الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 849 ] لا يدخل فلان داره فيمينه على النهي إن لم يملك منعه وإلا فعلى النهي والمنع جميعا .

التالي السابق


مطلب حلف لا يدخل فلان داره

( قوله لا يدخل فلان داره إلخ ) نقله في النهر عن منية المفتي وهذا رأيته فيها لكن بلفظ الدار معرفة ، وهذا محمول على ما إذا كان فلان ظالما لا يمكن الحالف أن يمنعه كما يعلم مما ذكره الشرنبلالي في رسالة عن الخانية والخلاصة وغيرهما ، حلف لا يدع فلانا يدخل هذه الدار ، فلو الدار ملك الحالف فشرط البر منعه بالقول والفعل بقدر ما يطيق ، فلو منعه بالقول دون الفعل حنث ، وإن لم تكن له فمنعه بالقول دون الفعل لا يحنث بالدخول . وفي القنية عن الوبري : حلف ليخرجن ساكن داره اليوم ، والساكن ظالم غالب يتكلف في إخراجه فإن لم يمكنه فاليمين على التلفظ باللسان . ا هـ .

قال : وهذا يفيد أن ما مر من حنث المالك بالمنع بالقول فقط مقيد بما إذا قدر على منعه بالفعل وإلا فيكفيه القول ، ويفيده قول الخانية بقدر ما يطيق .

هذا حاصل ما ذكره في الرسالة ، وقد لخصها السيد أبو السعود تلخيصا مخلا ، ونقله عنه ط في الباب السابق وأنه أفتى بناء على ما فهمه فيمن حلف على أخته أن لا تتكلم بأنها لو تكلمت [ ص: 850 ] بعد ما نهاها عن الكلام لا يحنث لأنه لا يملك منعها وقاس على ذلك أيضا أنه لو كانت اليمين على الإثبات مثل لتفعلن يكفي أمره بالفعل .

مطلب في الفرق بين لا يدعه يدخل وبين لا يدخل

قلت : وهذا خطأ فاحش للفرق البين بين قولنا لا أدعه يفعل وبين لا يفعل يوضح ذلك ما قدمناه في التعليق عن الولوالجية رجل قال : إن أدخلت فلانا بيتي أو قال إن تركت فلانا يدخل بيتي فامرأته طالق فاليمين في الأول على أن يدخل بأمره لأنه متى دخل بأمره فقد أدخله ، وفي الثاني على الدخول أمر الحالف أو لم يأمر علم أو لم يعلم لأنه وجد الدخول ; وفي الثالث على الدخول بعلم الحالف لأن شرط الحنث الترك للدخول ، فمتى علم ولم يمنع فقد ترك . ا هـ .

ونقل مثله في البحر عن المحيط وغيره ، فانظر كيف جعلوا اليمين في الثاني على مجرد الدخول لأن المحلوف عليه هو دخول فلان ، فمتى تحقق دخوله تحقق شرط الحنث وإن منعه قولا أو فعلا لأن منعه لا ينفي دخوله بعد تحققه .

وأما عدم الحنث بالمنع قولا وفعلا أو قولا فقط على التفصيل المار فهو خاص بالحلف على أنه لا يدعه أو لا يتركه يدخل ، وكذا قوله لا يخليه يدخل لأنه متى لم يمنعه تحقق أنه تركه أو خلاه فيحنث ، هذا هو المصرح به في عامة كتب المذهب ، وهو ظاهر الوجه وقدمنا في آخر باب اليمين في الأكل والشرب فيما لوقال لا أفارقك حتى تقضيني حقي أنه لو فر منه لا يحنث ، ولو قال لا يفارقني يحنث كما في الخانية فقد جزم بحنثه إذا فر منه بعد حلفه لا يفارقني .

وعلى هذا فالصواب في جواب الفتوى السابقة أن أخته إذا تكلمت يحنث سواء منعها عن الكلام أو لا لتحقق شرط الحنث وهو الكلام ، ومنعه لها لا يرفعه بعد تحققه كما لا يخفى ، نعم لو كان الحلف على أنه لا يتركها أو لا يخليها تتكلم فإنه يبر بالمنع قولا فقط ، ولا يحتاج إلى المنع بالفعل لأنه لا يملكه .

كما قال في الخانية : رجل حلف بطلاق امرأته أن لا يدع فلانا يمر على هذه القنطرة فمنعه بالقول يكون بارا لأنه لا يملك المنع بالفعل . ا هـ .

وبما قررناه ظهر أن ما نقله الشارح تبعا للمنية لا يصح حمله على ظاهره لمخالفته للمشهور في الكتب فلا بد من تأويله بما قدمناه . وقد يؤول بأنه أراد معنى لا يدعه يدخل كما أفتى به في الخيرية ، حيث سئل عمن حلف على صهره أنه لا يرحل من هذه القرية فرحل قهرا عليه فهل يحنث ؟ أجاب : مقتضى ما أفتى به قارئ الهداية واستدل به الشيخ محمد الغزي وأفتى به أنه إن نوى لا يمكنه فرحل قهرا عليه لا يحنث ا هـ أو يؤول بأنه سقط من عبارة المنية لفظ لا يدعه وإلا فهو مردود لأن العمل على ما هو المشهور الموافق للمعقول والمنقول دون الشاذ الخفي المعلول ، فاغتنم هذا التحرير والله سبحانه أعلم . [ تنبيه ]

علم أيضا مما ذكرناه أنه لو كان الحالف على الإثبات مثل قوله والله لتفعلن كذا فشرط البر هو الفعل حقيقة ، ولا يمكن قياسه على لا يدعه يفعل ، بأن يقال هنا : يكفي أمره بالفعل فإن ذلك لم يقل به أحد . وأما ما مر عن القنية في : ليخرجن ساكن داره فذاك في معنى لا يدعه يسكن كما علم مما مر ، أما هنا فلا يكفي الأمر لأن حلفه على الفعل لا على الأمر به ، ومجرد الأمر به لا يحققه كما لا يخفى ، فإذا لم يفعل يحنث الحالف كما مر سواء أمره أو لا ، وهذا ظاهر جلي أيضا ، ولكن جل من لا يسهو فافهم .




الخدمات العلمية