الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) المعذور ( إنما تبقى طهارته في الوقت ) بشرطين ( إذا ) توضأ لعذره و ( لم يطرأ عليه حدث آخر ، أما إذا ) توضأ لحدث آخر وعذره منقطع ثم سال أو توضأ لعذره ثم ( طرأ ) عليه حدث آخر ، بأن سال أحد منخريه أو جرحيه أو قرحتيه ولو من جدري ثم سال الآخر ( فلا ) تبقى طهارته .

( فروع ) يجب رد عذره أو تقليله بقدر قدرته ولو بصلاته موميا ، [ ص: 308 ] وبرده لا يبقى ذا عذر بخلاف الحائض .

ولا يصلي من به انفلات ريح خلف من به سلس بول ; لأن معه حدثا ونجسا .

التالي السابق


( قوله : والمعذور إلخ ) تقييد لما علم مما مر من أن وضوءه يبقى ما دام الوقت باقيا ( قوله : ولم يطرأ ) بالهمز . قال في المغرب : وطرأ علينا فلان : جاء من بعيد فجأة ، من باب منع ومصدره الطروء ، وقولهم : طري الجنون ، والطاري خلاف الأصل فالصواب الهمزة ، وأما الطريان فخطأ أصلا ا هـ فافهم . ( قوله : أما إذا توضأ لحدث آخر ) أي : لحدث غير الذي صار به معذورا وكان حدثه منقطعا كما في شرح المنية : أما إذا كان حدثه غير منقطع وأحدث حدثا آخر ثم توضأ فلا ينتقض بسيلان عذره كما هو ظاهر التقييد ; لأن وضوءه وقع لهما ، ثم إن ما ذكره الشارح محترز قوله إذا توضأ لعذره .

ووجه النقض فيه بالعذر أن الوضوء لم يقع له فكان عدما في حقه بدائع . وكذا لو توضأ على الانقطاع ودام إلى خروج الوقت ثم جدد الوضوء في الوقت الثاني ثم سال انتقض ; لأن تجديد الوضوء وقع من غير حاجة فلا يعتد به ، بخلاف ما إذا توضأ بعد السيلان زيلعي . ( قوله : أو توضأ لعذره إلخ ) محترز قوله ولم يطرأ عليه حدث آخر ،

ووجه النقض فيه كما في البدائع أن هذا حدث جديد لم يكن موجودا وقت الطهارة ، فكان هو والبول والغائط سواء . ا هـ . ( قوله : بأن سال أحد منخريه ) أما لو سال منهما جميعا ثم انقطع أحدهما فهو على وضوئه ما بقي الوقت ; لأن طهارته حصلت لهما جميعا والطهارة متى وقعت لعذر لا يضرها السيلان ما بقي الوقت ، فبقي هو صاحب عذر بالمنخر الآخر ، وعلى هذا صاحب القروح إذا انقطع السيلان عن بعضها بدائع ( قوله : ولو من جدري ) بضم الجيم وفتح الدال ط وبخط الشارح في هامش الخزائن . قوله : أو قرحتيه يشمل من به جدري سال منها ماء فتوضأ ثم سال منها قرحة أخرى فإنه ينتقض ; لأن الجدري قروح متعددة فصار بمنزلة جرحين في موضعين من البدن أحدهما لا يرقأ لو توضأ لأجله ثم سال الآخر كما في شرح المنية . ا هـ . ( قوله : فلا تبقى طهارته ) جواب أما ( قوله : أو تقليله ) أي : إن لم يمكنه رده بالكلية ( قوله : ولو بصلاته مومئا ) أي : كما إذا سال عند السجود ولم يسل بدونه فيومئ قائما [ ص: 308 ] أو قاعدا ، وكذا لو سال عند القيام يصلي قاعدا ، بخلاف من لو استلقى لم يسل فإنه لا يصلي مستلقيا . ا هـ . بركوية . ( قوله : وبرده لا يبقى ذا عذر ) قال في البحر : ومتى قدر المعذور على رد السيلان برباط أو حشو أو كان لو جلس لا يسيل ولو قام سال وجب رده ، وخرج برده عن أن يكون صاحب عذر ، ويجب أن يصلي جالسا بإيماء إن سال بالميلان ; لأن ترك السجود أهون من الصلاة مع الحدث . ا هـ .

واستفيد من هذا أن صاحب كي الحمصة غير معذور لإمكان رد الخارج برفعها ط ، وهذا إذا كان الخارج منه فيه قوة السيلان بنفسه لو ترك وكان إذا رفعها ينقطع سيلانه أو كان يمكنه ربطه بما يمنعه من السيلان والنش كنحو جلد ، أما إذا كان لا ينقطع في الوقت برفعها ولا يمكنه الربط المذكور فهو معذور وقدمنا بقية الكلام في نواقض الوضوء . ( قوله : بخلاف الحائض ) ; لأن الشرع اعتبر دم الحيض كالخارج حيث جعلها حائضا وكان القياس خلافه لانعدام دم الحيض حسا ا هـ حلية . وهذا إذا منعته بعد نزوله إلى الفرج الخارج كما أفاده البركوي ، لما مر أنه لا يثبت الحيض إلا بالبروز لا بالإحساس به خلافا لمحمد ، فلو أحست به فوضعت الكرسف في الفرج الداخل ومنعته من الخروج فهي طاهرة كما لو حبس المني في القصبة ( قوله : ; لأن معه حدثا ونجسا ) أي : بخلاف المقتدي ، فإن معه انفلات الريح وهو حدث فقط . وظاهر التعليل جواز عكس هذه الصورة وبه صرح الشارح في باب الإمامة ، لكن صرح في النهر هناك بعدم الجواز ، وبأن مجرد اختلاف العذر مانع .

أقول : ويوافقه ما صرح به في السراج والتبيين والفتح وغيرها ، من أن اقتداء المعذور بالمعذور صحيح إن اتحد عذرهما ، وأوضحه في شرح المنية فراجعه وسيأتي تمامه في محله - إن شاء الله تعالى - ، وهو - سبحانه وتعالى - أعلم .




الخدمات العلمية