الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإذا أوجب واحد قبل الآخر ) بائعا كان أو مشتريا [ ص: 526 ] في المجلس ) لأن خيار القبول مقيد به ( كل المبيع بكل الثمن ، أو ترك ) لئلا يلزم تفريق الصفقة ( إلا إذا ) أعاد الإيجاب والقبول [ ص: 527 ] أو رضي الآخر وكان الثمن منقسما على المبيع بالأجزاء كمكيل وموزون وإلا لا ، وإن رضي الآخر لعدم جواز البيع بالحصة ابتداء كما حرره الواني أو ( بين ثمن كل ) كقوله بعتهما كل واحد بمائة وإن لم يكرر لفظ بعت عند أبي يوسف ومحمد وهو المختار كما في الشرنبلالية عن البرهان

التالي السابق


( قوله : قبل الآخر ) بكسر الباء من القبول المقابل للإيجاب ، وقوله : أو ترك عطف عليه أي يخير الآخر بين القبول والترك في المجلس ، ما دام الموجب على إيجابه ، فلو رجع عنه قبل القبول بطل كما يأتي ولا بد أيضا من كون القبول في المجلس ، وكونه موافقا للإيجاب كما نبه عليه وكونه في حياة الموجب . فلو مات قبله بطل إلا في مسألة على ما فهمه في البحر ورده في النهر بأنه لا استثناء فراجعه ، وكونه قبل رد المخاطب الإيجاب وكونه قبل تغير المبيع فلو قطعت يد الجارية بعد الإيجاب ، وأخذ البائع أرشها لم يصح قبول المشتري ، كما في الخانية بحر والظاهر أن التقييد بأخذ الأرش اتفاقي نهر . [ ص: 526 ] قلت : ويؤيده قول التتارخانية ودفع أرش اليد إلى البائع أو لم يدفع . ( قوله : في المجلس ) حتى لو تكلم البائع مع إنسان في حاجة فإنه يبطل بحر فالمراد بالمجلس ما لا يوجد فيه ما يدل على الإعراض ، وأن لا يشتغل بمفوت له فيه وإن لم يكن للإعراض أفاده في النهر ، فإن وجد بطل ولو اتحد المكان ط . ( قوله : كل المبيع بكل الثمن ) بيان لاشتراط موافقة القبول للإيجاب بأن يقبل المشتري ما أوجبه البائع بما أوجبه فإن خالفه بأن قبل غير ما أوجبه أو بعضه أو بغير ما أوجبه أو ببعضه لم ينعقد إلا في الشفعة ، كما قدمناه في شروط العقد ، وإلا فيما إذا كان الإيجاب من المشتري فقبل البائع بأنقص من الثمن صح وكان خطأ ، أو كان من البائع فقبل المشترى بأزيد صح ، وكان زيادة إن قبلها في المجلس لزمت أفاده في البحر ، وذكر أن هبة الثمن بعد الإيجاب قبل القبول تبطل الإيجاب ، وقيل : لا ويكون إبراء وسكوت المشتري عن الثمن مفسدا للبيع . ا هـ .

