الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) صح ( المبايعة والاستقراض بما يروج منه ) عملا بالعرف فيما لا نص فيه ، فإن راج ( وزنا ) فيه ( أو عددا ) فيه ( أو بهما ) فبكل منهما ( والمتساوي ) غشه وفضته وذهبه ( كالغالب الفضة ) والذهب ( في تبايع واستقراض ) فلم يجز إلا بالوزن إلا إذا أشار إليهما - - [ ص: 268 ] كما في الخلاصة ( و ) أما ( في الصرف ) ف ( كغالب غش ) فيصح بالاعتبار المار ( اشترى شيئا به ) بغالب الغش وهو نافق ( أو بفلوس نافقة فكسد ) ذلك ( قبل التسليم ) للبائع ( بطل البيع ، كما لو انقطعت ) عن أيدي الناس فإنه كالكساد ، وكذا حكم الدراهم لو كسدت أو انقطعت بطل وصححاه بقيمة المبيع ، وبه يفتى رفقا بالناس بحر وحقائق .

التالي السابق


( قوله : بما يروج منه ) أي من الذي غلب غشه . ( قوله : عملا بالعرف إلخ ) الأولى ذكره بعد قوله فبكل منهما ; لأن المراد أن اعتبار الوزن أو العدد أو كل منهما مبني على ما هو المتعارف فيها من ذلك . ( قوله : فيه ) أي فالبيع والاستقراض بالوزن . ( قوله : وذهبه ) الأولى عطفه بأو . ( قوله : فلم يجز إلا بالوزن ) بمنزلة الدراهم الرديئة ; لأن الفضة فيها موجودة حقيقة ولم تصر مغلوبة فيجب الاعتبار بالوزن شرعا بحر . ( قوله : إلا إذا أشار إليهما ) أي إلى المتساوي وغالب الفضة أي في المبايعة فيكون بيانا لقدرهما ووصفها ولا يبطل البيع بهلاكها قبل القبض ويعطه مثلها لكونها ثمنا لم تتعين بحر ، وأفاد أنه [ ص: 268 ] في الاستقراض لا يجوز إلا وزنا وإن أشار إليها .

( قوله : كما في الخلاصة ) أي كما لو أشار إلى الدراهم الخالصة من الغش ، وعبارة النهر كما لو أشار إلى الجياد ا هـ أي فإنه يجوز البيع بما أشار إليه منها بلا وزن أيضا . ( قوله : فيصح بالاعتبار المار ) أي إذا بيعت بجنسها بصرف الجنس إلى خلاف جنسه : أي بأن يصرف ما في كل منهما من الغش إلى ما في الآخر من الفضة كما مر في الغالب غشه ، وظاهره جواز التفاضل هنا أيضا ، لكن قال الزيلعي : وفي الخانية إن كان نصفها صفرا ونصفها فضة لا يجوز التفاضل ، فظاهره أنه أراد به فيما إذا بيعت بجنسها ، وهو مخالف لما ذكر هنا ، ووجهه أن فضتها لما لم تصر مغلوبة جعلت كأن كلها فضة في حق الصرف احتياطا ا هـ ، وأقره في البحر والنهر والمنح . وظاهره اعتماد ما في الخانية تأمل . وقال الزيلعي : ولو باعها بالفضة الخالصة لا يجوز حتى تكون الخالصة أكثر مما فيه من الفضة ; لأنه لا غلبة لأحدهما على الآخر فيجب اعتبارهما ، فصار كما لو جمع بين فضة وقطعة نحاس فباعهما بمثلهما أو بفضة فقط ا هـ وقوله لا غلبة لأحدهما أي لواحد من الغش والفضة والتي فيه المساوية له .

( قوله : وهو نافق ) أي رائج من باب تعب . ( قوله : فكسد ) من باب قتل أي لم ينفق لقلة الرغبات فيه مصباح . ( قوله : ذلك ) أفاد به أن إفراد الضمير في كسد باعتبار المذكور ، وفيه أن العطف بأو والأولى فيه الإفراد ط . ( قوله : قبل التسليم للبائع ) قيد به ; لأنه لو قبضها ولو فضوليا فيه فكسدت لا يفسد البيع ولا شيء له نهر ، وسينبه عليه الشارح . وفي النهر أيضا وإن كان نقد بعض الثمن دون بعض فسد في الباقي .

( قوله : بطل البيع ) أي ثبت للمشتري فسخه كما يأتي مع ما فيه ، ووجه بطلانه عند الإمام كما في الهداية أن الثمن يهلك بالكساد ; لأن الثمنية بالاصطلاح ولم يبق فبقي بيعا بلا ثمن فيبطل ، فإذا بطل يجب رد المبيع إن كان قائما ، وقيمته إن كان هالكا كما في البيع الفاسد ا هـ . ( قوله : فإنه كالكساد ) كذا في البحر تبعا للزيلعي وفي المضمرات : لو انقطع ذلك فعليه من الذهب والفضة قيمته في آخر يوم انقطع هو المختار . وفي الذخيرة : الانقطاع كالكساد والأول أصح ا هـ رملي عن المصنف . ( قوله : وكذا حكم الدراهم ) كذا في البحر ولم أره لغيره وقال محشيه الرملي : أي الدراهم التي لم يغلب عليها الغش ، فاقتصار المصنف على غالب الغش والفلوس لغلبة الفساد فيهما دون الجيدة تأمل ا هـ ملخصا . قلت : لكن علمت أن بطلان البيع في كساد غالب الغش والفلوس معلل عند الإمام ببطلان الثمنية فبقي بيعا بلا ثمن ، ولا شك أن الجياد لا تبطل ثمنيتها بالكساد ; لأن ثمنيتها بأصل الخلقة كما صرحوا به لا بالإصلاح ، فلا وجه لبطلانه عنده بكساد الجياد ، فالظاهر أن مراد البحر بالدراهم غالبة الغش ، لكنه مكرر بما في المتن تأمل ، ثم رأيت في الفتح قال : ولأبي حنيفة أن الثمن يهلك بالكساد ; لأن مالية الفلوس والدراهم الغالبة الغش بالاصطلاح لا بالخلقة ، بخلاف النقدين فإن ماليتها بالخلقة لا بالاصطلاح ا هـ ، نعم يمكن أن يجاب بأن هذا في النقد الخالص والمغشوشة التي غلبت فضتها تخالفه ، لكن قد مر أنها كالخالصة ; لأن الفضة قلما تنطبع إلا بقليل غش . والحاصل أن ما ذكره في البحر وتبعه الشارح يحتاج إلى نقل صريح أو يحمل على ما قلنا أولا فتأمل ، وانظر ما قدمناه أول البيوع عند قوله وبثمن حال مؤجل .

( قوله : وصححاه بقيمة المبيع ) صوابه بقيمة الثمن سائحاني أو بقيمة [ ص: 269 ] الهالك ط : قال في الفتح : وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي وأحمد لا يبطل . ثم اختلفوا فقال أبو يوسف عليه قيمتها يوم البيع . قال في الذخيرة : وعليه الفتوى ; لأنه مضمون بالبيع كقوله في المغصوب إذا هلك عليه قيمته يوم الغصب ; لأنه يوم تحقق السبب . وقال محمد : عليه قيمتها آخر ما تعامل الناس بها وهو يوم الانقطاع ; لأنه أوان الانتقال إلى القيمة . وفي المحيط والتتمة والحقائق به يفتى رفقا بالناس ا هـ ونحوه في البحر . وبه تعلم ما في عبارة الشارح .




الخدمات العلمية