الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) لا حد أيضا ( بشبهة العقد ) أي عقد النكاح ( عنده ) أي الإمام ( كوطء محرم نكحها ) [ ص: 24 ] وقالا إن علم الحرمة حد وعليه الفتوى خلاصة ، لكن المرجح في جميع الشروح قول الإمام فكان الفتوى عليه أولى قاله قاسم في تصحيحه ، لكن في القهستاني عن المضمرات على قولهما الفتوى ، وحرر في الفتح أنها من شبهة المحل وفيها يثبت النسب كما مر ( أو ) وطء في ( نكاح بغير شهود ) لا حد لشبهة العقد .

وفي المجتبى : تزوج بمحرمة أو منكوحة الغير أو معتدته ووطئها ظانا الحل لا يحد ويعزر وإن ظانا الحرمة [ ص: 25 ] فكذلك عنده خلافا لهما . فظهر أن تقسيمها ثلاثة أقسام : قول الإمام

التالي السابق


مطلب في بيان شبهة العقد ( قوله بشبهة العقد ) أي ما وجد فيه العقد صورة لا حقيقة ; لأن الشبهة كما مر ما يشبه الثابت وليس بثابت فخرج ما وجد فيه العقد حقيقة ، ولذا قال في التتارخانية : وإذا كان الوطء بملك النكاح أو بملك يمين والحرمة بعارض آخر فذلك لا يوجب الحد نحو الحائض والنفساء والصائمة صوم الفرض والمحرمة والموطوءة بشبهة والتي ظاهر منها أو آلى منها فوطئها في العدة لا حد عليه ، وكذا الأمة المملوكة إذا كانت محرمة عليه برضاع أو مصاهرة أو لكون أختها مثلا في نكاحه أو هي مجوسية أو مرتدة فلا حد عليه وإن علم الحرمة . ا هـ .

( قوله كوطء محرم نكحها ) أي عقد عليها أطلق في المحرم فشمل المحرم نسبا ورضاعا وصهرية ، وأشار إلى أنه لو عقد على منكوحة الغير أو معتدته أو مطلقته الثلاث أو أمة على حرة أو تزوج مجوسية أو أمة بلا إذن سيدها أو تزوج العبد بلا إذن سيده أو تزوج خمسا في عقدة فوطئهن أو جمع بين أختين في عقدة فوطئهما أو الأخيرة لو كان متعاقبا بعد التزوج فإنه لا حد وهو بالاتفاق على الأظهر ، أما عنده فظاهر ، وأما عندهما فلأن الشبهة إنما تنتفي عندهما إذا كان مجمعا على تحريمه وهي محرمة على التأبيد بحر .

[ ص: 24 ] قلت : وهذا هو الذي حرره في فتح القدير وقال إن الذين يعتمد على نقلهم وتحريرهم كابن المنذر ذكروا أنه إنما يحد عندهما في ذات المحرم لا في غير ذلك كمجوسية وخامسة ومعتدة ، وكذا عبارة الكافيللحاكم تفيده حيث قال تزوج امرأة ممن لا يحل له نكاحها فدخل بها لا حد عليه وإن فعله على علم لم يحد أيضا ويوجع عقوبة في قول أبي حنيفة .

وقالا : إن علم بذلك فعليه الحد في ذوات المحارم ا هـ فعمم في المرأة على قوله ثم خص على قولهما بذوات المحرم ( قوله وقالا إلخ ) مدار الخلاف على ثبوت محلية النكاح للمحارم وعدمه ، فعنده هي ثابتة على معنى أنها محل لنفس العقد لا بالنظر إلى خصوص عاقد لقبولها مقاصده من التوالد فأورث شبهة ونفياها على معنى أنها ليست محلا لعقد هذا العاقد فلم يورث شبهة وتمامه في الفتح والنهر ( قوله إن علم الحرمة حد ) أما إن ظن الحل فلا يحد بالإجماع و يعزر كما في الظهيرية وغيرها .

مطلب إذا استحل المحرم على وجه الظن لا يكفر كما لو ظن علم الغيب وعلم من مسائلهم هنا أن من استحل ما حرمه الله تعالى على وجه الظن لا يكفر ، وإنما يكفر إذا اعتقد الحرام حلالا ، ونظيره ما ذكره القرطبي في شرح مسلم أن ظن الغيب جائز كظن المنجم والرمال بوقوع شيء في المستقبل بتجربة أمر عادي فهو ظن صادق والممنوع ادعاء علم الغيب .

