الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ويصح في سمك مليح ) ومالح لغة رديئة ( و ) في طري ( حين يوجد وزنا وضربا ) أي نوعا قيد لهما ( لا عددا ) للتفاوت ( ولو صغارا جاز وزنا وكيلا ) وفي الكبار روايتان مجتبى ( لا في حيوان ما ) خلافا للشافعي ( وأطرافه ) كرءوس وأكارع خلافا لمالك وجاز وزنا في رواية ( و ) لا في ( حطب ) [ ص: 212 ] بالحزم ورطبة بالجرز إلا إذا ضبط بما لا يؤدي إلى نزاع وجاز وزنا فتح ( وجوهر وخرز إلا صغار لؤلؤ تباع وزنا ) لأنه إنما يعلم به ( ومنقطع ) لا يوجد في الأسواق من وقت العقد إلى وقت الاستحقاق ولو انقطع في إقليم دون آخر لم يجز في المنقطع ولو انقطع بعد الاستحقاق خير رب السلم بين انتظار وجوده والفسخ وأخذ رأس ماله ( ولحم ولو منزوع عظم ) وجوزاه إذا بين وصفه وموضعه لأنه موزون معلوم وبه قالت الأئمة الثلاثة وعليه الفتوى بحر وشرح مجمع لكن في القهستاني أنه يصح في المنزوع بلا خلاف إنما الخلاف في غير المنزوع فتنبه لكن صرح غيره بالروايتين فتدبر ولو حكم بجوازه صح اتفاقا بزازية [ ص: 213 ] وفي العيني أنه قيمي عنده مثلي عندهما ( و ) لا ( بمكيال وذراع ومجهول ) قيد فيهما وجوزه الثاني في الماء قربا للتعامل فتح ( وبر قرية ) بعينها ( وثمر نخلة معينة إلا إذا كانت النسبة لثمرة ) أو نخلة أو قرية ( لبيان الصفة ) لا لتعيين الخارج كقمح مرجي أو بلدي بديارنا [ ص: 214 ] فالمانع والمقتضى العرف فتح ( و ) لا ( في حنطة حديثة قبل حدوثها ) لأنها منقطعة في الحال وكونها موجودة وقت العقد إلى وقت المحل شرط فتح . وفي الجوهرة : أسلم في حنطة جديدة أو في ذرة حديثة لم يجز لأنه لا يدري أيكون في تلك السنة شيء أم لا . قلت : وعليه فما يكتب في وثيقة السلم من قوله جديد عامه مفسد له أي قبل وجود الجديد أما بعده فيصح كما لا يخفى

التالي السابق


( قوله ويصح في سمك مليح ) في المغرب سمك مليح ومملوح وهو القديد الذي فيه الملح ( قوله ومالح لغة رديئة ) كذا في المصباح ، وذكر أن قولهم ماء مالح لغة حجازية واستشهد لها وأطال . ( قوله وفي طري حين يوجد ) فإن كان ينقطع في بعض السنة كما قيل إنه ينقطع في الشتاء في بعض البلاد : أي لانجماد الماء فلا ينعقد في الشتاء ولو أسلم في الصيف وجب أن يكون الأجل لا يبلغ الشتاء هذا معنى قول محمد لا خير في السمك الطري إلا في حينه يعني أن يكون السلم مع شروطه مع حينه كي لا ينقطع بعد العقد والحلول ، وإن كان في بلد لا ينقطع جاز مطلقا وزنا لا عددا لما ذكرنا من التفاوت في آحاده فتح أما المليح فإنه يدخر ويباع في الأسواق فلا ينقطع ، حتى لو كان ينقطع في بعض الأحيان لا يجوز فيه كما أفاده ط ولا يخفى أن هذا في بلاد يوجد فيها ، أما في مثل بلادنا فلا يصح لأنه لا يباع في الأسواق إلا نادرا ( قوله جاز وزنا وكيلا ) أي بعد بيان النوع لقطع المنازعة ط .

