما صح قوله يحنث في الموضعين أفاده ح أي لأنه في البيع لا يحنث بفعل وكيله ( قوله والصدقة ) هي كالهبة فيما مر قال ابن وهبان وكذا ينبغي أن يحنث في حلفه أن لا يقبل صدقة فوكل بقبضها بقي لو حلف لا يتصدق فوهب لفقير أو لا يهب فتصدق على غني قال ابن وهبان ينبغي الحنث في الأول لأن العبرة للمعاني لا في الثاني لأنه لا يثبت له الرجوع استحسانا إذ قد يقصد بالصدقة على الغني الثواب ويحتمل العكس فيهما اعتبارا باللفظ ا هـ ملخصا وأيد ابن الشحنة الاحتمال الأخير بما في التتارخانية عن الظهيرية ولا يحنث بالصدقة في يمين الهبة . ا هـ . قلت : لكن هذا ليس نصا فيما نحن فيه لاحتمال أن المراد الهبة لغني تأمل هذا ونقل في النهر كلام ابن وهبان باختصار مخل ( قوله والاستقراض ) أي إن أخرج الوكيل الكلام مخرج الرسالة وإلا فلا حنث كما مر ( قوله وإن لم يقبل ) راجع للهبة وما بعدها كما في النهر ح وكذا العطية والعارية نهر .

قلت : لكن صرح في التتارخانية بأن القبول شرط الحنث في القرض عند محمد ورواية عن الثاني وفي أخرى لا والرهن بلا قبول ليس برهن ، ولو استقرض فلم يقرضه حنث قال في النهر : وقياس ما مر من أنه لم يلزم نفسه إلا بما يملك ترجيح الرواية الأخرى وينبغي أن يجري في الاستقراض الخلاف في القبول كالقرض . ا هـ .

قلت : يمكن دفع هذا القياس بالفرق بين ما فيه بدل مالي ، وما ليس فيه وأما الاستقراض فهو طلب القرض فيتحقق بدون إقراض تأمل . وسيأتي تمام هذا البحث في آخر الباب الآتي عند قول المصنف : حلف ليهبن فلانا فوهبه له فلم يقبل بر بخلاف البيع .

( قوله وضرب العبد ) لأن المقصود منه وهو الائتمار بأمره راجع إليه بخلاف ضرب الولد ، فإن المقصود منه وهو التأدب راجع إلى الولد نهر أي الولد الكبير أما الصغير فكالعبد كما مر وقدمنا أن العرف خلافه ( قوله قيل والزوجة ) قال في النهر : والزوجة قيل نظير العبد وقيل نظير الولد .

قال في البحر : وينبغي ترجيح الثاني لما مر في الولد ورجح ابن وهبان الأول لأن النفع عائد إليه بطاعتها له و قيل إن حنث فنظير العبد وإلا فنظير الولد قال بديع الدين ولو فصل هذا في الولد لكان حسنا كذا في القنية . ا هـ . ح ( قوله وإن لم يحسن ذلك ) الأولى أن يقول وإن كان يحسن ذلك ، وعبارة الخانية : حلف ليخيطن هذا الثوب أو ليبنين هذا [ ص: 817 ] الحائط فأمر غيره بذلك حنث الحالف سواء كان يحسن ذلك أو لا . ا هـ .

