الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 179 ] ( وجيد مال الربا ) لا حقوق العبد ( ورديئه سواء ) إلا في أربع مال وقف ويتيم ومريض وفي القلب الرهن إذا انكسر أشباه

( باع فلوسا بمثلها أو بدراهم أو بدنانير فإن نقد أحدهما جاز ) وإن تفرقا بلا قبض أحدهما لم يجز لما مر ( كما جاز بيع لحم بحيوان ولو من جنسه ) لأنه بيع الموزون بما ليس بموزون [ ص: 180 ] فيجوز كيفما كان بشرط التعيين أما نسيئة فلا وشرط محمد زيادة المجانس ولو باع مذبوحة بحية أو بمذبوحة جاز اتفاقا وكذا المسلوختين إن تساويا وزنا ابن مالك وأراد بالمسلوخة المفصولة عن السقط ككرش وأمعاء بحر .

التالي السابق


( قوله وجيد مال الربا ورديئه سواء ) أي فلا يجوز بيع الجيد بالرديء مما فيه الربا إلا مثلا بمثل لإهدار التفاوت في الوصف هداية ( قوله لا حقوق العباد ) عطف على مال الربا قال في المنح : قيد بمال الربا ، لأن الجودة معتبرة في حقوق العباد ، فإذا أتلف جيدا لزمه مثله قدرا وجودة إن كان مثليا ، وقيمته إن كان قيميا ، ولكن لا تستحق أي الجودة بإطلاق عقد البيع ، حتى لو اشترى حنطة أو شيئا فوجده رديئا بلا عيب لا يرده كما في البحر معزيا إلى صرف المحيط ا هـ ح : أي لأن العيب هو العارض على أصل الخلقة والجودة أو الرداءة في الشيء أصل في خلقته بخلاف العيب العارض كالسوس في الحنطة أو عفنها فله الرد به لا بالرداءة إلا باشتراط الجودة كما قدمنا بيانه في خيار العيب .

[ تنبيه ] أراد بحقوق العباد ما ليس من الأموال الربوية : أي ما لا يجمعها قدر وجنس ولا يتقيد ذلك بالإتلاف ولذا قال البيري قيد بالأموال الربوية لأن الجودة في غيرها لها قيمة عند المقابلة بجنسها كمن اشترى ثوبا جيدا بثوب رديء وزيادة درهم بإزاء الجودة كان ذلك جائزا كما في الذخيرة ا هـ ( قوله إلا في أربع إلخ ) فيه أن هذه الأربعة من حقوق العباد أيضا ، وإن كان المراد من حقوق العباد خصوص الضمان عند التعدي فالمناسب أن يذكره مع الأربع ويقول : إلا في خمس ثم إن الأولى ذكرها في البحر بحثا فإنه قال : وتعتبر أي الجودة في الأموال الربوية في مال اليتيم فلا يجوز للوصي بيع قفيز حنطة جيدة بقفيز رديء وينبغي أن تعتبر في مال الوقف ، لأنه كاليتيم ثم قال : وفي حق المريض حتى تنفذ من الثلث ، وفي الرهن القلب إذا انكسر عند المرتهن ، ونقصت قيمته فإن المرتهن يضمن قيمته ذهبا ويكون رهنا عنده ا هـ .

قلت : والقلب بضم القاف وسكون اللام ما يلبس في الذراع من فضة جمعه قلبة كقرط وقرطة : وهي الحلق في الأذن فإن كان من ذهب فهو السوار كما في البيري عن شرح التلخيص للخلاطي وقوله : فإن المرتهن يضمن قيمته ذهبا أفاد به أن ضمان القيمة إنما يكون من خلاف جنسه إذ لو ضمن فضة : وهي أكثر من وزنه بسبب الصياغة يلزم الربا ولو ضمن مثل وزنه يلزم إبطال حق المالك ، ففي تضمينه القيمة من خلاف الجنس إعمال لحق الشرع ، وحق العبد وليس هذا خاصا بقلب الرهن ، بل مثله كل مثلي تعيب بغصب أو نحوه ، فإنه يضمن بقيمته من خلاف جنسه كما قدمناه في باب خيار الشرط فيما لو كان الخيار للمشتري ، وهلك في يده ، ولا يلزم قبض القيمة قبل التفرق ، لأنه صرف حكما لا حقيقة كما سنذكره في الصرف .

