الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 278 ] ( فإن أشهد عليه ) بأنه أخذه ليرده على ربه ويكفيه أن يقول من سمعتموه ينشد لقطة فدلوه علي ( وعرف ) أي نادى عليها حيث وجدها وفي الجامع ( إلى أن علم أن صاحبها لا يطلبها أو أنها تفسد إن بقيت كالأطعمة ) والثمار ( كانت أمانة ) لم تضمن بلا تعد فلو لم يشهد مع التمكن منه [ ص: 279 ] أو لم يعرفها ضمن إن أنكر ربها أخذه للرد وقبل الثاني قوله بيمينه وبه نأخذ حاوي ، وأقره المصنف وغيره ( ولو من الحرم أو قليلة أو كثيرة ) فلا فرق بين مكان ومكان ولقطة ولقطة ( فينتفع ) الرافع ( بها لو فقيرا وإلا تصدق بها على فقير ولو على أصله وفرعه وعرسه ، إلا إذا عرف أنها لذمي [ ص: 280 ] فإنها توضع في بيت المال ) تتارخانية . وفي القنية : لو رجى وجود المالك وجب الإيصاء .

التالي السابق


( قوله : فإن أشهد عليه ) ظاهر المبسوط اشتراط العدلين فتح ( قوله : ويكفيه ) أي في الإشهاد أن يقول إلخ وكذا قوله عندي ضالة أو شيء فمن سمعتموه إلخ ، ولا فرق بين كون اللقطة واحدة أو أكثر ; لأنها اسم جنس ، ولا يجب أن يعين ذهبا أو فضة خصوصا في هذا الزمان فتح ، وقوله أو شيء يدل على أنه لا يشترط التصريح بكونه لقطة وبه صرح في البحر عن الولوالجية ( قوله : ينشد ) في المصباح نشدت الضالة نشدا من باب قتل طلبتها : وكذا إذا عرفتها والاسم نشدة ونشدان بكسرهما وأنشدتها بالألف عرفتها ( قوله : وعرف ) معطوف على أشهد ، فظاهره أن الإشهاد لا يكفي لنفي الضمان ، وهكذا شرط في المحيط لنفي الضمان الإشهاد وإشاعة التعريف . وحكى فيه في الظهيرية اختلافا . فقال الحلواني يكفي عن التعريف إشهاده عند الأخذ بأنه أخذها ليردها وهو المذكور في السير . ومنهم من قال يأتي على أبواب المساجد وينادي .

وحاصله أن الإشهاد لا بد منه على قول الإمام باتفاقهم ، والخلاف في أنه هل يكفي عن التعريف بعده أو لا ؟ ولم يقل أحد : إن التعريف بعد الأخذ يكفي عن الإشهاد وقت الأخذ خلافا لما فهمه في الفتح ، هذا حاصل ما في البحر والنهر ( قوله : أي نادى عليها إلخ ) أشار إلى أن المراد بالتعريف الجهر به كما في الخلاصة لا كما فعله بعضهم حيث دلى رأسه في بئر خارج المصر فنادى عليها فاتفق أن صاحبها كان هناك فسمعه كما حكاه السرخسي ، ومر أن لقطة الصبي يعرفها وليه ، زاد في القنية أو وصيه وهل للملتقط دفعها إلى غيره ليعرفها فقيل نعم إن عجز ، وقيل لا ما لم يأذن القاضي بحر ملخصا . وفي القهستاني : له دفعها لأمين ، وله استردادها منه ، وإن هلكت في يده لم يضمن ( قوله : وفي المجامع ) أي محلات الاجتماع كالأسواق وأبواب المساجد بحر ، وكبيوت القهوات في زماننا ( قوله : إلى أن علم أن صاحبها لا يطلبها ) لم يجعل للتعريف مدة اتباعا للسرخسي فإنه بنى الحكم على غالب الرأي ، فيعرف القليل والكثير إلى أن يغلب على رأيه أن صاحبه لا يطلبه ، وصححه في الهداية ، وفي المضمرات والجوهرة وعليه الفتوى وهو خلاف ظاهر الرواية من التقدير بالحول في القليل والكثير كما ذكره الإسبيجابي ، وعليه قيل يعرفها كل جمعة وقيل كل شهر ، وقيل كل ستة أشهر بحر .