قلت : وظاهره أنه لو تكلف ذلك بنفسه يحنث أيضا وكذا لو حلف لا يختتن أو لا يحلق رأسه أو لا يقلع ضرسه ونحو ذلك من الأفعال التي لا يليها الإنسان بنفسه عادة أو لا يمكنه فعلها إلا بمشقة عظيمة ، مع أن الظاهر أن اليمين في ذلك تنعقد على فعل المأمور لا على فعل نفسه لأن الحقيقة مهجورة عادة ، ثم رأيت في البحر عن النوازل : لو قال لامرأته إن لم تكوني غسلت هذه القصعة فأنت طالق وغسلها خادمها بأمرها ، فإن كان من عادتها أنها تغسل بنفسها لا غير وقع ، وإن كانت لا تغسل إلا بخادمها وعرف الزوج ذلك لا يقع ، وإن كانت تغسل بنفسها وبخادمها فالظاهر أنه يقع إلا إذا نوى الأمر بالغسل ا هـ فليتأمل ( قوله والذبح إلخ ) فلو حلف لا يذبح في ملكه شاة أو لا يودع شيئا يحنث بفعل وكيله لأن المنفعة تعود إليه وكذا لو حلف لا يعير ، ولو عين شخصا فأرسل المحلوف عليه شخصا فاستعار حنث لأنه سفير محض فيحتاج إلى الإضافة إلى الموكل فكان كالوكيل بالاستقراض خانية وفي جمع التفاريق أن الحنث قول زفر وعليه الفتوى خلافا لأبي يوسف كما في النهر .

مطلب في العقود التي لا بد من إضافتها إلى الموكل

( قوله إن أخرج الوكيل إلخ ) راجع لقوله : والاستعارة كما هو في عبارة التتارخانية حيث قال : وهذا إذا أخرج الكلام مخرج الرسالة بأن قال إن فلانا يستعير منك كذا فأما إذا لم يقل ذلك لا يحنث ا هـ أي لأنه لو قال : أعرني كذا يقع ملك المنفعة له لا للآمر فلا يحنث الآمر بذلك . وبه علم أن فائدة التقييد هي أن المراد بالأمر هنا الرسالة لا الوكالة كما مر في الاستقراض ، وأما ما كان من الأفعال الحسية كالضرب والبناء فلا شبهة في أنه لا يحتاج إلى الإسناد ، وبما قررناه سقط ما قيل إن ما ذكره غير خاص بالاستعارة ، بل الوكيل في النكاح وما بعده سفير محض ، فلا بد من إضافة هذه العقود المذكورة إلى الموكل لما سيأتي في كتاب الوكالة أن العقود التي لا بد من إضافتها إلى الموكل : النكاح ، والخلع ، والصلح عن دم عمد وإنكار ، والعتق على مال ، والكتابة ، والهبة ، والتصدق والإعارة ، والإيداع ، والرهن ، والإقراض ، والشركة ، والمضاربة ا هـ .

قلت : المراد من الإضافة في هذه المذكورات التصريح باسم الآمر ، لكن بعضها يصح مع إسناد الفعل إلى الوكيل كقوله : صالحتك عن دعواك على فلان أو عما لك عليه من الدم ، وزوجتك فلانة ، وأعتقت عبد فلان أو كاتبته ، وبعضها لا يصح فيها إسناد الفعل إلى الوكيل ، بل لا بد من إخراج الكلام مخرج الرسالة كقوله إن فلانا يطلب منك أن تهبه كذا أو تتصدق عليه أو تودع عنده ، أو تعيره أو تقرضه أو ترهن عنده ، أو تشاركه أو تضاربه بمال كذا . أما لو أسنده إلى نفسه كقوله هبني أو تصدق علي إلخ فإنه يقع للوكيل ، وكذا قوله زوجني بخلاف القسم الأول فإنه يقول : بعت واشتريت وأجرت بإسناد الفعل إلى نفسه بدون ذكر اسم الآمر أصلا هذا ما ظهر لي وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق ذلك في محله فافهم ( قوله وقضاء الدين وقبضه ) فلو حلف لا يقبض الدين من غريمه اليوم يحنث بقبض وكيله فلو كان وكل قبل فقبض الوكيل بعد اليمين لا يحنث ، وقال قاضي خان : وينبغي الحنث كما في النكاح نهر ( قوله والكسوة ) فلو حلف لا يلبس أو لا يكسو مطلقا أو كسوة بعينها أو معينا حنث بفعل وكيله وتمامه في النهر ( قوله وليس منها التكفين ) وكذا الإعارة فلو كفنته بعد موته أو أعاره ثوبا لا يحنث شرح الوهبانية عن السراجية ( قوله والحمل ) فلو حلف لا يحمل لزيد متاعا حنث بفعل وكيله وهذا في غير الإجارة لما مر قال [ ص: 818 ] أي الناظم : والظاهر أنه لا فرق بينه وبين الاستخدام فإن المنفعة دائرة عليه والمدار عليها شرح الوهبانية ( قوله وذكر منها في البحر نيفا وأربعين ) صوابه في النهر فإنه قال تكميل من هذا النوع الهدم والقطع والقتل والشركة كما في الوهبانية وضرب الزوجات والولد الصغير في رأي قاضي خان ، وتسليم الشفعة والإذن كما في الخانية والنفقة كما في الإسبيجابي ، والوقف والأضحية والحبس والتعزير بالنسبة للقاضي والسلطان ، وينبغي أن الحج كذلك كذا في شرح ابن الشحنة ومنه الوصية كما في الفتح ، وينبغي أن يكون منه الحوالة والكفالة فلا يحيل فلانا فوكل من يحيله أو لا يقبل حوالته أو لا يكفل عنه فوكل بقبول ذلك والقضاء والشهادة والإقرار وعد منه في البحر التولية فلو حلف لا يولي شخصا ففوض إلى من يفعل ذلك حنث وهي حادثة الفتوى . ا هـ .

