الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) الذي ( تقبل فيه الشهادة ) حسبة ( بدون الدعوى ) أربعة عشر : منها الوقف على ما في الأشباه لأن حكمه التصدق بالغلة وهو حق الله تعالى . بقي لو الوقف على معينين هل تقبل بلا دعوى في الخانية ينبغي ، لا اتفاقا وفي شرح الوهبانية للشيخ حسن وهذا التفصيل هو المختار وفي التتارخانية إن هو حق الله تعالى تقبل وإلا لا إلا بالدعوى فليحفظ قلت : لكن بحث فيه ابن الشحنة ، ووافق المصنف بقبولها مطلقا لثبوت أصل الوقف لمآله للفقراء وباشتراط الدعوى لثبوت الاستحقاق لما في الخانية لو كان ثمة مستحق ولم يدع لم يدفع له شيء من الغلة وتصرف كلها للفقراء . [ ص: 410 ] قلت : ومفاده أنه لو ادعى استحق مع أنها لا تسمع منه على المفتى به إلا بتولية كما مر فتدبر . وفي الأشباه لنا شاهد حسبة في أربعة عشر وليس لنا مدع حسبة إلا في دعوى الموقوف عليه أصل الوقف فإنها تسمع عند البعض والمفتى به لا إلا التولية فإذا لم تسمع دعواه فالأجنبي أولى انتهى وقد مر فتنبه .

التالي السابق


( قوله : حسبة ) الحسبة : بالكسر الأجر كما في القاموس أي لقصد الأجر ، لا لإجابة مدع أفاده ط . مطلب المواضع التي تقبل فيها الشهادة حسبة بلا دعوى

( قوله : أربعة عشر ) وهي الوقف ، وطلاق الزوجة ، وتعليق طلاقها وحرية الأمة وتدبيرها ، والخلع وهلال رمضان والنسب ، لكن في البحر خلافه ، وحد الزنا ، وحد الشرب ، والإيلاء ، والظهار ، وحرمة المصاهرة ودعوى المولى نسب العبد ا هـ

قلت : ويزاد الشهادة بالرضاع كما مشى عليه المصنف في بابه ( قوله : منها الوقف ) أي الشهادة بأصله لا بريعه أشباه ، وأما الدعوى به أو بريعه فقد مر الكلام عليها ويأتي قريبا ويأتي بيان المراد بأصله ( قوله : وهذا التفصيل ) أي بين ما إذا كان الوقف على معينين فلا تقبل وبين ما إذا قامت على أنه للفقراء أو للمسجد ونحوه فتقبل ( قوله وفي التتارخانية ) هو عين التفصيل . ا هـ . ح ( قوله : لكن بحث فيه ابن الشحنة إلخ ) أي بحث في الإطلاق المذكور في المتن . ا هـ . ح والأصوب إبداله بابن وهبان ، ويعود الضمير إلى التفصيل قال المصنف في المنح نقلا عن الخانية : وينبغي أن يكون الجواب على التفصيل إذا كان الوقف على قوم بأعيانهم ، لا تقبل البينة عليه بدون الدعوى ا هـ قال ابن وهبان : وهذا التفصيل غير محتاج إليه لأن الوقف وإن كان على قوم بأعيانهم فآخره لا بد وأن يكون لجهة بر لا تنقطع كالفقراء وغيرهم فالشهادة تقبل إما حالا أو مآلا ا هـ قال : ابن الشحنة : التفصيل لا بد منه لأن البينة إذا قامت بأن هذا وقف يستحقه قوم بأعيانهم لا بد فيه من الدعوى لثبوت استحقاقهم ، وتناولهم وإن كان آخره ما ذكر بخلاف ما إذا قامت على أنه وقف على الفقراء أو المسجد أو نحو ذلك ا هـ .

قال المصنف أقول : ما ذكره ابن وهبان ظاهر جدا وما ذكره ابن الشحنة لا ينتهض حجة عليه لأن كلام ابن وهبان في أن ثبوت أصل الوقف لا يحتاج إلى الدعوى مطلقا وإن كان المستحق لا يدفع له شيء ، على تقدير عدم دعواه وكلام ابن الشحنة في ثبوت الاستحقاق للموقوف عليه المعين ، ولا شك في توقفه على الدعوى . ا هـ . قلت : لكن في الحادية عشر من دعوى البزازية : باع أرضا ثم ادعى أنه كان وقفها أو قال : وقف علي فإن لم تكن له بينة وأراد تحليف البائع لا يحلف لعدم صحة الدعوى للتناقض ، وإن برهن قال الفقيه أبو جعفر [ ص: 410 ] يقبل ويبطل البيع لعدم اشتراط الدعوى في الوقف كما عتق الأمة وبه أخذ الصدر والصحيح أن الإطلاق غير مرضي فإن الوقف لو حق الله تعالى فالجواب ما قاله وإن حق العبد لا بد فيه من الدعوى ا هـ وأنت خبير بأن الوقف لا بد أن يكون فيه حق الله تعالى إما حالا أو مآلا ، وهذا التصحيح للتفصيل المار عن الخانية يقتضي أن المنظور إليه الحال لا المآل ، وإلا لم يصح .