( قوله وفي الكبار ) أي وزنا ولا يجوز كيلا رواية واحدة أفاده أبو السعود ط ( قوله روايتان ) والمختار الجواز ، وهو قولهما لأن السمن والهزال غير معتبر فيه عادة ، وقيل الخلاف في لحم الكبار منه كذا في الاختيار وفي الفتح وعن أبي حنيفة في الكبار التي تقطع كما يقطع اللحم لا يجوز السلم في لحمها اعتبارا بالسلم في اللحم ا هـ ( قوله لا في حيوان ما ) أي دابة كان أو رقيقا ويدخل فيه جميع أجناسه ، حتى الحمام والقمري والعصافير هو المنصوص عن محمد ، إلا أنه يخص من عمومه السمك نهر قال في البحر : لكن في الفتح إن شرطت حياته أي السمك فلنا أن نمنع صحته ا هـ وأقره في النهر والمنح ( قوله خلافا للشافعي ) ومعه مالك وأحمد وأطال في الفتح في ترجيح أدلة المذهب المنقولة والمعقولة ثم ضعف المعقولة وحط كلامه على أن المعتبر النهي الوارد في السنة كما قاله محمد أي فهو تعبدي ( قوله وأكارع ) جمع كراع وهو ما دون الركبة في الدواب فتح ( قوله وجاز وزنا في رواية ) في السراج لو أسلم فيه وزنا اختلفوا فيه نهر . واختار هذه الرواية في الفتح حيث قال : وعندي لا بأس بالسلم في الرءوس والأكارع وزنا بعد ذكر النوع ، وباقي [ ص: 212 ] الشروط فإنها من جنس واحد وحينئذ لا تتفاوت تفاوتا فاحشا ا هـ وأقره في النهر ( قوله بالحزم ) بضم الحاء وفتح الزاي جمع حزمة في القاموس حزمه يحزمه شده ، والحزمة بالضم ما حزم ( قوله ورطبة ) هي القضبة خاصة قبل أن تجف والجمع رطاب مثل كلبة وكلاب والرطب وزان قفل المرعى الأخضر من بقول الربيع ، وبعضهم يقول الرطبة وزان غرفة الخلا وهو الغض من الكلأ مصباح .

( قوله بالجرز ) جمع جرزة مثل غرفة وغرف ، وهي القبضة من القت ونحوه أو الحزمة مصباح وفيه والقت القضبة إذا يبست ( قوله إلا إذا ضبط إلخ ) بأن بين الحبل الذي يشد به الحطب والرطبة وبين طوله وضبط ذلك بحيث لا يؤدي إلى النزاع زيلعي ( قوله وجاز وزنا ) أي في الكل فتح قال وفي ديارنا تعارفوا في نوع من الحطب الوزن ، فيجوز الإسلام فيه وزنا وهو أضبط وأطيب ( قوله وجوهر ) كالياقوت والبلخش والفيروزج نهر ( قوله وخرز ) بالتحريك الذي ينظم وخرازات الملك جواهر تاجه ، وكان إذا ملك عاما زيدت في تاجه خرزة ليعلم عدد سني ملكه قاله الجوهري وذلك كالعقيق والبلور لتفاوت آحادها تفاوتا فاحشا ، وكذلك لا يجوز في اللآلئ الكبار نهر ( قوله من وقت العقد إلى وقت الاستحقاق ) دوام الانقطاع ليس شرطا ، حتى لو كان منقطعا موجودا عند المحل أو بالعكس أو منقطعا فيما بين ذلك لا يجوز ، وحد الانقطاع أن لا يوجد في الأسواق وإن كان في البيوت كذا في التبيين شرنبلالية . ومثله في الفتح والبحر والنهر . وعبارة الهداية ولا يجوز السلم حتى يكون المسلم فيه موجودا من حين العقد إلى حين المحل وسيذكره الشارح فما أوهمه كلامه هنا كالدرر غير مراد ( قوله لم يجز في المنقطع ) أي المنقطع فيه ، لأنه لا يمكن إحضاره إلا بمشقة عظيمة فيعجز عن التسليم بحر ( قوله بعد الاستحقاق ) أي قبل أن يوفي المسلم فيه بحر ( قوله ولحم ) في الهداية ولا خير في السلم في اللحم ، قال في الفتح : وهذه العبارة تأكيد في نفي الجواز وتمامه فيه ( قوله ولو منزوع عظم ) هو الأصح هداية وهو رواية ابن شجاع عن الإمام وفي وراية الحسن عنه جواز منزوع العظم كما في الفتح ( قوله وجوزاه إذا بين وصفه وموضعه ) في البحر وقالا يجوز إذا بين جنسه ونوعه وسنه وصفته وموضعه وقدره كشاة خصي ثني سمين من الجنب أو الفخذ مائة رطل ا هـ ولعل الشارح أراد بالوصف جميع ما ذكر ( قوله وعليه الفتوى بحر ) نقل ذلك في البحر والفتح عن الحقائق والعيون ( قوله لكن في القهستاني إلخ ) استدراك على المتن فافهم ( قوله بالروايتين ) أي رواية الحسن ورواية ابن شجاع وهي الأصح ، فما في القهستاني مبني على خلاف الأصح . [ ص: 213 ]