قلت : وبهذا تمت المسائل أربعة وأربعين والظاهر أنها لا تنحصر لأن منها الأفعال الحسية وهي لا تختص بما مر بل منها الطبخ والكنس وحلق الرأس ونحو ذلك ، وإذا عد منها الاستخدام دخلت فيه هذه الصور وكثير من الصور المارة أيضا فافهم ( قوله مشيرا إلى حنثه فيما بقي ) الإشارة من حيث إنه لم يصرح بعدد ما بقي وإلا فالحنث صريح في كلامه . وقد يقال سماه إشارة لأنه ساق الكلام لما لا يحنث به فيكون عبارة وغيره إشارة كما في عبارة النص وإشارة النص تأمل .

( قوله والحنث ) بالنصب مفعول مقدم لقوله اثبت بوصل الهمزة للضرورة ( قوله أراد بدخولها عليه قربها منه ) أي بأن تقع متوسطة بين الفعل ومفعوله كإن بعت لك ثوبا احترازا عما لو تأخرت عن المفعول كإن بعت ثوبا لك فالمتوسطة متعلقة بالفعل لقربها منه لا على أنها صلة له لأنه يتعدى إلى مفعولين بنفسه مثل بعت زيدا ثوبا ولأنه لو كانت اللام صلة له كان مدخولها مفعولا في المعنى فيكون شاريا ، وليس المعنى عليه بل الشاري غيره والبيع وقع لأجله فهي متعلقة به على أنها علة له مثل : قمت لزيد ، وعلى هذا فلو عبر المصنف بقوله ولام تعلق بفعل كما عبر صاحب الدرر وغيره لكان أولى ، لكنه عدل عن ذلك تبعا للكنز وغيره لئلا يتوهم تعلقها به على أنها صلة له ولئلا يتوهم أن الواقعة بعد المفعول متعلقة به أيضا ، مع أن المراد بيان الفرق بينهما بأن الأولى للتعليل والثانية للملك لكونها صفة له أي إن بعت ثوبا مملوكا لك ، هذا ما ظهر لي فافهم ( قوله تجري فيه النيابة ) الجملة صفة فعل وقوله للغير اللام فيه بمعنى عن أي عن الغير كما في قوله تعالى - { وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه } - واحترز به عن فعل لا تجري فيه النيابة كالأكل والشرب فإنه لا فرق فيه بين دخول الباء على الفعل أو على العين كما يأتي ( قوله وصياغة ) بالياء المثناة التحتية أو بالباء الموحدة كما في القهستاني .

