الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( من ارتد عرض ) الحاكم ( عليه الإسلام استحبابا ) على المذهب لبلوغه الدعوة ( وتكشف شبهته ) بيان لثمرة العرض ( ويحبس ) وجوبا وقيل ندبا ( ثلاثة أيام ) يعرض عليه الإسلام في كل يوم منها خانية ( إن استمهل ) أي طلب المهلة وإلا قتله من ساعته إلا إذا رجي إسلامه بدائع وكذا ; لو ارتد ثانيا لكنه يضرب ، وفي الثالثة يحبس أيضا حتى تظهر عليه التوبة ، فإن عاد فكذلك تتارخانية . قلت : لكن نقل في الزواجر عن آخر حدود الخانية [ ص: 226 ] معزيا للبلخي ما يفيد قتله بلا توبة فتنبه ( فإن أسلم ) فيها ( وإلا قتل ) لحديث " { من بدل دينه فاقتلوه } " ( وإسلامه أن يتبرأ عن الأديان ) سوى الإسلام ( أو عما انتقل إليه ) بعد نطقه بالشهادتين ، وتمامه في الفتح ; ولو أتى بهما على وجه العادة لم ينفعه ما لم يتبرأ بزازية

التالي السابق


. ( قوله من ارتد ) أي عن الإسلام فلو أن اليهودي تنصر أو تمجس أو النصراني تهود أو تمجس لم يجبر على العود لما كان عليه لأن الكفر كله ملة واحدة كما في البرجندي وغيره در منتقى وسيذكره المصنف ( قوله الحاكم ) أي الإمام أو القاضي بحر ( قوله لبلوغه الدعوة ) مصدر مضاف للمفعول والدعوة فاعل . ا هـ . ح . قال في البحر : وعرض الإسلام هو الدعوة إليه ودعوة من بلغته الدعوى غير واجبة ( قوله بيان لثمرة العرض ) الظاهر أن ثمرة العرض الإسلام والنجاة من القتل ، وأما هذا فهو ثمرة التأجيل ثلاثة أيام لأن من انتقل عن الإسلام والعياذ بالله تعالى لا بد له غالبا من شبهة فتكشف له إن أبداها في هذه المدة تأمل ( قوله وقيد ندبا ) أي وإن استمهل وظاهر الرواية الأول ، وهو أنه لا يمهل بدون استمهال كما في البحر ( قوله إن استمهل ) أي بعد العرض للتفكر قهستاني ( قوله وإلا قتله ) أي بعد عرض الإسلام عليه وكشف شبهته ( قوله إلا إذا رجي إسلامه ) أي فإنه يمهل ، وهل هو حينئذ واجب أو مستحب ؟ محل تردد والظاهر الثاني تأمل .

( قوله لكنه يضرب إلخ ) أي إذا ارتد ثانيا ثم تاب ضربه الإمام وخلى سبيله ، وإن ارتد ثالثا ثم تاب ضربه ضربا وجيعا وحبسه حتى تظهر عليه آثار التوبة ويرى أنه مخلص ثم خلى سبيله ، فإن عاد فعل به هكذا بحر عن التتارخانية . وفي الفتح : فإن ارتد بعد إسلامه ثانيا قبلنا توبته أيضا وكذا ثالثا ورابعا ، إلا أن الكرخي قال : فإن عاد بعد الثالثة يقتل إن لم يتب في الحال ولا يؤجل ، فإن تاب ضربه ضربا وجيعا ولا يبلغ به الحد ثم يحبسه ولا يخرجه حتى يرى عليه خشوع التوبة وحال المخلص فحينئذ يخلي سبيله ، فإن عاد بعد ذلك فعل به كذلك أبدا ما دام يرجع إلى الإسلام . قال الكرخي : هذا قول أصحابنا جميعا إن المرتد يستتاب أبدا ، وما ذكره الكرخي مروي في النوادر . قال إذا تكرر ذلك منه يضرب ضربا مبرحا ثم يحبس إلى أن تظهر توبته ورجوعه ا هـ وذلك لإطلاق قوله تعالى - { فإن تابوا وأقاموا الصلاة } - الآية . وعن ابن عمر وعلي : لا تقبل توبة من تكررت ردته كالزنديق ، وهو قول مالك وأحمد والليث . وعن أبي يوسف لو فعل ذلك مرارا يقتل غيلة ، وفسره بأن ينتظر فإذا أظهر كلمة الكفر قتل قبل أن يستتاب لأنه ظهر منه الاستخفاف ا هـ باختصار .

