الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا ربا بين سيد وعبده ) ولو مدبرا لا مكاتبا ( إذا لم يكن دينه مستغرقا لرقبته وكسبه ) فلو مستغرقا يتحقق الربا اتفاقا ابن مالك وغيره لكن في البحر عن المعراج التحقيق الإطلاق وإنما يرد الزائد لا للربا بل لتعلق حق الغرماء ( ولا ) ربا ( بين متفاوضين وشريكي عنان إذا تبايعا من مالها ) أي مال الشركة زيلعي

[ ص: 186 ] ولا بين حربي ومسلم ) مستأمن ولو بعقد فاسد أو قمار ( ثمة ) لأن ماله ثمة مباح فيحل برضاه مطلقا بلا غدر خلافا للثاني والثلاثة .

التالي السابق


( قوله ولا ربا بين السيد وعبده ) لأنه وما في يده لمولاه فلا يتحقق الربا لعدم تحقق البيع فتح ( قوله ولو مدبرا ) دخل أم الولد كما في الفتح ( قوله لا مكاتبا ) لأنه صار كالحر يدا وتصرفا في كسبه نهر ( قوله إذا لم يكن دينه مستغرقا ) وكذا إذا لم يكن عليه دين أصلا بالأولى فافهم ( قوله يتحقق الربا اتفاقا ) أما عند الإمام فلعدم ملكه لما في يد عبده المأذون المديون ، وأما عندهما فلأنه إن لم يزل ملكه عما في يده ، لكن تعلق بما في يده حق الغرماء فصار المولى كالأجنبي ، فيتحقق الربا بينهما كما يتحقق بينه وبين مكاتبه فتح ( قوله التحقيق الإطلاق ) أي عن الشرط المذكور كما فعل في الكنز تبعا للمبسوط ، وقد تبع المصنف الهداية ( قوله لا للربا بل لتعلق حق الغرماء ) لأنه أخذه بغير عوض ولو أعطاه العبد درهما بدرهمين لا يجب عليه الرد أي على المولى كما في صرف المحيط نهر .

( قوله إذا تبايعا من مال الشركة ) الظاهر أن المراد إذا كان كل من البدلين من مال الشركة ما لو اشترى أحدهما درهمين من مال الشركة بدرهم من ماله مثلا فقد حصل للمشتري زيادة وهي حصة شريكه من الدرهم

[ ص: 186 ] الزائد بلا عوض وهو عين الربا تأمل ( قوله ولا بين حربي ومسلم مستأمن ) احترز بالحربي عن المسلم الأصلي والذمي ، وكذا عن المسلم الحربي إذا هاجر إلينا ثم عاد إليهم ، فإنه ليس للمسلم أن يرابي معه اتفاقا كما يذكره الشارح ، ووقع في البحر هنا غلط حيث قال : وفي المجتبى مستأمن منا باشر مع رجل مسلما كان أو ذميا في دراهم أو من أسلم هناك شيئا من العقود التي لا تجوز فيما بيننا كالربويات وبيع الميتة جاز عندهما خلافا لأبي يوسف ا هـ فإن مدلوله جواز الربا بين مسلم أصلي مع مثله أو مع ذمي هنا ، وهو غير صحيح لما علمته من مسألة المسلم الحربي ، والذي رأيته في المجتبى هكذا مستأمن من أهل دارنا مسلما كان أو ذميا في دارهم أو من أسلم هناك باشر معهم من العقود التي لا تجوز إلخ وهي عبارة صحيحة فما في البحر تحريف فتنبه ( قوله ومسلم مستأمن ) مثله الأسير لكن له أخذ مالهم ولو بلا رضاهم كما مر في الجهاد .

( قوله ولو بعقد فاسد ) أي ولو كان الربا بسبب عقد فاسد من غير الأموال الربوية كبيع بشرط كما حققناه فيما مر ، وأعم منه عبارة المجتبى المذكورة وكذا قول الزيلعي ، وكذا إذا تبايعا فيها بيعا فاسدا ( قوله ثمة ) أي في دار الحرب قيد به لأنه لو دخل دارنا بأمان فباع منه مسلم درهما بدرهمين لا يجوز اتفاقا ط عن مسكين ( قوله لأن ماله ثمة مباح ) قال في فتح القدير : لا يخفى أن هذا التعليل إنما يقتضي حل مباشرة العقد إذا كانت الزيادة ينالها المسلم ، والربا أعم من ذلك إذ يشمل ما إذا كان الدرهمان أي في بيع درهم بدرهمين من جهة المسلم ومن جهة الكافر . وجواب المسألة بالحل عام في الوجهين وكذا القمار قد يفضي إلى أن يكون مال الخطر للكافر بأن يكون الغلب له ، فالظاهر أن الإباحة بقيد نيل المسلم الزيادة ، وقد ألزم الأصحاب في الدرس أن مرادهم في حل الربا والقمار ما إذا حصلت الزيادة للمسلم نظرا إلى العلة وإن كان إطلاق الجواب خلافه والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب ا هـ .

قلت : ويدل على ذلك ما في السير الكبير وشرحه حيث قال : وإذا دخل المسلم دار الحرب بأمان ، فلا بأس بأن يأخذ منهم أموالهم بطيب أنفسهم بأي وجه كان لأنه إنما أخذ المباح على وجه عرى عن الغدر فيكون ذلك طيبا له والأسير والمستأمن سواء حتى لو باعهم درهما بدرهمين أو باعهم ميتة بدراهم أو أخذ مالا منهم بطريق القمار فذلك كله طيب له أ هـ ملخصا .

فانظر كيف جعل موضوع المسألة الأخذ من أموالهم برضاهم ، فعلم أن المراد من الربا والقمار في كلامهم ما كان على هذا الوجه وإن كان اللفظ عاما لأن الحكم يدور مع علته غالبا ( قوله مطلقا ) أي ولو بعقد فاسد ط ( قوله بلا غدر ) لأنه لما دخل دارهم بأمان ، فقد التزم أن لا يغدرهم وهذا القيد لزيادة الإيضاح ، لأن ما أخذه برضاهم لا غدر فيه ( قوله خلافا للثاني ) أي أبي يوسف وخلافه في المستأمن دون الأسير ( قوله والثلاثة ) أي الأئمة الثلاثة .




الخدمات العلمية