( قوله أمره ) بالنصب مفعول اقتضى وهو مصدر مضاف لفاعله ، وهو الضمير العائد إلى الغير وهو المخاطب بالكاف والمفعول محذوف وهو الحالف ، وقوله ليخصه به : أي ليخص الحالف الغير أي المخاطب به أي بالفعل المحلوف عليه ، وفي المنح أي لتفيد اللام اختصاص ذلك الفعل به أي بذلك الغير ا هـ فأرجع الضمير المستتر للام والبارز للفعل والمجرور للغير ، وعليه فالمراد بالمحلوف عليه في كلام الشارح هو المخاطب

[ ص: 819 ] وهو الموافق لقول الزيلعي لاختصاص الفعل بالشخص المحلوف عليه ( قوله إذ اللام للاختصاص ) وجه إفادتها الاختصاص هو أنها تضيف متعلقها وهو الفعل لمدخولها وهو كاف المخاطب فتفيد أن المخاطب مختص بالفعل ، وكونه مختصا به يفيد أن لا يستفاد إطلاق فعله إلا من جهته وذلك يكون بأمره ، وإذا باع بأمره كان بيعه إياه من أجله : وهي لام التعليل ، فصار المحلوف عليه أن لا يبيعه من أجله فإذا دس المخاطب ثوبه بلا علمه فباعه لم يكن باعه من أجله لأن ذلك لا يتصور إلا بالعلم بأمره به ، ويلزم من هذا أن لا يكون إلا في الأفعال التي تجري فيها النيابة كذا في الفتح ( قوله ولا يتحقق إلا بأمره ) قيده في البحر بأن يكون أمره بأن يفعله لنفسه لقول الظهيرية لو أمره أن يشتري لابنه الصغير ثوبا لا يحنث .

وفي النهر أن مقتضى التوجيه يعني بكونها للاختصاص حنثه إذا كان الشراء لأجله ; ألا ترى أن أمره ببيع مال غيره موجب لحنثه غير مقيد بكونه له . ا هـ .

[ تنبيه ]

ذكر في الخانية ما يفيد أن الأمر غير شرط بل يكفي في حنثه قصده البيع لأجله سواء كان بأمره أو لا .

قال في البحر : وهذا مما يجب حفظه فإن ظاهر كلامهم هنا يخالفه مع أنه هو الحكم ا هـ .

قلت : يؤيده ما في شرح تلخيص الجامع لو قال لزيد إن بعت لك ثوبا فعبدي حر ولا نية له فدفع زيد ثوبا لرجل ليدفعه للحالف ليبيعه فدفعه وقال بعه لي ولم يعلم الحالف أنه ثوب زيد لم يحنث لأن اللام في بعت لزيد لاختصاص الفعل بزيد وذلك إنما يكون بأمره الحالف أو بعلم الحالف أنه باعه له سواء كان الثوب لزيد أو لغيره ا هـ وتمام الكلام فيما علقته على البحر ( قوله فلم يحنث في إن بعت لك ثوبا ) التصريح بالمفعول به ليس بشرط لقول المحيط حلف لا يبيع لفلان فباع ماله أو مال غيره بأمره حنث بحر ، وأنت خبير بأن تمايز الأقسام أعني تارة تدخل على الفعل أو على العين إنما يظهر بالتصريح بالمفعول به فلذا صرح به المصنف نهر .

وحاصله : أن تصريح المصنف به لا لكونه شرطا بل ليظهر الفرق بين دخول اللام عليه أو على الفعل ( قوله سواء ملكه إلخ ) تعميم لقوله إن باعه بلا أمر .

