الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( والسلب للكل إن لم ينفل ) لحديث " { ليس لك من سلب قتيلك إلا ما طابت به نفس إمامك } " فحملنا حديث السلب على التنفيل . قلت : وفي معروضات المفتي أبي السعود هل يحل وطء الإمام المشتراة من الغزاة الآن حيث وقع الاشتباه في قسمتهم بالوجه المشروع ؟ فأجاب : لا توجد في زماننا قسمة شرعية لكن في سنة 948 وقع التنفيل الكلي [ ص: 158 ] فبعد إعطاء الخمس لا تبقى شبهة ابتداء انتهى فليحفظ والله أعلم .

التالي السابق


( قوله والسلب للكل ) أي لكل الجند إن لم ينفل الإمام به للقاتل وخصه الشافعي رحمه الله بالقاتل در منتقى ( قوله لحديث إلخ ) ذكر في الفتح أن الحديث ضعيف ، ولا يضر ضعفه ; لأنا نستأنس به لأحد محتملي حديث السلب أي قوله عليه الصلاة والسلام " { من قتل قتيلا فله سلبه } " بحمله على التنفيل ، وليس كل ضعيف باطلا ، وقد تظافرت أحاديث ضعيفة تفيد أن حديث السلب ليس نصا عاما مستمرا والضعيف إذا تعددت طرقه يرتقي إلى الحسن ، فيغلب الظن بأنه تنفيل وتمام تحقيق المقام فيه ( قوله حيث وقع الاشتباه في قسمتهم ) الأولى في قسمتهن بضمير النسوة لعوده إلى الإماء إلا أن يقال إنه عائد إلى الغزاة وفيه بعد ثم الواقع الآن أنه لا تقسم غنيمة أصلا كما ذكره في الجواب ( قوله وقع التنفيل الكلي ) أي بقول السلطان كل من [ ص: 158 ] أخذ شيئا فهو له أما لو قال كل ما أصبتم فهو لكم ، فإنه لا يصح كما مر ، والمراد وقوعه لأي عسكر كان في أي غزوة كانت وإلا خالفه ما مر من أنه يعم كل قتال في تلك السنة ما لم يرجعوا لكن يبقى النظر فيما بعد موت السلطان المنفل على هذا الوجه أو بعد عزله وتولية غيره هل يبقى تنفيل الأول العام أم لا ويتعين عدمه ما لم ينفل الثاني مثله وهكذا إلى وقتنا هذا فقد ذكر في الخيرية أن أمر السلطان لا يبقى بعد موته ، وما قيل من أن كل سلطان من سلاطين آل عثمان نصرهم الله تعالى يؤخذ عليه عهد من قبله لا ينفع كما أوضحت ذلك في كتابي تنبيه الولاة والحكام على شاتم خير الأنام .

مطلب في حكم الغنيمة المأخوذة بلا قسمة في زماننا ( قوله فبعد إعطاء الخمس لا تبقى شبهة ) قد علم مما قدمناه قريبا عند قوله وجاز التنفيل بالكل ، أنه لا يلزم إعطاء الخمس في التنفيل العام المقصود منه التخصيص دون التشريك كما لا يلزم فيه تفاوت الفارس والراجل لسقوط ذلك ضمنا لا قصدا على أن الواقع في زماننا عدم القسمة وعدم إعطاء الخمس فكيف تنتفي الشبهة على فرض لزوم الخمس ، بل الشبهة باقية من حيث إنا لا نعلم أن سلطان زماننا هل نفل تنفيلا عاما أم لا ، ولا يقال إن عدم القسمة اليوم دليل على وجود التنفيل ; لأن جيوش زماننا يأخذون ما تصل إليه أيديهم سلبا ونهبة ، حتى من بلاد الإسلام ولو ظهر مالكه المسلم لا يدفعه إليه إلا بثمنه فليس في حالهم ما يقتضي حملهم على الكمال ، وكذا حكام هذا الزمان ، وأمراء الجيوش لا ينفلون ولا يقسمون ، ولا يخمسون فالظاهر أن ما يؤخذ من الغنائم اليوم حكمه حكم الغلول ، وقد ذكر في شرح السير الكبير أن الغال إذا ندم وأتى بما غله إلى الإمام بعد تفرق الجيش ، فإن شاء رده عليه وأمره بصرفه إلى مستحقيه ، وإن شاء أخذه منه ودفع خمسه لمستحقه ويكون الباقي كاللقطة فإن لم يقدر على رده إلى أهله تصدق به أو جعله موقوفا في بيت المال وكتب عليه أمره ، وإن لم يأت به الغال إلى الإمام إن لم يقدر على رده إلى أهله فالمستحب له أن يتصدق به ، وإن قدر فالحكم فيه كاللقطة ودفعه إلى الإمام أحب كما في اللقطة فيعطي الخمس منه لأهله ، وذكر أيضا أن بيع الغازي سهمه قبل القسمة باطل كإعتاقه .