قوله وإن حق العبد إلخ ، وهذا خلاف ما قاله ابن وهبان حيث جعل الوقف كله حقا لله تعالى باعتبار المآل ، ومؤيد لما قاله ابن الشحنة حيث اعتبر فيه الحال ، لكن قد يقال التحقيق أن الوقف من حيث هو حق الله تعالى لأنه تصدق بالمنفعة ، فلا تشترط له الدعوى ، لكن إذا كان أوله على معين وأريد إثبات استحقاقه اشترط له الدعوى وإن ثبت أصل الوقف بدونها فثبت ما قاله المصنف : وهذا في الحقيقة تحقيق وتلفيق بين القولين وتوفيق بنظر دقيق ، لكن لو كان المدعي هو البائع لا يمكن إثبات استحقاقه لأنه متناقض فلا تصح دعواه وتبقى البينة مسموعة لإثبات أصل الوقف ويأتي له زيادة بيان عند قوله باع دارا ( قوله : إلا بتولية ) أي أو بإذن قاض ( قوله : كما مر ) أي عن العمادية لكن فيه أن ما مر في دعوى عين الوقف لو غصبه غاصب ، أما دعوى المستحق استحقاقه من غلة الوقف فلا شبهة في صحتها ولا تحتاج إلى التدبر أفاده ح . قلت : قدمنا التصريح بأن مستحق غلة الوقف لا يملك الدعوى بها ، وهو مشكل يحتاج إلى التدبير وقدمنا بيانه ، وقوله فلا شبهة إلخ مؤيد لما قدمناه ( قوله : لنا شاهد حسبة في أربعة عشر ) هذا مكرر بما تقدم ، فالأولى الاقتصار على ما بعده أفاده ط ( قوله : وليس لنا مدع حسبة ) بتنوين مدع ونصب حسبة على التمييز وفي بعض النسخ مدعي بالياء فهو مضاف وحسبة مجرور به ( قوله : والمفتى به لا ) أي لا تسمع دعواه فلا يحلف الخصم لو أنكر كما قدمناه آنفا عن البزازية لكن لو أقام بينة تقبل بطريق الحسبة كما علمت تحريره .

( قوله : فالأجنبي أولى ) قال في الأشباه عقب هذا وظاهر كلامهم أنها لا تسمع من غير الموقوف عليه اتفاقا ا هـ أي لأن الخلاف مذكور في دعوى الموقوف عليه هل تسمع أم لا والمفتى به لا فظاهره أن الأجنبي لا تسمع دعواه اتفاقا ا هـ لكن قال العلامة البيري : بل الظاهر من كلامهم أن الخلاف فيه أيضا لأن محل النزاع كون المحل قابلا لدعوى الحسبة أم لا فمن قال بأنه قابل جوز ذلك من الوقوف عليه كما لا يخفى . ا هـ . وحينئذ يتجه ما مر من التفصيل فإذا كانت الدعوى لإثبات عين الوقف يكون حق الله تعالى فتسمع فيه الدعوى حسبة من الموقوف عليه وغيره إلا إذا باع الوقف ثم ادعى فلا تسمع دعواه ، وأما البينة فإنها تقبل مطلقا إلا إذا كانت لإثبات غلة الوقف فلا تقبل بلا دعوى صحيحة وتقدم الكلام فيه ، ثم لا يخفى أن شاهد الحسبة لا بد أن يدعي ما يشهد به إن لم يوجد مدع غيره وعلى هذا فكل ما تقبل فيه الشهادة حسبة يصدق عليه أنه تقبل فيه الدعوى حسبة ، وهذا ينافي ما مر عن الأشباه إلا أن يكون مراده أنه لا يسمى مدعيا أو أن مدعي الحسبة لا يحلف له الخصم عند عدم البينة فلا يتحقق بدون الشهادة فلذا نفاه فليتأمل وفي الفصولين وفي عتق الأمة والطلاق قيل يحلف وقيل لا . [ تنبيه ]

شاهد الحسبة إذا أخرها لغير عذر لا تقبل لفسقه أشباه عن القنية وقال ابن نجيم في رسالته المؤلفة فيما تسمع فيه الشهادة حسبة ومقتضاه أن الشاهد في الوقف كذلك ( قوله وقد مر ) أي عدم سماع الدعوى من الموقوف عليه لو غصب منه الوقف إلا بتولية مع زيادة قوله ولو الوقف على معين ولا يخفى أن الدعوى على الغاصب دعوى [ ص: 411 ] أصل الوقف أي لا دعوى الغلة فافهم




الخدمات العلمية