وحاصله : أن الشرط أمره بالبيع لا كون الثوب ملك الآمر ( قوله أي المخاطب ) تفسير للضمير المستتر في ملكه وقوله ذلك الثوب تفسير للضمير البارز ( قوله فإن دخل اللام إلخ ) حاصله : أن الفعل إما أن يحتمل النيابة عن الغير أو لا ، وعلى كل فإما أن تدخل اللام على الفعل أو على مفعوله وهو العين ، فإن دخلت على فعل يحتمل النيابة اقتضت ملك الفعل للمخاطب ، وهو أن يكون الفعل بأمره سواء كان العين مملوكا له أو لا وهذا ما مر وفي الباقي وهو دخولها على فعل لا يحتمل النيابة كالأكل والشرب أو على العين مطلقا اقتضت ملك العين للمخاطب سواء كان الفعل بأمره أو لا ( قوله للمحلوف عليه ) المراد به هنا العين ( قوله لأنه كمال الاختصاص ) أي أن اللام للاختصاص كما مر ، وحيث دخلت اللام على العين أو على فعل لا يقبل النيابة اقتضت اختصاص العين بالمخاطب وكمال الاختصاص بالملك فحملت عليه ، لكن يراد ما يشمل الملك الحقيقي والحكمي لأن الولد لا يملك حقيقة كما يشير إليه الشارح ، ولذا قال في الفتح فإنه يحنث بدخول دار يختص بها المخاطب أي تنسب إليه وأكل طعام يملكه ا هـ . وقوله : أي تنسب إليه ظاهره نسبة السكنى كما مر في لا أدخل دار زيد فيشمل الأجرة والعارية ، فالمراد

[ ص: 820 ] ملك المنفعة تأمل ( قوله ثوبا لك ) أي موصوفا بكونه لك ( قوله إن باع ثوبه بلا أمره ) لأن اللام لم تدخل على الفعل حتى يعتبر اختصاص الفعل في المخاطب بأن يكون بأمره وإن صح تعلقها به ولذا لو نواه يصح كما يأتي ، لكن لما كانت أقرب إلى الاسم وهو الثوب من الفعل اقتضت إضافة الاسم إلى مدخولها وهو كاف المخاطب لأن القرب من أسباب الترجيح كما في الفتح ، ولذا إذا توسطت تعلقت بالفعل لقربه كما مر مع أنه يصح جعلها حالا من الاسم المتأخر ( قوله هذا نظير ) أي مثال وكذا ما بعده ( قوله إن أكلت لك طعاما ) بتقديم اللام على الاسم ولا يصح تعلقها هنا بالفعل وإن كانت أقرب إليه لأنه لا يحتمل النيابة فلا يصح جعلها لملك الفعل للمخاطب فصارت داخلة على الاسم وإن تقدمت عليه كما لو تأخرت عنه وهو ظاهر فلزم كون الاسم مملوكا للمخاطب ( قوله لأن اللام هنا إلخ ) الصواب ذكر هذا التعليل قبل قوله : وأما نظير دخوله على فعل لا يقع عن غيره كما ذكره في الفتح وغيره إذ لا فرق هنا بين قرب اللام من الاسم أو من الفعل كما علمت بل العلة هنا كون الفعل لا يقبل النيابة كما قررناه ( قوله وأما ضرب الولد إلخ ) أشار إلى ما ذكرناه من أن المراد بملك العين ما يشمل الحكمي .

( قوله فيما فيه تشديد عليه ) بأن باع ثوبا مملوكا للمخاطب بغير أمره في المسألة الأولى ونوى بالاختصاص الملك فإنه يحنث ولولا نيته لما حنث ، أو باع ثوبا لغير المخاطب بأمر المخاطب في المسألة الثانية ونوى الاختصاص بالأمر ، فإنه يحنث ولولا نيته لما حنث لأنه نوى ما يحتمله كلامه بالتقديم والتأمل وليس فيه تخفيف فيصدقه القاضي بحر ( قوله ودين فيما له ) كما إذا باع بالأمر ثوبا لغير المخاطب ونوى بالاختصاص الملك في الأولى أو باع بلا أمر ثوبا للمخاطب ونوى الاختصاص بالأمر في الثانية لأن اللام إذا قدمت على الاسم فالظاهر اختصاص الأمر ، وإذا أخرت فالظاهر اختصاص الملك فإذا عكس فقد نوى خلاف الظاهر فلا يصدقه القاضي بل يصدق ديانة لأنه نوى محتمل كلامه ( قوله كما مر ) أي قبيل قول المصنف لا يشرب من دجلة .




الخدمات العلمية