والظاهر أن ادعاء ظن الغيب حرام لا كفر ، بخلاف ادعاء العلم وسنوضحه في الردة بحر ( قوله لكن في القهستاني إلخ ) الاستدراك على قوله في جميع الشروح فإن المضمرات من الشروح .

وفيه أن القهستاني ذكر عن المضمرات أنه قال والصحيح الأول ، وأنه في موضع آخر قال : إذا تزوج بمحرمة يحد عندهما وعليه الفتوى . ا هـ . على أن ما في عامة الشروح مقدم ، وكذلك في الفتح نقل عن الخلاصة أن الفتوى على قولهما ثم وجهه بأن الشبهة تقتضي تحقق الحل من وجه وهو غير ثابت وإلا وجبت العدة والنسب ، ثم دفع ذلك بأن من المشايخ من التزم وجوبهما ، ولو سلم عدم وجوبهما لعدم تحقق الحل من وجه فالشبهة لا تقتضي تحقق الحل من وجه ; لأن الشبهة ما يشبه الثابت وليس بثابت ، فلا ثبوت لما له شبهة الثبوت بوجه ، ألا ترى أن أبا حنيفة ألزم عقوبته بأشد ما يكون ، وإنما لم يثبت عقوبة هي الحد فعرف أنه زنا محض إلا أن فيه شبهة فلا يثبت نسبه ا هـ ملخصا . وحاصله أن عدم تحقق الحل من وجه في المحارم لكونه زنا محضا يلزم منه عدم ثبوت النسب والعدة ، ولا يلزم منه عدم الشبهة الدارئة للحد .

ولا يخفى أن في هذا ترجيحا لقول الإمام ( قوله وحرر في الفتح إلخ ) صوابه في النهر ، فإنه بعد ما ذكر ما قدمناه عن الفتح قال : وهذا إنما : يتم بناء على أنها شبهة اشتباه . قال في الدراية : وهو قول بعض المشايخ . والصحيح أنها شبهة عقد ; لأنه روي عن محمد أنه قال سقوط الحد عنه لشبهة حكمية فيثبت النسب ، وهكذا ذكر في المنية ا هـ وهذا صريح بأن الشبهة في المحل وفيها يثبت النسب على ما مر ا هـ كلام النهر ، قلت : وفي هذه زيادة تحقيق لقول الإمام لما فيه من تحقيق الشبهة حتى ثبت النسب ، ويؤيده ما ذكره الخير الرملي في باب المهر عن العيني ومجمع الفتاوى أنه يثبت النسب عنده خلافا لهما ( قوله وفي المجتبى إلخ ) مثله في الذخيرة ( قوله ظانا الحل ) أما لو اعتقده يكفر كما مر ( قوله ويعزر ) أي إجماعا كما في الذخيرة ، لكنه مخالف لما في الهداية من قوله ولكن يوجع عقوبة إذا كان علم بذلك فقيد العقوبة بما إذا علم ، ومثله ما مر عن كافي الحاكم .

وفي الفتح : لم يجب عليه الحد عند أبي حنيفة وسفيان الثوري وزفر وإن قال علمت أنها علي حرام ، ولكن [ ص: 25 ] يجب الحد . ويعاقب عقوبة هي أشد ما يكون من التعزير سياسة لا حدا مقدرا شرعا إذا كان عالما بذلك ، وإن لم يكن عالما لا حد ولا عقوبة تعزير ا هـ . وقد يجاب بأن قوله ولا عقوبة تعزير المراد به نفي أشد ما يكون ، فلا ينافي أنه يعزر بما يليق بحاله حيث جهل أمرا لا يخفى عادة تأمل ( قوله خلافا لهما ) أي في ذات المحرم فقط كما مر ( قوله فظهر أن تقسيمها إلخ ) إن أراد التقسيم من حيث الحكم فهي اثنان عند الكل ، غايته أن حكم شبهة العقد عند الإمام حكم شبهة المحل .

وعندهما حكم شبهة الفعل ، وإن أراد التقسيم من حيث المفهوم فهي اثنان أيضا ; لأن شبهة العقد منها ما هو شبهة الفعل كمعتدة الثلاث كما صرح به في النهر في باب ثبوت النسب ، ومنها ما هو شبهة المحل كمسألة المتن ا هـ ح




الخدمات العلمية