الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وشرائطها ثلاثة عشر على ما في الأشباه شرائط وجوبها تسعة ، وشرائط صحتها أربعة ، ونظمها شيخ شيخنا العلامة علي المقدسي شارح نظم الكنز فقال : شرط الوجوب العقل والإسلام وقدرة ماء والاحتلام     وحدث ونفي حيض وعدم
نفاسها وضيق وقت قد هجم     وشرط صحة عموم البشره
بمائه الطهور ثم في المره     فقد نفاسها وحيضها وأن
يزول كل مانع عن البدن [ ص: 87 ]

وجعلها بعضهم أربعة : شرط وجودها الحسي وجود المزيل والمزال عنه ، والقدرة على الإزالة . وشرط وجودها الشرعي كون المزيل مشروع الاستعمال في مثله . وشرط وجوبها التكليف والحدث . وشرط صحتها صدور الطهر من أهله في محله مع فقد مانعه ، ونظمها فقال : [ ص: 88 ]     نعلم شروطا للوضوء مهمة
مقسمة في أربع وثمان     فشرط وجود الحس منها ثلاثة
سلامة أعضاء وقدرة إمكان     لمستعمل الماء القراح وهو معا
وشرط وجود الشرع خذها بإمعان     فمطلق ماء مع طهارته ومع
طهورية أيضا ففز ببيان     وشرط وجوب وهو إسلام بالغ
مع الحدث التمييز بالعقل ياعاني     وشرط لتصحيح الوضوء زوال ما
يبعد إيصال المياه من إدران     كشمع ورمص ثم لم يتخلل
الوضوء مناف يا عظيم ذوي الشان     وزيد على هذين أيضا تقاطر
مع الغسلات ليس هذا لدى الثاني

التالي السابق


( قوله : وشرائطها ) أي الطهارة . قال في الحلية : هو جمع شرط على خلاف المعروف من القاعدة الصرفية ، إذ لم يحفظ فعائل جمع فعل بل جمعه شروط .

( قوله : شرائط وجوبها إلخ ) أي الطهارة أعم من الصغرى والكبرى وشرائط الوجوب هي ما إذا اجتمعت وجبت الطهارة على شخص . وشرائط الصحة ما لا تصح الطهارة إلا بها ، ولا تلازم بين النوعين بل بينهما عموم وجهي ، وعدم الحيض والنفاس شرط للوجوب من حيث الخطاب وللصحة من حيث أداء الواجب أفاده ط .

( قوله : شرط الوجوب ) مفرد مضاف فيعم ، وهو مبتدأ خبره العقل إلخ ط .

( قوله : العقل إلخ ) فلا تجب على مجنون ولا على كافر ، بناء على المشهور من أن الكفار غير مخاطبين بالعبادات ، ولا على عاجز عن استعمال المطهر ، ولا على [ ص: 87 ] فاقد الماء أي والتراب ، ولا على صبي ، ولا على متطهر ولا على حائض ، ولا على نفساء ، ولا مع سعة الوقت ، وهذا الأخير شرط لوجوب الأداء وما قبله لأصل الوجوب .

( قوله : ماء ) بالرفع والتنوين على إسقاط العاطف وتقدير مضاف : أي ووجود ماء مطلق طهور كاف أو ما يقوم مقامه من تراب طاهر .

( قوله : وشرط صحة إلخ ) الصحة ترتب المقصود من الفعل عليه ، ففي المعاملات الحل والملك ; لأنهما المقصودان منها ، وفي العبادات عند المتكلمين موافقة الأمر مستجمعا ما يتوقف عليه . وعند الفقهاء بزيادة قيد وهو اندفاع وجوب القضاء ، فصلاة ظان الطهارة مع عدمها صحيحة على الأول لموافقة الأمر على ظنه ، لا على الثاني لعدم سقوط القضاء ، وتمامه في التحرير وشرحه .

( قوله : عموم البشره إلخ ) أي أن يعم الماء جميع المحل الواجب استعماله فيه .

( قوله : في المره ) بدون همزة مؤنث مرء ، يقال فيها مرأة ومرة وامرأة ذكر الثلاث في القاموس .