مطلب ما يوجب اتحاد الصفقة وتفريقها ( قوله : لئلا يلزم تفريق الصفقة ) هي ضرب اليد على اليد في البيع ، ثم جعلت عبارة عن العقد نفسه مغرب . قال : في البحر : ولا بد من معرفة ما يوجب اتحادها وتفريقها . وحاصل ما ذكروه : أن الموجب إذا اتحد وتعدد المخاطب لم يجز التفريق بقبول أحدهما بائعا كان الموجب أو مشتريا وعلى عكسه لم يجز القبول في حصة أحدهما ، وإن اتحدا لم يصح قبول المخاطب في البعض فلم يصح تفريقها مطلقا في الأحوال الثلاثة لاتحاد الصفقة في الكل ، وكذا إذا اتحد العاقدان ، وتعدد المبيع كأن يوجب في مثلين أو قيمي ومثلي لم يجز تفريقها بالقبول في أحدهما إلا أن يرضى الآخر بذلك بعد قبوله في البعض ، ويكون المبيع مما ينقسم الثمن عليه بالأجزاء كعبد واحد أو مكيل أو موزون ، فيكون القبول إيجابا والرضا قبولا وبطل الإيجاب الأول ، فإن كان مما لا ينقسم إلا بالقيمة كثوبين وعبدين لا يجوز فلو بين ثمن كل واحد فلا يخلو إما أن يكرر لفظ البيع ، فالاتفاق على أنه صفقتان ، فإذا قبل في أحدهما يصح كقوله بعتك هذين العبدين بعتك هذا بألف وبعتك هذا بألف ، وأما أن لا يكرره وفصل الثمن فظاهر الهداية التعدد ، وبه قال : بعضهم ومنعه الآخرون ، وحملوا كلامه على ما إذا كرر لفظ البيع ، وقيل : إن اشتراط تكراره للتعدد استحسان ، وهو قول الإمام ، وعدمه قياس وهو قولهما ورجحه في الفتح بقوله : والوجه الاكتفاء بمجرد تفريق الثمن ; لأن الظاهر أن فائدته ليس إلا قصده بأن يبيع منه أيهما شاء ، وإلا فلو كان غرضه أن لا يبيعها منه إلا جملة لم تكن فائدة لتعيين ثمن كل . ا هـ .

واعلم أن تفصيل الثمن إنما يجعلهما عقدين على القول به إذا كان الثمن منقسما عليهما باعتبار القيمة ، أما إذا كان منقسما عليهما باعتبار الأجزاء كالقفيزين من جنس واحد فإن التفصيل لا يجعله في حكم عقدين للانقسام من غير تفصيل ، فلم يعتبر التفصيل كما في شرح المجمع للمصنف وهو تقييد حسن . ا هـ .

ما في البحر وتمام الكلام فيه . ( قوله : إلا إذا أعاد الإيجاب والقبول ) كأن قال : اشتريت نصف هذا المكيل بكذا وقبل الآخر فيكون بيعا مستأنفا لوجود [ ص: 527 ] ركنيه وبطل الأول . ( قوله : أو رضي الآخر ) أي بدون إعادة الإيجاب فيكون القبول إيجابا والرضا قبولا كما مر . ( قوله : كمكيل وموزون ) أدخلت الكاف العبد الواحد كما سلف ذكره في عبارة البحر ط . ووجه الصحة أنه إذا كان الثمن منقسما عليهما باعتبار الأجزاء تكون حصة كل بعض معلومة .

( قوله : وإلا لا ) أي وإن يكن الثمن منقسما عليهما كذلك بل كان منقسما باعتبار القيمة كما إذا كان المبيع عبدين أو ثوبين لا يصح القبول لأحدهما ، وإن رضي الآخر لجهالة ما يخص أحدهما من الثمن . ( قوله : لعدم جواز البيع بالحصة ابتداء ) صورته ما إذا قال : بعت منك هذا العبد بحصته من الألف الموزع على قيمته وقيمة ذلك العبد الآخر ، فإنه باطل لجهالة الثمن وقت البيع كذا في فصل قصر العام من التلويح عزمية ، وقوله : ابتداء خرج به ما إذا عرض البيع بالحصة ، بأن باعه الدار بتمامها فاستحق بعضها ورضي المشتري بالباقي فإنه يصح لعروض البيع بالحصة انتهاء ، وقد علمت أن محل عدم الجواز فيما إذا لم يكرر الثمن ولفظ البيع أو يفصل الثمن فقط على ما ذهب إليه صاحب الهداية ط . ( قوله : كما حرره الواني ) لم يذكر الواني في هذا المحل تحريرا ط . ( قوله : أو بين ثمن كل ) أي فيما إذا كان المبيع مما ينقسم الثمن عليه بالقيمة كعبدين وثوبين . ( قوله : وإن لم يكرر لفظ بعت ) ; لأنه بمجرد تفصيل الثمن تتعدد الصفقة على ما هو ظاهر الهداية كما مر . ( قوله : وهو المختار ) تقدم وجه ترجيحه عن الفتح .




الخدمات العلمية