الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( يكتفى بحد واحد لجنايات [ ص: 58 ] اتحد جنسها ، بخلاف ما اختلف ) جنسها كما بيناه ، وعم إطلاقه ما إذا اتحد المقذوف أم تعدد بكلمة أم كلمات في يوم أم أيام طلب كلهم أم بعضهم ، وما إذا حد للقذف إلا سوطا ثم قذف آخر في المجلس فإنه يتم الأول ، ولا شيء للثاني للتداخل ، وأما إذا قذف فعتق فقذف آخر حد حد العبد فإن آخذه الثاني كمل له ثمانون لوقوع الأربعين لهما فتح . وفي سرقة الزيلعي قذفه فحد ثم قذفه لم يحد ثانيا لأن المقصود وهو إظهار كذبه ودفع العار [ ص: 59 ] حصل بالأول ا هـ ومفاده أنه لو قال له يا ابن الزانية وأمه ميتة فخاصمه حد ثانيا كما لا يخفى . وأفاد تقييده بالحد أن التعزير يتعدد ألفاظه لأنه حق العبد .

التالي السابق


( قوله يكتفى بحد واحد إلخ ) أفاد أن الحد وقع بعد الفعل المتكرر إذ لو حد للأول ثم فعل الثاني يحد حدا آخر للثاني سواء [ ص: 58 ] كان قذفا أو زنا أو شربا كما صرح به في الفتح وغيره بحر ، لكن استثني ما إذا قذف المحدود ثانيا المقذوف الأول كما يأتي قريبا ( قوله اتحد جنسها ) بأن زنا أو شرب أو قذف مرارا كنز ، وكذا السرقة بحر ( قوله كما بيناه ) أي عند قوله اجتمعت عليه أجناس مختلفة إلخ ( قوله بكلمة ) مثل أنتم زناة نهر ، ومثله يا ابن الزانين كما مر أول الباب ( قوله إلا سوطا ) احتراز عما لو تمم الحد ثم قذف رجلا آخر فإنه يحد ثانيا ( قوله في المجلس ) لم أر من صرح بمحترزه ( قوله ولا شيء للثاني للتداخل ) والأصل أنه متى بقي عليه من الحد الأول شيء فقذف آخر قبل تمامه ضرب بقية الأول ولم يحد للثاني جوهرة .

قلت : وقيد ذلك في البحر والنهر بما إذا حضرا جميعا ، لما في المحيط والتبيين : لو ضرب للزنا أو للشرب بعض الحد فهرب ثم زنى أو شرب ثانيا حد حدا مستأنفا ، ولو كان ذلك في القذف ، فإن حضر الأول والثاني جميعا أو الأول كمل الأول ولا شيء للثاني للتداخل ، وإن حضر الثاني وحده يجلد حدا مستقبلا للثاني ويبطل الأول لعدم دعواه ا هـ أي لعدم دعوى الأول تكميل الحد الواجب له ; لأنه بمنزلة العفو ابتداء ، فكما لا يقام له الحد ابتداء إلا بطلبه كذلك لا يكمل له إلا بطلبه ، هذا ما ظهر لي فتأمل .

والحاصل أنه إنما يكتفى بتكميل الحد الأول إن طلب المقذوف الأول وحده أو مع الثاني ، فلو طلب الثاني وحده حد له حدا مستقبلا كحد الزنا والشرب . وبه علم أن شرط تكميل الأول حضور الأول فقط ، وأن التداخل قد يكون بتداخل الثاني فيما بقي من الأول ، وقد يكون بتداخل ما بقي من الأول في الثاني وذلك فيما يحد به حدا مستقبلا كما علمت آنفا ، ومر أيضا قبيل هذا الباب في قول المصنف أقيم عليه بعض الحد فهرب وشرب ثانيا يستأنف ، فما ظنه بعض المحشين من التعارض بين ما مر وما هنا فهو خطأ لما علمت من اختلاف الموضوع ( قوله وما إذا قذف إلخ ) معطوف كسابقه على قوله ما إذا اتحد ( قوله فعتق ) بالبناء للفاعل ; لأنه لازم لا يتعدى إلا بالهمزة ط عن ابن الشحنة ( قوله فإن آخذه الثاني ) أي طالبه في أثناء الحد أو بعد تمامه ط ( قوله ثم قذفه ) أي قذف المقذوف أولا ، بخلاف ما إذا قذف شخصا آخر بعد حده للأول فإنه يحد للثاني كما قدمناه ( قوله ; لأن المقصود إلخ ) قال في البحر : لا يخفى ما فيه فإنه بالحد الأول لم يظهر كذبه في إخبار مستقبل ، بل فيما أخبر به ماضيا قبل الحد ، ولهذا قال في الفتح : وصار كما لو قذف شخصا فحد به ثم قذفه بعين ذلك الزنا ، بأن قال أنا باق على نسبتي إليه الزنا الذي نسبته إليه لا يحد ثانيا فكذا هذا ، أما لو قذفه بزنا آخر حد به ا هـ لكن في الظهيرية : ومن قذف إنسانا فحد ثم قذفه ثانيا لم يحد .

والأصل فيه ما روي : أن أبا بكرة لما شهد على المغيرة بالزنا وجلده عمر لقصور العدد بالشهادة كان يقول بعد ذلك في المحافل أشهد أن المغيرة لزان ، فأراد عمر أن يحده ثانيا فمنعه علي فرجع إلى قوله وصارت المسألة إجماعا ا هـ فظهر أن المذهب إطلاق المسألة كما ذكره الزيلعي ا هـ ما في البحر ، وتبعه في النهر أي المذهب أنه شامل لما إذا قذفه بعين الزنا الأول أو بزنا آخر خلافا لما قاله في الفتح .

قلت : والذي يظهر لي أن الصواب ما في الفتح ، وأنه إذا صرح بنسبته إلى زنا غير الأول يحد ثانيا كما لو قذف [ ص: 59 ] شخصا آخر ; لأنه لم يظهر كذبه في القذف الثاني ، بخلاف ما إذا حد ثم قذفه بالزنا الأول أو أطلق لحمل إطلاقه على الأول ; لأن المحدود بالقذف يكرر كلامه بعد القذف لإظهار صدقه فيما حد بسببه كما فعله أبو بكرة ، فإن قوله أشهد أن المغيرة لزان لم يرد به زنا آخر ، وبه ظهر أن ما في الظهيرية لا ينافي ما في الفتح فلا يصلح للاستدراك به عليه ( قوله ومفاده إلخ ) أي مفاد ما مر عن الزيلعي من انتفاء الحد ثانيا حيث اتحد المقذوف أنه لو تعدد يحد ، وقدمنا التصريح به عن الفتح وغيره ، فإذا قذف شخصا بالزنا فحد له ثم قال له يا ابن الزانية فإنه يحد ثانيا وإن كانت أم المقذوف ميتة وكان الطلب له ; لأن الثاني قذف لأمه ، وكذا يحد بالأولى لو كانت الأم حية فخاصمته ( قوله إن التعزير يتعدد إلخ ) جزم به مع أن المصنف قال لم أر من صرح به لكنه يؤخذ من كلامهم ا هـ ط والمراد التعزير الذي هو حق العبد كما يفيده التعليل وسيأتي تمام الكلام على ذلك عند قول المصنف في الباب الآتي وهو حق العبد




الخدمات العلمية