الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وسببها ) أي سبب وجوبها ( ما لا يحل ) فعله فرضا كان أو غيره كالصلاة ومس المصحف ( إلا بها ) أي بالطهارة . صاحب البحر قال بعد سرد الأقوال ونقل كلام الكمال : الظاهر أن السبب هو الإرادة في الفرض والنفل ، لكن بترك إرادة النفل يسقط الوجوب [ ص: 85 ] ذكره الزيلعي في الظهار . وقال العلامة قاسم في نكته : الصحيح أن سبب وجوب الطهارة وجوب الصلاة أو إرادة ما لا يحل إلا بها ( وقيل ) سببها ( الحدث ) في الحكمية ، وهو وصف شرعي يحل في الأعضاء يزيل الطهارة . ما قيل إنه مانعية شرعية قائمة بالأعضاء إلى غاية استعمال المزيل فتعريف بالحكم ( والخبث ) في الحقيقة وهو عين مستقذرة شرعا ، وقيل سببها القيام إلى الصلاة ، ونسبا إلى أهل الظاهر [ ص: 86 ] وفسادهما ظاهر .

واعلم أن أثر الخلاف إنما يظهر في نحو التعاليق ، نحو : إن وجب عليك طهارة فأنت طالق دون الإثم للإجماع على عدمه بالتأخير عن الحدث ، ذكره في التوشيح ، وبه اندفع ما في السراج من إثبات الثمرة من جهة الإثم ، بل وجوبها موسع بدخول الوقت كالصلاة ، فإذا ضاق الوقت صار الوجوب فيهما مضيقا .

التالي السابق


( قوله : أي سبب وجوبها ) قدر المضاف لظهور أن الصلاة مثلا ليست سببا لوجود الطهارة . ا هـ . ح .

( قوله : ما لا يحل ) أي إرادة ما لا يحل ، وقوله فرضا كان تعميم لقوله فعله وقوله كالصلاة فيه القسمان الفرض وغيرها ، قوله ومس المصحف قاصر على غير الفرض ط .

( قوله : صاحب البحر قال إلخ ) ذكره عقب كلام المصنف يفيد أن كلام المصنف على تقدير مضاف هو الإرادة كما قدمناه ، إذ لا يمكن تقدير الوجوب . وقد يقال لا تقدير أصلا ، وأن مراده أن ذات ما لا يحل إلا بها سبب الوجوب ، فقد ذكر الأتقاني في غاية البيان وغيره أن السبب عندنا الصلاة بدليل الإضافة إليها ، وهو دليل السببية ا هـ ونقله في شرح التحرير عن شمس الأئمة السرخسي وفخر الإسلام وغيرهما ، لكن كلام المصنف أشمل لشموله الصلاة وغيرها تأمل .

( قوله : الأقوال ) أي الأربعة الآتية .

( قوله : هو الإرادة ) أقول : هو ما عليه جمهور الأصوليين . وأورد عليه أن مقتضاه أنه إذا أراد الصلاة ولم يتوضأ أثم ولو لم يصل ولم يقل به أحد ، وأجاب عنه في البحر بجوابين : أحدهما ما يأتي عن الزيلعي ، والثاني أن السبب هو الإرادة المستلحقة للشروع . ا هـ . [ ص: 85 ] أقول : يرد عليه أن سبب الشيء متقدم عليه فيلزم أن لا تجب الطهارة قبل الشروع ; لأن الإرادة المستلحقة له مقارنة له مع أنه لا بد من تقدمها عليه لكونها شرط الصحة تأمل .

( قوله : ذكره الزيلعي ) أي هذا الاستدراك حيث قال إنه إن أراد الصلاة وجبت عليه الطهارة ، فإذا رجع وترك التنفل سقطت الطهارة ; لأن وجوبها لأجلها ط .

( قوله : في الظهار ) أي في شرح قوله وعوده : وعزمه على ترك وطئها . ا هـ . ح .

( قوله : وقال العلامة إلخ ) هذا أظهر ; لأن ما ذكره في البحر يقتضي أن لا يأثم على الوضوء إذا خرج الوقت ، ولم يرد الصلاة الوقتية فيه بل على تفويت الصلاة فقط ، وأنه إذا أراد صلاة الظهر مثلا قبل دخول وقتها أن يجب عليه الوضوء قبل الوقت وكلاهما باطل . ا هـ . ح .

أقول : فيه أن صلاة الظهر قبل وقتها تنعقد نافلة فتجب الطهارة بإرادتها تأمل .

( قوله : الصحيح إلخ ) مشى عليه المحقق في فتح القدير ، واستوجبه في التحرير ، وصححه أيضا العلامة الكاكي ، لكنه لا يشمل غير الصلاة الواجبة فلذا زاد عليه هنا قوله أو إرادة إلخ ، وما مر عن الزيلعي ملاحظ هنا أيضا .

( قوله : وجوب الصلاة ) أي لا وجودها ; لأن وجودها مشروط بها فكان متأخرا عنها ، والمتأخر لا يكون سببا للمتقدم . ا هـ . عناية . وظاهره أنه بدخول الوقت تجب الطهارة لكنه وجوب موسع كوجوب الصلاة ، فإذا ضاق الوقت صار الوجوب فيهما مضيقا بحر .

( قوله : وقيل سببها الحدث ) أي لدورانها معه وجودا وعدما ودفع بمنع كون الدوران دليلا ، ولئن سلم فالدوران هنا مفقود ; لأنه قد يوجد الحدث ولا يوجد وجوب الطهارة كما قبل دخول الوقت وفي حق غير البالغ ، وتمامه في البحر لكن سيأتي ما يؤيده .

