الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) فسد ( شراء ما باع [ ص: 74 ] بنفسه أو بوكيله ) من الذي اشتراه ولو حكما كوارثه ( بالأقل ) من قدر الثمن الأول ( قبل نقد ) كل ( الثمن ) الأول . صورته : باع شيئا بعشرة ولم يقبض الثمن ثم شراه بخمسة لم يجز وإن رخص السعر للربا خلافا للشافعي ( وشراء من لا تجوز شهادته له ) كابنه وأبيه ( كشرائه بنفسه ) فلا يجوز أيضا خلافا لهما في غير عبده ومكاتبه ( ولا بد ) لعدم الجواز ( من اتحاد جنس الثمن ) وكون المبيع بحاله ( فإن اختلف ) جنس الثمن أو تعيب المبيع ( جاز مطلقا ) [ ص: 75 ] كما لو شراه بأزيد أو بعد النقد .

التالي السابق


( قوله وفسد شراء ما باع إلخ ) أي لو باع شيئا وقبضه المشتري ولم يقبض البائع الثمن فاشتراه بأقل من الثمن الأول لا يجوز زيلعي : أي سواء كان الثمن الأول حالا أو مؤجلا هداية ، وقيد بقوله وقبضه ; لأن بيع المنقول قبل قبضه لا يجوز ولو من بائعه كما سيأتي في بابه ، والمقصود بيان الفساد بالشراء بالأقل من الثمن الأول قال في البحر [ ص: 74 ] وشمل شراء الكل أو البعض ( قوله بنفسه أو بوكيله ) تنازع فيه كل من شراء وباع . قال في البحر : وأطلق فيما باع فشمل ما باعه بنفسه أو وكيله وما باعه أصالة أو وكالة كما شمل الشراء لنفسه أو لغيره إذا كان هو البائع ا هـ . فأفاد أنه لو باع شيئا أصالة بنفسه أو وكيله أو وكالة عن غيره ليس له شراؤه بالأقل لا لنفسه ولا لغيره ; لأن بيع وكيله بإذنه كبيعه بنفسه .

والوكيل بالبيع أصيل في حق الحقوق ، فلا يصح شراؤه لنفسه ; لأنه شراء البائع من وجه ولا لغيره ; لأن الشراء واقع له من حيث الحقوق فكان هذا شراء ما باع لنفسه من وجه ، كذا يفاد من الزيلعي أيضا ( قوله من الذي اشتراه ) متعلق بشراء ، وخرج به ما لو باعه المشتري لرجل أو وهبه له أو أوصى له به ثم اشتراه البائع الأول من ذلك الرجل فإنه يجوز ; لأن اختلاف سبب الملك كاختلاف العين زيلعي ، ولو خرج عن ملك المشتري ثم عاد إليه بحكم ملك جديد كإقالة أو شراء أو هبة أو إرث فشراء البائع منه بالأقل جائز لا إن عاد إليه بما هو فسخ بخيار رؤية أو شرط قبل القبض أو بعده بحر عن السراج ( قوله ولو حكما ) تعميم لقوله من الذي اشتراه ( قوله كوارثه ) أي وارث المشتري : أي فلو اشترى من وارث مشتريه بأقل مما اشترى به المورث لم يجز لقيام الوارث مقام المورث بخلاف ما إذا اشترى وارث البائع بأقل مما باع به مورثه فإنه يجوز إن كان ممن تجوز شهادته له ، والفرق أن وارث البائع إنما يقوم مقامه فيما يورث .

وهذا مما لا يورث ، ووارث المشتري قام مقامه في ملك العين أفاده في البحر ( قوله بالأقل من قدر الثمن الأول ) وكالقدر الوصف ، كما لو باع بألف سنة فاشتراه به إلى سنتين بحر ( قوله قبل نقد كل الثمن الأول ) قيد به ; لأن بعده لا فساد ، ولا يجوز قبل النقد ، وإن بقي درهم . وفي القنية : لو قبض نصف الثمن ثم اشترى النصف بأقل من نصف الثمن لم يجز بحر قلت : وبه يظهر أن إدخال الشارح لفظة كل لا محل له ; لأنه يفهم أن قبل نقد البعض لا يفسد وهو خلاف الواقع . والحاصل أن نقد كل الثمن شرط لصحة الشراء لا لفساده ; لأنه يفسد قبل نقد الكل أو البعض . فتأمل .

( قوله وإن رخص السعر ) ; لأن تغير السعر غير معتبر في حق الأحكام كما في حق الغاصب وغيره فعاد إليه المبيع كما خرج عن ملكه فيظهر الربح زيلعي ( قوله للربا ) علة لقوله لم يجز : أي لأن الثمن لم يدخل في ضمان البائع قبل قبضه ، فإذا عاد إليه عين ماله بالصفة التي خرج عن ملكه وصار بعض الثمن قصاصا ببعض بقي له عليه فضلا بلا عوض فكان ذلك ربح ما لم يضمن وهو حرام بالنص زيلعي ( قوله كابنه وأبيه ) وكعبده ومكاتبه ; لأن شراء هؤلاء كشراء البائع بنفسه لاتصال منافع المال بينهم ، وهو نظير الوكيل في البيع إذا عقد مع هؤلاء زيلعي : أي نظير ما لو باع الوكيل من ابنه ونحوه . ثم لا يخفى أن المراد شراء هؤلاء بالأقل لأنفسهم ، أما لو اشتروا بالوكالة عن البائع لا يجوز ، ولو كانوا أجانب عنه كما مر في قول المصنف أو بوكيله ( قوله في غير عبده ومكاتبه ) فشراؤهما متفق على جوازه .

قال الزيلعي ; لأن كسب العبد لسيده ، وله في كسب مكاتبه حق الملك فكان تصرفه كتصرفه ( قوله جاز مطلقا ) أي سواء كان الثمن الثاني أقل من الأول أو لا ; لأن الربح لا يظهر عند اختلاف الجنس . ا هـ منح ; ولأن المبيع لو انتقص يكون النقصان من الثمن في مقابلة ما نقص من العين سواء كان النقصان [ ص: 75 ] من الثمن بقدر ما نقص منها أو بأكثر منه بحر عن الفتح ( قوله كما لو شراه إلخ ) تشبيه في الجواز مع قطع النظر عن قوله مطلقا ( قوله بأزيد أو بعد النقد ) ومثل الأزيد المساوي كما في الزيلعي ، وهذا قول المصنف بالأقل قبل نقد الثمن .




الخدمات العلمية