الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 203 ] ( ويعاد المنهدم ) أي لا ما هدمه الإمام ، بل ما انهدم أشباه في آخر الدعاء برفع الطاعون [ ص: 204 ] ( من غير زيادة على البناء الأول ) ولا يعدل [ ص: 205 ] عن النقض الأول إن كفى وتمامه في شرح الوهبانية - [ ص: 206 ] وأما القديمة فتترك مسكنا في الفتحية ومعبدا في الصلحية بحر خلافا لما في القهستاني فتنبه

التالي السابق


( قوله ويعاد المنهدم ) هذا في القديمة التي صالحناهم على إبقائها قبل الظهور عليهم قال في الهداية لأن الأبنية لا تبقى دائما ولما أقرهم الإمام فقد عهد إليهم الإعادة إلا أنهم لا يمكنون من نقلها لأنه إحداث في الحقيقة . ا هـ .

مطلب إذا هدمت الكنيسة ولو بغير وجه لا تجوز إعادتها

( قوله أشباه ) حيث قال في فائدة نقل السبكي الإجماع على أن الكنيسة إذا هدمت ولو بغير وجه لا يجوز إعادتها ذكره السيوطي في حسن المحاضرة . قلت : يستنبط منه أنها إذا قفلت ، لا تفتح ولو بغير وجه كما وقع ذلك في عصرنا بالقاهرة في كنيسة بحارة زويلة قفلها الشيخ محمد بن إلياس قاضي القضاة ، فلم تفتح إلى الآن حتى ورد الأمر السلطاني بفتحها فلم يتجاسر حاكم على فتحها ، ولا ينافي ما نقله السبكي قول أصحابنا يعاد المنهدم لأن الكلام فيما هدمه الإمام لا فيما تهدم فليتأمل . ا هـ . [ ص: 204 ] قال الخير الرملي في حواشي البحر أقول : كلام السبكي عام فيما هدمه الإمام وغيره في كلام الأشباه يخص الأول . والذي يظهر ترجيحه العموم لأن العلة فيما يظهر أن في إعادتها بعد هدم المسلمين استحفافا بهم ، وبالإسلام وإخمادا لهم وكسرا لشوكتهم ، ونصرا للكفر وأهله غاية الأمر أن فيه افتياتا على الإمام فيلزم فاعله التعزير كما إذا أدخل الحربي بغير إذنه يصح أمانه ويعزر لافتياته بخلاف ما إذا هدموها بأنفسهم فإنها تعاد كما صرح به علماء الشافعية وقواعدنا لا تأباه لعدم العلة التي ذكرناها فيستثنى من عموم كلام السبكي . ا هـ . مطلب ليس المراد من إعادة المنهدم أنه جائز نأمرهم به بل المراد نتركهم وما يدينون [ تنبيه ]

ذكر الشرنبلالي في رسالة في أحكام الكنائس عن الإمام السبكي أن معنى قولهم لا نمنعهم من الترميم ليس المراد أنه جائز نأمرهم به بل بمعنى نتركهم وما يدينون فهو من جملة المعاصي التي يقرون عليها كشرب الخمر ونحوه ولا نقول : إن ذلك جائز لهم ، فلا يحل للسلطان ولا للقاضي أن يقول لهم افعلوا ذلك ولا أن يعينهم عليه ، ولا يحل لأحد من المسلمين أن يعمل لهم فيه ، ولا يخفى ظهوره وموافقته لقواعدنا . مطلب لم يكن من الصحابة صلح مع اليهود

ثم نقل عن السراج البلقيني في كنيسة لليهود ما حاصله : أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم عند فتح النواحي لم يكن منهم صلح مع اليهود أصلا . ا هـ . قلت : وهذا ظاهر فإن البلاد كانت بيد النصارى ، ولم تزل اليهود مضروبة عليهم الذلة ; ثم رأيت في حاشية شيخ مشايخنا الرحمتي كتب عند قول الشارح في خطبة الإمام بجامع بني أمية ما نصه : ثم نقض أهل الذمة عهدهم في وقعة التتار وقتلوا عن آخرهم فكنائسهم الآن موضوعة بغير حق . مطلب مهم : حادثة الفتوى في أخذ النصارى كنيسة مهجورة لليهود