( قوله : وما قيل ) القائل صاحب البحر في باب الحدث في الصلاة تبعا لصاحب الفتح كما نقله عنه صاحب النهر هناك ، ثم قال : وهو تعريف بالحكم كما ذكره الشارح . قال بعض الفضلاء : في كون هذا التعريف تعريفا بالحكم نظر إذ حكم الشيء ما كان أثرا له خارجا عنه مترتبا عليه ، والمانعية المذكورة ليست كذلك ، وإنما حكم الحدث عدم صحة الصلاة معه وحرمة مس المصحف ونحو ذلك كما هو ظاهر ، فالتعريف بالحكم كأن يقال مثلا الحدث هو ما لا تصح الصلاة معه ونحو ذلك فتأمل ا هـ هكذا في حاشية الشيخ خليل الفتال .

( قوله : شرعية ) أي اعتبرها الشرع مانعا ط .

( قوله : إلى غاية استعمال ) الإضافة للبيان والسين والتاء زائدتان ط .

( قوله : فتعريف بالحكم ) علمت ما فيه على أنه مستعمل عند الفقهاء ; لأن الأحكام محل مواقع أنظارهم .

( قوله : وقيل سببها القيام إلى الصلاة ) ذكر في البحر أنه صححه في الخلاصة قال : وصرح في غاية البيان بفساده لصحة الاكتفاء بوضوء واحد لصلوات ما دام متطهرا . وقد يدفع بأنها سبب بشرط الحدث فلا يلزم ما ذكر خصوصا أنه ظاهر الآية . ا هـ .

أقول : هذا الدفع ظاهر ، وإلا ورد الفساد المذكور على القولين الأولين في كلام الشارح .

( قوله : ونسبا ) أي القول بسببية الحدث والخبث والقول بسببية القيام . ا هـ . ح .

( قوله : إلى أهل الظاهر ) هم الآخذون بظواهر النصوص من أصحاب الإمام الجليل أبي سليمان داود الظاهري .

واعترض بأن المنسوب إليهم هو الثاني من القولين ، أما الأول منهما فنسبه الأصوليون إلى أهل الطرد وهم [ ص: 86 ] المستدلون على علة الحكم بالطرد والعكس ويسمى الدوران كالإمام الرازي وأتباعه . وخالفهم فيه الحنفية ومحققو الأشاعرة .

( قوله : وفسادهما ظاهر ) لما علمته مما يرد عليهما ، لكن علمت الجواب عما يرد على الثاني ، فكان عليه إفراد الضمير في الموضعين .

( قوله : أن أثر الخلاف ) أي فائدة الاختلاف في السبب .

( قوله : في نحو التعاليق ) أي في التعاليق ونحوها كصدق الإخبار بوجوب الطهارة وكذبه أفاده ط ، وفيما إذا استشهدت الحائض قبل انقطاع الدم فقد صحح في الهداية أنها تغسل ، فكان تصحيحا لكون السبب الحدث أعني الحيض أفاده في البحر ، أي لأن الغسل وجب عليها بالحيض لوجود شرطه وهو انقطاع الدم بالموت ، وهذا مؤيد لقول أهل الطرد .

( قوله : فأنت طالق ) أي فتطلق بإرادة الصلاة على الأول ، وبوجوبها على الثاني ، وبالحدث أو الخبث على الثالث ، وبالقيام إلى الصلاة على الرابع .

( قوله : بالتأخير عن الحدث ) أي أو الخبث ، أو عن إرادة الصلاة ، أو القيام إليها ط .

( قوله : ذكره في التوشيح ) هو شرح الهداية للعلامة سراج الدين الهندي . قال في غسل البحر : وقد نقل الشيخ سراج الدين الهندي الإجماع على أنه لا يجب الوضوء على المحدث والغسل على الجنب والحائض والنفساء قبل وجوب الصلاة ، أو إرادة ما لا يحل إلا به . ا هـ .

أقول : الظاهر أن المراد بالوجوب وجوب الأداء لثبوت الاختلاف في سبب الطهارة ، ويلزم منه ثبوت الاختلاف في وقت الوجوب كما لا يخفى . ثم رأيت في النهر وفق بذلك بين كلام الهندي وما قدمناه آنفا عن الهداية .

( قوله : وبه اندفع ما في السراج إلخ ) هو شرح مختصر القدوري للحدادي صاحب الجوهرة ، وذلك حيث ذكر أن وجوب الغسل من الحيض والنفاس بالانقطاع عند الكرخي وعامة العراقيين ، وبوجوب الصلاة عند البخاريين وهو المختار ; ثم قال : وفائدة الخلاف فيما إذا انقطع الدم بعد طلوع الشمس وأخرت الغسل إلى وقت الظهر فتأثم على الأول لا على الثاني ، وعلى هذا الخلاف وجوب الوضوء فعند العراقيين يجب الوضوء للحدث ، وعند البخاريين للصلاة ا هـ .

( قوله : بل وجوبها ) أي الطهارة .

( قوله : بدخول ) خبر بعد خبر ، لقوله وجوبها لا متعلق بقوله موسع .

وكون وجوبها بدخول الوقت يؤيد ما قدمه عن العلامة قاسم من أن سبب وجوبها وجوب الصلاة إذ وجوب الصلاة أيضا بدخول الوقت ا هـ ح .

( قوله : فيهما ) أي في الطهارة والصلاة .




الخدمات العلمية