( قوله : فقد نفاسها وحيضها ) أي وفقد حيضها فهما شرطان .

( قوله : وأن يزول كل مانع ) أي من نحو رمص وشمع ، وهذا الشرط الرابع يغني عنه الأول ، والأولى ما في البحر حيث جعل الرابع عدم التلبس في حالة التطهير بما ينقصه في حق غير المعذور بذلك . [ تنبيه ]

جمع الشروط الأول ترجع إلى ستة : وهي الإسلام ، والتكليف ، وقدرة استعمال المطهر ووجود حدث ، وفقد المنافي من حيض ونفاس ، وضيق الوقت ، والأخيرة ترجع إلى اثنين : تعميم المحل بالمطهر ، وفقد المنافي من حيض ونفاس وحدث في حق غير المعذور به ، وقد نظمتها بقولي : شرط الوجوب جاء ضمن ست تكليف إسلام وضيق وقت     وقدرة الماء الطهور الكافي
وحدث مع انتفا المنافي     واثنان للصحة تعميم المحل
بالماء مع فقد مناف للعمل .

( قوله : وجعلها ) أي هذه الشروط . وقد نقل هذا التقسيم العلامة البيري عن شرح القدوري للآمدي .

( قوله : أربعة ) أي أربعة أنواع ، ففي الأول وكذا ثلاثة وكذا الثاني ، وفي الثالث أربعة ، وفي الرابع اثنان .

( قوله : وجودها الحسي ) أي الذي تصير به الطهارة موجودة في الحس والمشاهدة : أي يصير فعلها موجودا ، وإلا فهي وصف شرعي لا وجود له في الخارج . ثم لا يخفى أنه ليس الضمير في وجودها للشروط حتى يرد أن القدرة لا وجود لها فافهم .

( قوله : وجود المزيل ) أي الماء أو التراب .

( قوله : والمزال عنه ) أي الأعضاء .

( قوله : مشروع الاستعمال ) أي بأن يكون الماء مطلقا وطاهرا ومطهرا .

( قوله : في مثله ) أي مثل المشروط ، ولو قال مشروع الاستعمال فيها أي الطهارة لكان أولى ، وخرج به نحو الزيت فإنه مشروع الاستعمال لكن في الدهن مثلا ط . أقول : وفي بعض النسخ في محله وهو الأولى .

( قوله : التكليف ) تحته ثلاثة ، وهي العقل والبلوغ والإسلام ، بناء على ما قدمناه من المشهور .

( قوله : والحدث ) أي الأصغر أو الأكبر .

( قوله : من أهله ) بأن لا تكون حائضا ولا نفساء ، وهذا لم يذكره في النظم الآتي .

( قوله : في محله ) وهو جميع الجسد في الغسل والأعضاء الأربعة في الوضوء ، وتقدم أن هذا أيضا من شروط الوجود ، ويحتمل أنه أراد به تعميم البشرة .

( قوله : مع فقد مانعه ) بأن لا يحصل ناقص في خلال الطهارة لغير معذور به .

( قوله : ونظمها ) عطف على جعلها ، وهذا النظم من بحر الطويل ، وفيه من عيوب القوافي التحريد [ ص: 88 ] بالحاء المهملة ، وهو الاختلاف في الأضرب ، فإن ضرب البيت الأول والبيت الرابع محذوف وزنه فعولن ، وباقي الأبيات أضربها تامة وزنها مفاعيلن ، فالمناسب أن يقول في البيت الأول مقسمة في عشرة بعدها اثنان وفي البيت الرابع طهورية أيضا فخذها بإذعان .

( قوله : تعلم ) فعل أمر .

( قوله : للوضوء ) ومثله الغسل .

( قوله : سلامة أعضاء ) إشارة إلى المزال عنه . ا هـ . ح أي لأنه من إضافة الصفة إلى موصوفها أي أعضاء سالمة أفاده ط .

( قوله : وقدرة إمكان ) أي تمكن من الإزالة .

( قوله : لمستعمل ) صفة قدرة أو إمكان .

( قوله : القراح ) كسحاب أي الخالص قاموس .