ويؤخذ من هذا حكم حادثة الفتوى الواقعة في عام ثمانية وأربعين بعد المائتين والألف قريبا من كتابتي لهذا المحل ، وهي أن كنيسة لفرقة من اليهود تسمى اليهود القرايين مهجورة من قديم لفقد هذه الفرقة وانقطاعهم في دمشق ، فحضر يهودي غريب هو من هذه الفرقة إلى دمشق ، فدفع له النصارى دراهم معلومة ، وأذن لهم في بنائها ، وأن يجعلوها معبدا لهم ، وصدق لهم على ذلك جماعة من اليهود لقوة شوكة النصارى في ذلك الوقت ، وبلغني أن الكنيسة المذكورة في داخل حارة لليهود مشتملة على دور عديدة وأن مراد النصارى شراء الحارة المذكورة وإدخالها للكنيسة ، وطلبوا فتوى على صحة ذلك الإذن ، وعلى كونها صارت معبدا للنصارى ، فامتنعت من الكتابة . مطلب فيما أفتى به بعض المتهورين في زماننا

وقلت : إن ذلك غير جائز فكتب لهم بعض المتهورين طمعا في عرض الدنيا أن ذلك صحيح جائز ، فقويت بذلك شوكتهم ، وعرضوا ذلك على ولي الأمر ليأذن لهم بذلك حيث وافق غرضهم الحكم الشرعي ، بناء على ما أفتاهم به ذلك المفتي ولا أدري ما يئول إليه الأمر وإلى الله المشتكى . [ ص: 205 ] ومستندي فيما قلته أمور : منها ما علمته من أن اليهود لا عهد لهم ، فالظاهر أن كنائسهم القديمة أقرت مساكن لا معابد ، فتبقى كما أبقيت عليه ، وما علمته أيضا من أن أهل الذمة نقضوا عهدهم لقتالهم المسلمين مع التتار الكفار فلم يبق لهم عهد في كنائسهم فهي موضوعة الآن بغير حق ويأتي قريبا عند قوله وسب النبي صلى الله عليه وسلم أن عهد أهل الذمة في الشام مشروط بأن لا يحدثوا بيعة ، ولا كنيسة ، ولا يشتموا مسلما ولا يضربوه ، وأنهم إن خالفوا فلا ذمة لهم . ومنها : أن هذه كنيسة مهجورة انقطع أهلها وتعطلت عن الكفر فيها فلا تجوز الإعانة على تجديد الكفر فيها ، وهذا إعانة على ذلك بالقدر الممكن حيث تعطلت عن كفر أهلها . وقد نقل الشرنبلالي في رسالته عن الإمام القرافي أنه أفتى بأنه لا يعاد ما انهدم من الكنائس ، وأن من ساعد على ذلك فهو راض بالكفر والرضا بالكفر كفر ا هـ .

فنعوذ بالله من سوء المنقلب . ومنها : أن عداوة اليهود للنصارى أشد من عداوتهم لنا ، وهذا الرضا والتصديق ناشئ عن خوفهم من النصارى لقوة شوكتهم كما ذكرناه . ومنها : أنها إذا كانت معينة لفرقة خاصة ليس لرجل من أهل تلك الفرقة أن يصرفها إلى جهة أخرى وإن كان الكفر ملة واحدة عندنا كمدرسة موقوفة على الحنفية مثلا لا يملك أحد أن يجعلها لأهل مذهب آخر وإن اتحدت الملة . ومنها : أن الصلح العمري الواقع حين الفتح مع النصارى إنما وقع على إبقاء معابدهم التي كانت لهم إذ ذاك ، ومن جملة الصلح معهم كما علمته آنفا أن لا يحدثوا كنيسة ولا صومعة ، وهذا إحداث كنيسة لم تكن لهم بلا شك ، واتفقت مذاهب الأئمة الأربعة على أنهم يمنعون عن الإحداث كما بسطه الشرنبلالي بنقله نصوص أئمة المذاهب ، ولا يلزم من الإحداث أن يكون بناء حادثا لأنه نص في شرح السير وغيره على أنه لو أرادوا أن يتخذوا بيتا لهم معدا للسكنى كنيسة يجتمعون فيه يمنعون منه لأن فيه معارضة للمسلمين وازدراء بالدين . ا هـ .