قلت : والمتون على قول السرخسي والظاهر أنه رواية أو تخصيص لظاهر الرواية بالكثير تأمل . قال في الهداية فإن كانت شيئا يعلم أن صاحبها لا يطلبها كالنواة وقشر الرمان يكون إلقاؤه إباحة ، حتى جاز الانتفاع به بلا تعريف ولكنه يبقى على ملك مالكه ; لأن التمليك من المجهول لا يصح . وفي شرح السير الكبير : لو وجد مثل السوط والحبل فهو بمنزلة اللقطة ، وما جاء في الترخيص في السوط فذاك في المنكسر ونحوه مما لا قيمة له ولا يطلبه صاحبه بعدما سقط منه وربما ألقاه مثل النوى وقشور الرمان وبعر الإبل وجلد الشاة الميتة . أما ما يعلم أن صاحبه يطلبه فهو بمنزلة اللقطة ، والدابة العجفاء التي يعلم أن صاحبها تركها إذا أخذها إنسان فعليه ردها استحسانا ; لأن صاحبها إنما تركها عجزا فلا يزول ملكه عنها بذلك ، والسوط إنما ألقاه رغبة عنه لقدرته على حمله ، ولو ادعى على صاحب الدابة أنك قلت : من أخذها فهي له فالقول لصاحبها بيمينه إلا إذا نكل أو برهن الآخذ فهي له ، وإن لم يكن حاضرا حين هذه المقالة وبعد صحة الهبة إذا سمنت الدابة في يده فليس للواهب الرجوع ; لأن الزيادة المتصلة تمنع الرجوع ا هـ ملخصا ( قوله : كانت أمانة ) جواب قوله فإن أشهد إلخ ( قوله : مع التمكن منه ) أي من الإشهاد ; أما لو لم يجد من يشهده عند الرفع [ ص: 279 ] أو خاف أنه لو أشهد عنده يأخذه منه الظالم فتركه لا يضمن بحر عن الخانية ( قوله : أو لم يعرفها ) مبني على ما مر من أن الإشهاد لا يكفي عن التعريف ( قوله : إن أنكر بها ) أما لو صدقه فلا ضمان إجماعا بحر ( قوله : وبه نأخذ إلخ ) وكذا ذكر الطحاوي كما في النهر عن الأتقاني .

قال في البحر : وفي الولوالجية : محل الاختلاف فيما إذا اتفقا على كونها لقطة لكن اختلفا هل التقطها للمالك أو لا أما إذا اختلفا في كونها لقطة فقال المالك أخذتها غصبا وقال الملتقط لقطة وقد أخذتها لك فالملتقط ضامن بالإجماع ( قوله : ولو من الحرم ) لإطلاق قوله عليه الصلاة والسلام { اعرف عفاصها } أي وعاءها ووكاءها أي رباطها { وعرفها سنة } وأما قوله عليه الصلاة والسلام في مكة { ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد } فقال في الفتح لا يعارضه ; لأن معناه لا يحل إلا لمن يعرف ولا يحل لنفسه ، وتخصيص مكة حينئذ لدفع وهم سقوط التعريف بها بسبب أن الظاهر أن ما وجد بها من لقطة فالظاهر أنه للغرباء وقد تفرقوا ، فلا يفيد التعريف فيسقط ( قوله : ولقطة ولقطة ) أي لا فرق بينهما : أي في وجوب أصل التعريف ليناسب قوله إلى أن علم أن صاحبها لا يطلبها فإنه يقتضي تعريف كل لقطة بما يناسبها ، بخلاف ما مر عن ظاهر الرواية من التعريف حولا للكل ( قوله : فينتفع الرافع ) أي من رفعها من الأرض : أي التقطها وأتى بالفاء ، فدل على أنه إنما ينتفع بها بعد الإشهاد والتعريف إلى أن غلب على ظنه أن صاحبها لا يطلبها ، والمراد جواز الانتفاع بها والتصدق ، وله إمساكها لصاحبها . وفي الخلاصة له بيعها أيضا وإمساك ثمنها ثم إذا جاء ربها ليس له نقض البيع لو بأمر القاضي ، وإلا فلو قائمة له إبطاله ; وإن هلكت ، فإن شاء ضمن البائع وعند ذلك ينفذ بيعه في ظاهر الرواية وله دفعها للقاضي فيتصدق بها أو يقرضها من مليء أو يدفعها مضاربة والظاهر أن له البيع أيضا . وفي الحاوي القدسي الدفع إلى القاضي أجود ليفعل الأصلح . وفي المجتبى : التصدق بها في زماننا أولى ، وينبغي التفصيل بين من يغلب على الظن ورعه وعدمه نهر ملخصا .