وبما قررناه علم أن استثناء هذه المسائل من إهدار الجودة بإثبات اعتبارها إنما هو لمراعاة حق العبد ، لكن على وجه لا يؤدي إلى إبطال حق الشرع ، فما قيل إنه يفهم من استثنائها أنه يجوز للوصي بيع قفيز جيد بقفيزين رديئين نظرا للجودة المعتبرة في مال اليتيم ونحوه من بقية المسائل ، وهو خطأ للزوم الربا غير وارد ، لأن المراد أنه لا يجوز إهدار الجودة في مال اليتيم ونحوه ، حتى لا يجوز للوصي بيع قفيزه الجيد بقفيز رديء ولا يلزم من اعتبار أحد الحقين إهدار الحق الآخر فاغتنم تحقيق هذا المحل ( قوله فإن نقد أحدهما جاز إلخ ) نقل المسألة في البحر عن المحيط لكنه وقع فيه تحريف حيث قال : وإن تفرقا بلا قبض أحدهما جاز وصوابه لم يجز كما عبر الشارح ، ونبه عليه الرملي ثم إنه نقل في البحر قبله عن الذخيرة

[ ص: 180 ] في مسألة بيع فلس بفلسين بأعيانهما أن محمدا ذكرها في صرف الأصل ، ولم يشترط التقابض ، وذكر في الجامع الصغير ما يدل على أنه شرط فمنهم من لم يصحح الثاني ، لأن التقابض مع التعيين شرط في الصرف ، وليس به ومنهم من صححه ، لأن الفلوس لها حكم العروض من وجه ، وحكم الثمن من وجه فجاز التفاضل للأول واشترط التقابض للثاني ا هـ وأنت خبير بأن لفظ التقابض يفيد اشتراطه من الجانبين فقوله : فإن نقد أحدهما جاز قول ثالث لكن يتعين حمل ما في الأصل على هذا فلا يكون قولا آخر ، لأن ما في الأصل لا يمكن حمله ، على أنه لا يشترط التقابض ، ولو من أحد الجانبين ، لأنه يكون افتراقا عن دين بدين وهو غير صحيح . فيتعين حمله على أنه لا يشترط منهما جميعا بل من أحدهما فقط .

فصار الحاصل أن ما في الأصل يفيد اشتراطه من أحد الجانبين ، وما في الجامع اشتراطه منهما ، ثم إن الذي مر اشتراط التعيين في البدلين أو أحدهما مع القبض في المجلس فلو غير معينين لم يصح وإن قبضا في المجلس فقوله لما مر فيه نظر .

[ تنبيه ] سئل الحانوتي عن بيع الذهب بالفلوس نسيئة . فأجاب : بأنه يجوز إذا قبض أحد البدلين لما في البزازية لو اشترى مائة فلس بدرهم يكفي التقابض من أحد الجانبين قال : ومثله ما لو باع فضة أو ذهبا بفلوس كما في البحر عن المحيط قال : فلا يغتر بما في فتاوى قارئ الهداية من أنه لا يجوز بيع الفلوس إلى أجل بذهب أو فضة لقولهم لا يجوز إسلام موزون في موزون وإلا إذا كان المسلم فيه مبيعا كزعفران والفلوس غير مبيعة بل صارت أثمانا ا هـ .

قلت : والجواب حمل ما في فتاوى قارئ الهداية ، على ما دل عليه كلام الجامع من اشتراط التقابض من الجانبين فلا يعترض عليه بما في البزازية المحمول على ما في الأصل ، وهذا أحسن مما أجاب به في صرف النهر من أن مراده بالبيع السلم والفلوس لها شبه بالثمن ، ولا يصح السلم في الأثمان ومن حيث إنها عروض في الأصل اكتفي بالقبض من أحد الجانبين تأمل ( قوله فيجوز كيفما كان ) أي سواء كان اللحم من جنس ذلك الحيوان أو لا مساويا لما في الحيوان أو لا نهر ( قوله أما نسيئة فلا ) لأنها إن كانت في الحيوان أو في اللحم كان سلما ، وهو في كل منهما غير صحيح نهر ( قوله وشرط محمد زيادة المجانس ) قال في النهر : وقال محمد إن كان بغير جنسه كلحم البقر بالشاة الحية جاز كيفما كان ، وإن كان بجنسه كلحم شاة بشاة حية فلا بد أن يكون اللحم المفرز أكثر من الذي في الشاة لتكون الشاة بمقابلة مثله من اللحم وباقي اللحم بمقابلة السقط ( قوله ولو باع مذبوحة بحية ) قال في النهر : أما على قولهما فظاهر ، وأما على قول محمد فلأنه لحم بلحم وزيادة اللحم في أحدهما مع سقطها بإزاء السقط ا هـ والظاهر أنه يقال ذلك في المذبوحة بالمذبوحة ط ( قوله وكذا المسلوختين ) أي وكذا بيع المسلوختين ففيه حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه على إعرابه ( قوله عن السقط ) بفتحتين قال في الفتح المراد به ما لا يطلق عليه اسم اللحم كالكرش والمعلاق والجلد والأكارع ا هـ .




الخدمات العلمية