وحاصله أن ظاهر قوله وكذا ثالثا ورابعا أنه لو استمهل بعد الرابعة يؤجل ولا يحبس بعد التوبة . والذي نقله عن الكرخي أنه لا يؤجل بعد الرابعة بل يقتل إلا إن تاب فإنه يضرب ويحبس كما هو رواية النوادر . وعن ابن عمر وغيره يقتل ولا توبة له مثل الزنديق ( قوله عن آخر حدود الخانية ) ونصه : وحكي أنه كان ببغداد نصرانيان مرتدان إذا أخذا تابا وإذا تركا عادا إلى الردة . قال أبو عبد الله البلخي يقتلان ولا تقبل توبتهما . ا هـ . أقول : الظاهر أن البلخي اختار قول ابن عمر ، ولا يصح بناؤه على رواية النوادر المارة عن الفتح كما لا يخفى [ ص: 226 ] فافهم ( قوله بلا توبة ) أي بلا قبول توبة ، وليس المراد أنه يقتل إن لم يثبت لأنه لا نزاع فيه ( قوله وإلا قتل ) أي ولو عبدا فيقتل وإن تضمن قتله إبطال حق المولى ، وهذا بالإجماع لإطلاق الأدلة فتح . قال في المنح : وأطلق فشمل الإمام وغيره ، لكن إن قتله غيره أو قطع عضوا منه بلا إذن الإمام أدبه الإمام . ا هـ . وسيأتي متنا وشرحا استثناء أربعة عشر لا يقتلون ( قوله لحديث إلخ ) رواية أحمد والبخاري وغيرهما زيلعي .

( قوله بعد نطقه بالشهادتين ) كذا قيده في العناية والنهاية ، وعزاه القهستاني إلى المبسوط والإيضاح وغيرهما وقال : وإنما لم يذكره لأن ذلك معلوم لكن مقتضى ما في الفتح عدم اعتماده ، لأنه عبر عنه بقيل وكأنه تابع ظاهر المتون ، وهو مفاد كلام الزيلعي ، ويؤيده ما سيذكره في المتن من أن إنكاره الردة توبة ورجوع . وقد يوفق بحمل ما هو ظاهر المتون على الإسلام المنجي في الدنيا عن القتل . وما في الشروح من اشتراط النطق بالشهادتين أيضا محمول على الإسلام الحقيقي النافع في الدنيا والآخرة تأمل . وذكر في الفتح أن الإقرار بالبعث والنشور مستحب ( قوله على وجه العادة ) أي بدون التبري . قال في البحر : وأفاد باشتراط التبري أنه لو أتى بالشهادتين على وجه العادة لم ينفعه ما لم يرجع عما قال إذ لا يرتفع بهما كفره كذا في البزازية وجامع الفصولين . ا هـ . قلت : وظاهره اشتراط التبري وإن لم ينتحل دينا آخر بأن كان كفره بمجرد كلمة ردة والظاهر خلافه ، وأن اشتراط التبري فيمن انتحل دينا آخر إنما هو شرط لإجراء أحكام الدنيا عليه ، أما بالنسبة لأحكام الآخرة فيكفيه التلفظ بالشهادتين مخلصا كما يدل عليه ما نذكره في إسلام العيسوية




الخدمات العلمية