الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا ) يجوز لرب السلم ( شراء شيء من المسلم إليه برأس المال بعد الإقالة ) في عقد السلم الصحيح فلو كان فاسدا جاز الاستبدال كسائر الديون ( قبل قبضه ) بحكم الإقالة لقوله عليه الصلاة والسلام ( { لا تأخذ إلا سلمك أو رأس مالك } ) أي إلا سلمك حال قيام العقد أو رأس مالك حال انفساخه فامتنع الاستبدال [ ص: 220 ] ( بخلاف ) بدل ( الصرف حيث يجوز الاستبدال عنه ) لكن ( بشرط قبضه في مجلس الإقالة ) لجواز تصرفه فيه بخلاف السلم

التالي السابق


( قوله بعد الإقالة ) أفاد أن الإقالة جائزة في السلم ، مع أن شرط الإقالة قيام المبيع ، لأن المسلم فيه ، وإن كان دينارا حقيقة فله حكم العين ، ولذا لم يجز الاستبدال به قبل قبضه ، وإذا صحت فإن كان رأس المال عينا ردت وإن كانت هالكة رد المثل أو القيمة لو قيمية وتقدم تمامه في بابها ( قوله فلو كان فاسدا جاز الاستبدال ) لأن رأس ماله في يد البائع كمغصوب منح عن جامع الفصولين ، لكن لا يخفى أن جواز الاستبدال لا يدل على جواز التصرف بالشراء كما هو موضوع المسألة كما يظهر لك قريبا ( قوله كسائر الديون ) أي كدين مهر وأجرة وضمان متلف ونحو ذلك سوى صرف وسلم ، لكن التصرف في الدين لا يجوز إلا تمليكه ممن هو عليه بهبة أو وصية أو بيع أو إجارة لا من غيره إلا إذا سلطه على قبضه ، وقدمنا تمام الكلام عليه في فصل التصرف في المبيع والثمن ( قوله قبل قبضه ) أي قبض رب السلم رأس المال من المسلم إليه ( قوله بحكم الإقالة ) أي قبضا كائنا بحكم الإقالة لا بحكم عقد السلم ، لأن رأس المال مقبوض في يد المسلم إليه وإلا لم تصح الإقالة لعدم صحة السلم ( قوله لقوله عليه الصلاة والسلام إلخ ) رواه بمعناه أبو داود وابن ماجه وحسنه الترمذي وتمامه في الفتح .

( قوله فامتنع الاستبدال ) فصار رأس المال بعد الإقالة بمنزلة المسلم فيه قبلها فيأخذ حكمه من حرمة الاستبدال بغيره فحكم رأس المال بعدها كحكمه قبلها ، وإلا أنه لا يجب [ ص: 220 ] قبضه في مجلسها ، كما كان يجب قبلها لكونها ليست بيعا من كل وجه ، ولهذا جاز إبراؤه عنه وإن كان لا يجوز قبلها بحر . وقدم الشارح في باب الإقالة عن الأشباه أن رأس المال بعدها كهو قبلها إلا في مسألتين إلخ ( قوله حيث يجوز الاستبدال عنه ) لأنه لا يتعين بالتعيين فلو تبايعا دراهم بدنانير جاز استبدالها قبل القبض بأن يمسكا ما أشار إليه في العقد ، ويؤديا بدله قبل الافتراق كما سيأتي في باب الصرف ، واحترز بالاستبدال عن التصرف فيه لما سيأتي هناك أنه لا يتصرف في ثمن الصرف قبل قبضه ، فلو باع دينارا بدراهم ، واشترى بها قبل قبضها ثوبا فسد بيع الثوب ، وبهذا ظهر أن قول المصنف بخلاف الصرف غير منتظم ، لأن الكلام قبله في الشراء برأس المال قبل قبضه والصرف مثله في ذلك كما علمت . وظهر أيضا أن قول الشارح لجواز تصرفه فيه غير صحيح ، لأن الجائز هو الاستبدال ببدل الصرف دون التصرف فيه كما هو مصرح به في المتون ، فكان على المصنف أن يقول ولا يشترط قبض رأس المال في مجلس الإقالة ، ولا يجوز الاستبدال عنه بخلاف الصرف . وأصل المسألة في البحر حيث قال قيد بالسلم ، لأن الصرف إذا تقايلاه جاز الاستبدال عنه ويجب قبضه في مجلس الإقالة ، بخلاف السلم وقال قبله وفي البدائع قبض رأس المال شرط حال بقاء العقد لا بعد ارتفاعه بإقالة أو غيرها وقبض بدل الصرف في مجلس الإقالة شرط لصحتها كقبضه في مجلس العقد .

ووجه الفرق أن القبض في مجلس العقد في البدلين ما شرط لعينه ، بل للتعيين وهو أن يصير البدل معينا بالقبض صيانة عن الافتراق عن دين بدين ، ولا حاجة إلى التعيين في مجلس الإقالة في السلم ، لأنه لا يجوز استبداله فتعود إليه عينه فلا تقع الحاجة إلى التعيين بالقبض فكان الواجب نفس القبض فلا يراعى له المجلس بخلاف الصرف ، لأن التعيين لا يحصل إلا بالقبض لأن استبداله جائز فلا بد من شرط القبض في المجلس للتعيين ا هـ




الخدمات العلمية