مطلب هل اللحم قيمي أو مثلي ( قوله وفي العيني إلخ ) في البحر عن الظهيرية وإقراض اللحم عندهما يجوز كالسلم ، وعنه روايتان وهو مضمون بالقيمة في ضمان العد وإن لو مطبوخا إجماعا ولو نيئا فكذلك هو الصحيح ا هـ وذكر في الفتح عن الجامع الكبير والمنتقى أن اللحم مضمون بالقيمة واختار الإسبيجابي ضمانه بالمثل وهو الوجه ، لأن جريان ربا الفضل فيه قاطع بأنه مثلي فيفرق بين الضمان والسلم بأن المعادلة في الضمان منصوص عليها وتمامها بالمثل ، لأنه مثل صورة ومعنى والقيمة مثل معنى فقط وتمام الكلام فيه ( قوله ولا بمكيال وذراع مجهول ) أي لم يدر قدره كما في الكنز والواو بمعنى أو أي لا يجوز السلم بمكيال معين أو بذراع معين لا يعرف قدره ، لأنه يحتمل أن يضيع فيؤدي إلى النزاع بخلاف البيع به حالا حيث يجوز ، لأن التسليم به يجب في الحال ، فلا يتوهم فوته وفي السلم يتأخر التسليم فيخاف فوته زيلعي زاد في الهداية ، ولا بد أن يكون المكيال مما لا ينقبض ولا ينبسط كالقصاع مثلا وإن كان مما ينكبس بالكبس كالزنبيل والجراب لا يجوز إلا في قرب الماء للتعامل فيه كذا عن أبي يوسف ا هـ واعترضه الزيلعي بأن هذا التفصيل إنما يستقيم في البيع حالا حيث يجوز بإناء لا يعرف قدره بشرط أن لا ينكبس ولا ينبسط ، ويفيد فيه استثناء قرب الماء ، ولا يستقيم في السلم ، لأنه إن كان لا يعرف قدره لا يجوز السلم به مطلقا ، وإن عرف قدره فالسلم به لبيان القدر لا لتعيينه ، فكيف يتأتى فيه الفرق بين المنكبس وغيره ا هـ . وأجاب في النهر : بأنه إذا أسلم بمقدار هذا الوعاء برا وقد عرف أنه ويبة مثلا جاز غير أنه إذا كان ينقبض وينبسط لا يجوز لأنه يؤدي إلى النزاع وقت التسليم في الكبس وعدمه ، لأنه عند بقاء عينه يتعين وقوله للزيلعي : لا لتعيينه ممنوع ، نعم هلاكه بعد العلم بمقداره لا يفسد العقد ا هـ .

قلت : ولا يخفى ما فيه لأن الوعاء إذا تحقق معرفة قدره لا يتعين قطعا ، وإلا فسد العقد بعد هلاكه ولا نزاع بعد معرفة قدره لإمكان العدول إلى ما عرف من مقداره فيسلمه بلا منازعة ، كما إذا هلك لأن الكلام فيما عرف قدره ويظهر لي الجواب عن الهداية بأن قوله : ولا بد إلخ بيان لما يعرف قدره لا شرط زائد عليه ، ويكون المراد أنه إذا كان مما ينقبض وينكبس بالكبس لا يتقدر بمقدار معين ، لتفاوت الانقباض والكبس فيؤدي إلى النزاع ، ولذا لم يجز البيع فيه حالا ، فكلام الزيلعي وارد على ما يتبادر من كلام الهداية من أنه شرط زائد على معرفة القدر وعلى ما قلنا فلا فاغتنم هذا التحرير .