مطلب في وطء السراري في زماننا

وفي حاوي الزاهدي : اشترى جارية مأسورة لم يؤد منها الخمس من الأمير ينفذ ، ويحل وطؤها ، وإن اشتراها ممن وقعت في سهمه نفذ في أربعة أخماسها ولا يحل له وطؤها ا هـ أي إذا قسمت ولم تخمس ، وإنما حل في بيع الأمير بناء على أن له البيع قبل الإحراز كما مر ، ويكون الخمس حينئذ واجبا في الثمن لا فيها فيحل وطؤها ، فإذا لم يوجد تنفيل ولا قسمة ولا شراء من أمير الجيش لا يحل الوطء بوجه أصلا ، لكن لا نحكم على كل جارية بعينها من الغنيمة بأنها لم يوجد فيها شيء من ذلك لاحتمال أن من أخذها اشتراها من الأمير فارتفع تيقن الحرمة ، وبقيت الشبهة القوية فإن الظاهر من حال الجيوش في زماننا عدم الشراء ، ولا ترتفع الشبهة بعقده عليها ; لأنها حيث كانت مشتركة بين الغانمين وأصحاب الخمس لم يصح تزويجها نفسها فالأحوط ما نقله بعض الشافعية عن بعض أهل الورع : أنه كان إذا أراد التسري بجارية شراها ثانيا من وكيل بيت المال . قلت : أي ; لأنه إذا حصل اليأس من معرفة مستحقها من الغانمين صارت بمنزلة اللقطة واللقطة من مصارف بيت المال ، لكن إذا كان المشتري فقيرا له تملكها .

[ ص: 159 ] مطلب فيمن له حق في بيت المال وظفر بشيء من بيت المال ونقل في القنية عن الإمام الوبري أن من له حظ في بيت المال ظفر بمال وجه لبيت المال فله أن يأخذه ديانة ا هـ ونظمه في الوهبانية وفي البزازية قال الإمام الحلواني : إذا كان عنده وديعة فمات المودع بلا وارث له أن يصرف الوديعة إلى نفسه في زماننا ; لأنه لو أعطاها لبيت المال لضاعت ; لأنهم لا يصرفونه مصارفه ، فإذا كان من أهله صرفه إلى نفسه وإلا صرفه إلى المصرف . ا هـ . وقدم الشارح هذا في باب العشر من كتاب الزكاة وظاهره أن من له حظ في بيت المال بكونه فقيرا أو عالما أو نحو ذلك ، ووجد ما مرجعه إلى بيت المال من أي بيت من البيوت الأربعة الآتية في آخر الجزية له أخذه ديانة بطريق الظفر في زماننا ، ولا يتقيد أخذه بأن يكون مرجع المأخوذ إلى البيت الذي يستحق منه ، وإلا فمصرف تركه بلا وارث ولقطة هو لقيط فقير وفقير لا ولي له ، وقوله : فإذا كان من أهله أي من أهل بيت المال غير مقيد بكونه من أهل ذلك البيت .

كما هو ظاهر كلام الوبري أيضا ; لأنه لو تقيد بذلك ، لزم أن لا يأخذ مستحق شيئا ; لأن بيت المال في زماننا غير منتظم ، وليس فيه بيوت مرتبة ، ولو رد ما وجده إلى بيت المال لزم ضياعه لعدم صرفه الآن في مصارفه كما حررناه في باب العشر من الزكاة فعلى هذا إذا اشترى جارية من الغنيمة فإن كان ممن يستحق من الخمس ، جاز له صرفها إلى نفسه بطريق استحقاقه من الخمس ، وإن لم يكن مستحقا منه ، وله استحقاق من غيره كالعالم الغني ينبغي له أن يملكها لفقير مستحق من الخمس ، ثم يشتريها منه أو يملكه خمسها فقط ، ثم يشتريها منه ; لأنه لو صرفها إلى نفسه يبقى فيها الخمس فلا يحل له وطؤها لكن قد يقال إن الغنيمة بعد الإحراز صارت مشتركة بين الغانمين ، وأصحاب الخمس وقد مر أن من مات بعد الإحراز يورث نصيبه ، ولكن لما جهلت أصحاب الحقوق وانقطع الرجاء من معرفتهم صار مرجعها إلى بيت المال ، وانقطعت الشركة الخاصة ، وصارت من حقوق بيت المال كسائر أموال بيت المال المستحقة لعامة المسلمين استحقاقا لا بطريق الملك ; لأن من مات ، وله حق في بيت المال لا يورث حقه منه ، بخلاف الغنيمة المحرزة قبل جهالة مستحقيها ، وتفرقهم فإنها شركة خاصة ، وحيث صار مرجعها بيت المال لم يبق فيها حق الخمس أيضا فلمن يستحق من بيت المال أن يتملكها لنفسه هذا ما ظهر لي .

وقد رأيت رسالة لمحقق الشافعية السيد السمهودي قال فيها وقد كان شيخنا الوالد قد شرى لي أمة للتسري فذاكر شيخنا العلامة محقق العصر الجلال المحلي في أمر الغنائم والشراء من وكيل بيت المال فقال له شيخنا الوالد : نحن نتملكها بطريق الظفر لما لنا من الحق الذي لا نصل إليه في بيت المال ; لأن تلك الجارية على تقدير كونها من غنيمة لم تقسم قسمة شرعية قد آل الأمر فيها إلى بيت المال لتعذر العلم بمستحقيها ، فقال شيخنا المحلي : نعم لكم فيه حقوق من وجوه ا هـ وهذا موافق لما نقلناه عن القنية وعن البزازية والله سبحانه وتعالى أعلم .




الخدمات العلمية