[ تنبيه ] ظاهر كلامهم متونا وشروحا أن حل الانتفاع للفقير بعد التعريف لا يتوقف على إذن القاضي ، ويخالفه ما في الخانية من أنه لا يحل ذلك للفقير بلا أمره عند عامة العلماء . وقال بشر يحل . ا هـ . بحر ، ومثله في الشرنبلالية عن البرهان ، نعم في الهداية والعناية جواز الانتفاع للغني بإذن الإمام ; لأنه مجتهد فيه ، ويأتي قريبا عن النهر . وفي النهر : معنى الانتفاع بها صرفها إلى نفسه كما في الفتح ، وهذا لا يتحقق ما بقيت في يده لا تملكها كما توهمه في البحر ; لأنها باقية على ملك صاحبها ما لم يتصرف بها ، حتى لو كانت أقل من نصاب وعنده ما تصير به نصابا حال عليه الحول تحت يده لا يجب عليه زكاة . ا هـ .

قلت : مقتضاه أنها لو كانت ثوبا فلبسه لا يملكها مع أنه يصدق عليه أنه صرفها إلى نفسه ، فمراد البحر التصرف بها على وجه التملك ، فلو دراهم يكون بإنفاقها وغيرها بحبسه ، فهو احتراز عن التصرف بطريق الإباحة على ملك صاحبها ، ولذا قال : إنما فسرنا الانتفاع بالتملك ; لأنه ليس المراد الانتفاع بدونه كالإباحة ولذا ملك بيعها وصرف الثمن إلى نفسه كما في الخانية . ا هـ . ( قوله : لو فقيرا ) قيد به ; لأن الغني لا يحل له الانتفاع بها إلا بطريق القرض ، لكن بإذن الإمام نهر ( قوله : على فقير ) أي ولو ذميا لا حربيا كما في شرح السير . قال في النهر : قالوا ولا يجوز على غني ولا على طفله الفقير وعبده ، ولو فعل ينبغي أن لا يتردد في ضمانه ( قوله : وفرعه ) الضمير [ ص: 280 ] عائد إلى الغني المفهوم من قوله وإلا تصدق بها ، فلا بد أن يراد بفرعه الكبير الفقير ، لما علمت من أنه لا يجوز على طفل الغني ولو فقيرا ( قوله : توضع في بيت المال ) للنوائب بحر ط ( قوله : وفي القنية إلخ ) عبارتها : وما يتصدق به الملتقط بعد التعريف وغلبة ظنه أنه لا يوجد صاحبه لا يجب إيصاؤه ، وإن كان يرجو وجود المالك وجب الإيصاء ا هـ والمراد الإيصاء بضمانها إذا ظهر صاحبها ولم يجز تصدق الملتقط لا الإيصاء بعينها قبل التصدق بها لكنه مفهوم بالأولى فلذا عمم الشارح . وفي النهر : ثم إذا أمسكها وحضرته الوفاة أوصى بها ثم الورثة يعرفونها . قال في الفتح ، ومقتضى النظر أنهم لو لم يعرفوها حتى هلكت وجاء صاحبها أنهم يضمنون ; لأنهم وضعوا أيديهم على اللقطة ولم يشهدوا أي لم يعرفوا . قال في البحر : وقد يقال إن التعريف عليهم غير واجب حيث عرفها الملتقط . ا هـ .

قلت : الظاهر أن كلام الفتح فيما إذا لم يشهد الملتقط ولم يعرفها بناء على ما قدمناه عنه من أن الشرط التعريف قبل هلاكها لا الإشهاد وقت الأخذ ، وتقدم ما فيه .




الخدمات العلمية