( قوله إلا إذا كانت النسبة لثمرة إلخ ) كان الأولى إسقاط قوله لثمرة أو أنه يقول لثمرة أو بر إلى نخلة أو قرية تأمل . قال في الفتح : فلو كانت نسبة الثمرة إلى قرية معينة لبيان الصفة لا لتعيين الخارج من أرضها بعينه كالخشراني ببخارى والسباخي : وهي قرية حنطتها جيدة بفرغانة لا بأس به ; لأنه لا يراد خصوص النابت هناك ، بل الإقليم ولا يتوهم انقطاع طعام إقليم بكماله فالسلم فيه وفي طعام العراق والشام سواء ، وكذا في ديار مصر في قمح الصعيد . وفي الخلاصة والمجتبى وغيره : لو أسلم في حنطة بخارى أو سمرقند أو إسبيجاب لا يجوز لتوهم انقطاعه ولو أسلم في حنطة هراة لا يجوز أو في ثوب هراة وذكر شروط السلم يجوز لأن حنطتها يتوهم انقطاعها إذ الإضافة لتخصيص البقعة ، بخلاف إضافة الثوب لأنها لبيان [ ص: 214 ] الجنس والنوع لا لتخصيص المكان ، فلو أتى المسلم إليه بثوب نسج في غير ولاية هراة من جنس الهروي يعني من صفته ومؤنته أجبر رب السلم على قبوله ، فظهر أن المانع والمقتضى العرف ، فإن تعورف كون النسبة لبيان الصفة فقط جاز وإلا فلا ا هـ ملخصا . قلت : ويظهر من هذا أن النسبة إلى بلدة معينة كبخارى وسمرقند مثل النسبة إلى قرية معينة فلا يصح إلا إذا أريد بها الإقليم كالشام والعراق مثلا ، وعلى هذا فلو قال دمشقية لا يصح لأنه لا يراد بدمشق الإقليم ، ولكن هل المراد ببخارى وسمرقند ودمشق خصوص البلدة أو هي وما يشمل قراها المنسوبة إليها فإن كان المراد الأول فعدم الجواز ظاهر وإن كان الثاني فله وجه ، لأنها ليست إقليما ولكن لا يصح قول الشارح كقمح مرجي أو بلدي ، فإن القمح المرجي نسبة إلى المرج وهو كورة شرقي دمشق تشتمل على قرى عديدة مثل حوران : وهي كورة قبلي دمشق وقراها أكثر وقمحها أجود من باقي كور دمشق والبلدي في عرفنا غير الحوراني ، ولا شك أن ذلك كله ليس بإقليم فإن الإقليم واحد أقاليم الدنيا السبعة كما في القاموس . وفي المصباح : يقال الدنيا سبعة أقاليم ، وقد يقال ليس مرادهم خصوص الإقليم المصطلح ، بل ما يشمل القطر والكورة فإنه لا يتوهم انقطاع طعام ذلك بكماله فيصح إذا قال حورانية أو مرجية وبه يصح كلام الشارح تأمل .

( قوله فالمانع إلخ ) تقدم آنفا بيانه فيما لو أسلم في حنطة هراة أو ثوب هراة ( قوله إلى وقت المحل ) بفتح فكسر مصدر ميمي بمعنى الحلول ( قوله لأنه لا يدري إلخ ) هذا التعليل مخالف للتعليل المار عن الفتح ، وعزاه إلى شرح الطحاوي قال في النهر : وهو أولى لأن مقتضى هذا أنه لو عين جديد إقليم كجديدة من الصعيد مثلا أن يصح إذ لا يتوهم عدم طلوع شيء فيه أصلا ا هـ يعني وهذا المقتضى غير مراد لمنافاته للشرط المار ( قوله وقلت إلخ ) القول والتقييد الذي بعده لصاحب البحر .




الخدمات العلمية