أي لأنه زيادة معبد لهم عارضوا به معابد المسلمين ، وهذه الكنيسة كذلك جعلوها معبدا لهم حادثا فما أفتى به ذلك المسكين خالف فيه إجماع المسلمين ، وهذا كله مع قطع النظر عما قصدوه من عمارتها بأنقاض جديدة وزيادتهم فيها فإنها لو كانت كنيسة لهم يمنعون من ذلك بإجماع أئمة الدين أيضا ولا شك أن من أفتاهم وساعدهم وقوى شوكتهم يخشى عليه سوء الخاتمة والعياذ بالله تعالى ( قوله عن النقض ) بالضم ما انتقض من البنيان قاموس ( قوله وتمامه في شرح الوهبانية ) ذكر عبارته في النهر حيث قال : قال في عقد الفرائد : وهذا أي قولهم من غير زيادة يفيد أنهم لا يبنون ما كان باللبن بالآجر ، ولا ما كان بالآجر بالحجر ولا ما كان بالجريد ، وخشب النخل بالنقي والساج ولا بياض لم يكن . قال : ولم أجد في شيء من الكتب المعتمدة أن لا تعاد إلا بالنقض الأول وكون ذلك مفهوم الإعادة شرعا ولغة غير ظاهر عندي على أنه وقع في عبارة محمد يبنونها وفي إجارة الخانية يعمروا وليس فيهما ما يشعر باشتراط النقض الأول . مطلب في كيفية إعادة المنهدم من الكنائس

وفي الحاوي القدسي : وإذا انهدمت البيع والكنائس لذوي الصلح إعادتها باللبن والطين إلى مقدار ما كان قبل ذلك ، ولا يزيدون عليه ، ولا يشيدونها بالحجر والشيد والآجر ، وإذا وقف الإمام على بيعة جديدة أو بنى منها فوق ما كان في القديم خربها وكذا ما زاد في عمارتها العتيقة ا هـ ومقتضى النظر أن النقض الأول حيث وجد [ ص: 206 ] كافيا للبناء الأول لا يعدل عنه إلى آلة جديدة إذ لا شك في زيادة الثاني على الأول حينئذ . ا هـ . ( قوله وأما القديمة إلخ ) مقابل قوله : ولا يحدث بيعة ولا كنيسة ، وكان الأولى ذكره قبل قوله ويعاد المنهدم لأن إعادة المنهدم إنما هي في القديمة دون الحادثة ( قوله في الفتحية ) أراد بها المفتوحة عنوة بقرينة مقابلتها بالصلحية ( قوله بحر ) عبارته قال في فتح القدير : واعلم أن البيع والكنائس القديمة في السواد لا تهدم على الروايات كلها ، وأما في الأمصار فاختلف كلام محمد ، فذكر في العشر والخراج تهدم القديمة وذكر في الإجارة لا تهدم ، وعمل الناس على هذا ، فإنا رأينا كثيرا منها توالت عليها أئمة وأزمان ، وهي باقية لم يأمر إمام بهدمها ; فكان متوارثا من عهد الصحابة وعلى هذا لو مصرنا برية فيها أو كنيسة فوقع داخل السور ، ينبغي أن لا يهدم لأنه كان مستحقا للأمان قبل وضع السور فيحمل ما في جوف القاهرة من الكنائس على ذلك ، فإنها كانت قضاء فأدار العبيديون عليها السور ، ثم فيها الآن كنائس ويبعد من إمام تمكين الكفار من إحداثها جهارا وعلى هذا أيضا فالكنائس الموضوعة الآن في دار الإسلام غير جزيرة العرب كلها ينبغي أن لا تهدم لأنها إن كانت في الأمصار قديمة ، فلا شك أن الصحابة أو التابعين حين فتحوا المدينة علموا بها وأبقوها ، وبعد ذلك ينظر فإن كانت البلدة فتحت عنوة حكمنا بأنهم أبقوها مساكن لا معابد فلا تهدم ولكن يمنعون من الاجتماع فيها للتقرب ، وإن عرف أنها فتحت صلحا حكمنا بأنهم أقروها معابد فلا يمنعون من ذلك فيها بل من الإظهار . ا هـ .

قلت : وقوله فوقع داخل السور ينبغي أن لا يهدم ظاهره لأنه لم يره منقولا وقد صرح به في الذخيرة وشرح السير ، وقوله : وبعد ذلك ينظر إلخ قدمنا ما لو اختلف في أنها فتحية أو صلحية ولم يعلم من الآثار والأخبار تبقى في أيديهم ( قوله خلافا لما في القهستاني ) أي عن التتمة من أنها في الصلحية تهدم في المواضع كلها في جميع الروايات




الخدمات العلمية