( قوله : وهو ) بضم الهاء وإسكان الواو بعدها للضرورة راجع للماء .

( قوله : معا ) ظرف منصوب لقطعه عن الإضافة متعلق بمحذوف خبر هو أصله معهما ، وإنما نص على انضمامه إليهما ; لأنه لما ذكر الماء على كونه مضافا إليه فربما يتوهم أنه ليس قسما برأسه وأنه من تتمة المضاف وليس كذلك ، بل هو بيان لوجود المزيل . ا هـ . ح .

( قوله : وشرط ) بالنصب مفعول لخذ محذوفا فسره قوله الآتي خذها : أي الشروط المفهومة من عموم المصدر المضاف ، وهو أولى من الرفع على الابتداء ; لأن خبره قوله خذها أو قوله فمطلق ، فيلزم عليه الإخبار بالجملة الطلبية أو اقتران الخبر بالفاء .

( قوله : بإمعان ) أي بتأمل وإتقان ط .

( قوله : مطلق ماء ) من إضافة الصفة للموصوف وهو خبر لمبتدإ محذوف ، والمراد كون الماء مطلقا ، والظاهر كما قال ط أن الشرط مغن عن الطهارة والطهورية أي لأن غير الطاهر وغير المطهر غير مطلق .

( قوله : مع ) بسكون العين ط .

( قوله : وشرط ) بالنصب أيضا لا غير عطف على " شرط " المنصوب أي وخذ شرط وجوب إلخ إذ ليس بعده ما يصح الإخبار به عنه .

( قوله : بالغ ) بالإضافة وهو شرط ثان ، والشرط البلوغ ط أي لا ذات البالغ .

( قوله : التمييز ) بحذف العاطف ، ثم يحتمل أنه معطوف على " إسلام " فيكون مرفوعا ، أو على الحدث فيكون مجرورا ط .

( قوله : يا عاني ) أي يا قاصد الفوائد وهو أولى من تفسيره بالأسير أفاده ط .

( قوله : شرط ) مبتدأ وزوال خبره ط .

( قوله : يبعد ) بتشديد العين .

( قوله : من أدران ) بنقل حركة الهمزة إلى النون ، وهو بيان لما والدرن الوسخ قاموس .

( قوله : كشمع ) بسكون الميم لغة قليلة ، وأنكرها الفراء فقال : الفتح كلام العرب والمولدون يسكنونها ، لكن قال ابن فارس : وقد تفتح الميم . قال في المصباح فأفهم أن الإسكان أكثر ا هـ .

( قوله : ورمص ) بفتح الراء والميم وبالصاد : وسخ يجتمع في الموق مما يلي الأنف وسكنت الميم لضرورة النظم . ا هـ . ح .

( قوله : لم يتخلل الوضوء ) اللام من الوضوء آخر الشطر الأول والواو منه أول الشطر الثاني .

( قوله : مناف ) كخروج ريح ودم ط أي لغير المعذور بذلك .

( قوله : يا عظيم ذوي الشان ) أي العظم : أي يا عظيمهم ، وفي نسخة ذي وليست بصواب لاختلال النظم ط : أقول : والذي رأيته من النسخ : يا عظيم الشان وهو خطأ أيضا .

( قوله : وزيد على هذين ) أي شرطي الصحة ط .

( قوله : تقاطر ) وأقله قطرتان في الأصح كما يأتي .

( قوله : مع الغسلات ) أي المفروضة ، وأخرج بها المسح فلا يشترط فيه تقاطر .

( قوله : ليس هذا إلخ ) أي [ ص: 89 ] ليس هذا الشرط وهو التقاطر بمشترط عند الإمام أبي يوسف يعقوب رضي الله عنه والمعتمد الأول ط . [ تنبيه ]

يزاد على ما ذكره من شروط الصحة فقد الحيض والنفاس كما مر ، وهو من شروط الوجود الشرعي أيضا ، وكذا من شروط الوجوب . والذي يظهر لي أن شروط الوجود الشرعي شروط للصحة وبالعكس ، إذ لا فرق يظهر فتدبر .




الخدمات العلمية