الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وكفى مطلق نية الصلاة ) وإن لم يقل لله ( لنفل وسنة ) راتبة ( وتراويح ) على المعتمد ، إذ تعيينها بوقوعها وقت [ ص: 418 ] الشروع ، والتعيين أحوط ( ولا بد من التعيين عند النية ) فلو جهل الفرضية لم يجز ; ولو علم ولم يميز الفرض من غيره ، إن نوى الفرض في الكل جاز ، وكذا لو أم غيره فيما لا سنة قبلها ( لفرض ) أنه ظهر أو عصر قرنه باليوم أو الوقت أو لا [ ص: 419 ] هو الأصح ( ولو ) الفرض ( قضاء ) لكنه يعين ظهر يوم كذا على المعتمد ، والأسهل نية أول ظهر عليه أو آخر ظهر . وفي القهستاني عن المنية : لا يشترط ذلك في الأصح وسيجيء آخر الكتاب ( وواجب ) أنه وتر أو نذر أو سجود تلاوة وكذا شكر ، بخلاف سهو [ ص: 420 ] ( دون ) تعيين ( عدد ركعاته ) لحصولها ضمنا ، فلا يضر الخطأ في عددها

التالي السابق


( قوله وكفى إلخ ) أي بأن يقصد الصلاة بلا قيد نفل أو سنة أو عدد ( قوله لنفل ) هذا بالاتفاق ( قوله وسنة ) ولو سنة فجر ، حتى لو تهجد بركعتين ثم تبين أنها بعد الفجر نابتا عن السنة ، وكذا لو صلى أربعا ووقعت الأخريان بعد الفجر وبه يفتى خلاصة ، وكذا الأربع المنوي بها آخر ظهر أدركته عند الشك في صحة الجمعة ، فإذا تبين صحتها ولا ظهر عليه نابت عن سنة الجمعة على قول الجمهور لأنه يلغو الوصف ويبقى الأصل ، وبه تتأدى السنة كما بسطه في الفتح ، وأقره في البحر والنهر ، وهذا بخلاف ما لو قام في الظهر للخامسة فضم سادسة لا تنوبان عن سنة الظهر لعدم كون الشروع مقصودا ( قوله على المعتمد ) أي من قولين مصححين ، وإنما اعتمد هذا لما في البحر من أنه ظاهر الرواية وجعله في المحيط قول عامة المشايخ ورجحه في الفتح ونسبه إلى المحققين ( قوله أو تعينها إلخ ) لأن السنة ما واظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم في محل مخصوص ، فإذا أوقعها المصلي فيه فقد فعل الفعل المسمى سنة ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ينوي السنة بل [ ص: 418 ] الصلاة لله تعالى وتمام تحقيقه في الفتح ( قوله والتعيين ) أي بالنية أحوط : أي لاختلاف الصحيح بحر ( قوله ولا بد من التعيين إلخ ) فلو فاتته عصر فصلى أربع ركعات عما عليه وهو يرى أن عليه الظهر لم يجز كما لو صلاها قضاء عما عليه وقد جهله ، ولذا قال أبو حنيفة فيمن فاتته صلاة واشتبهت عليه إنه يصلي الخمس ليتيقن ا هـ فتح أي لأنه لا يمكنه تعيين هذه الفائتة إلا بذلك : وفي الأشباه : ولا يسقط التعيين بضيق الوقت لأنه لو شرع فيه منتقلا صح وإن كان حراما ا هـ ( قوله عند النية ) أي سواء تقدمت على الشروع أو قارنته ، فلو نوى فرضا معينا وشرع فيه نسي فظنه تطوعا فأتمه على ظنه فهو على ما نوى كما في البحر ( قوله فلو جهل الفرضية ) أي فرضية الخمس إلا أنه كان يصليها في مواقيتها لم يجز وعليه قضاؤها لأنه لم ينو الفرض إلا إذا صلى مع الإمام ونوى صلاة الإمام بحر عن الظهيرية ( قوله ولو علم إلخ ) أي علم فرضية الخمس لكنه لا يميز الفرض من السنة والواجب ( قوله جاز ) أي صح فعله ( قوله وكذا لو أم غيره إلخ ) يعني أن من لا يميز الفرض من غيره إذا نوى الفرض في الكل جاز كونه إماما أيضا فيصح الاقتداء به ، لكن في صلاة لا سنة قبلها : أي في صلاة لم يصل قبلها مثلها في عدد الركعات لأنه لو صلى قبلها مثلها سقط عنه الفرض وصار ما بعده نفلا فلا يصح اقتداء المفترض به ( قوله لفرض ) متعلق بالتعيين : قال في الأشباه : ولم أر حكم نية الفرض العين في فرض العين وفرض الكفاية في فرض الكفاية وأما المعادة لترك واجب فلا شك أنها جابرة لا فرض ، فعليه ينوي كونها جابرة . وأما على القول بأن الفرض لا يسقط إلا بها فلا خفاء في اشتراط نية الفرضية . ا هـ . ونقل البيري عن الإمام السرخسي أن الأصح القول الثاني ( قوله أنه ظهر ) بفتح الهمزة مفعول التعيين أو على حذف الجار : أي بأنه ( قوله قرنه باليوم أو الوقت أولا ) أي لم يقرنه بشيء منهما ; وشمل إطلاقه في هذه الثلاثة ما إذا كان ذلك في الوقت أو خارجه مع علمه بخروجه أو مع الجهل ، فالمسائل تسع من ضرب ثلاثة في ثلاثة ، أما إن قرنه باليوم بأن نوى ظهر اليوم فيصح في الصور الثلاث كما سيذكره الشارح . وأما إن قرنه بالوقت بأن نوى ظهر الوقت ، فإن كان في الوقت صح قولا واحدا ، وإن كان خارجه مع العلم بخروجه فيصح أيضا على ما فهمه الشرنبلالي من عبارة الدرر في حاشيته عليها لأن وقت العصر ليس له ظهر فيراد به الظهر الذي يقضى في هذا الوقت ، وإن كان خارجه مع الجهل فلا يصح كما في الفتح والخانية والخلاصة وغيرها ، وبه جزم المصنف والشارح فيما سيأتي ، وهو الذي فهمه في النهر من عبارة الزيلعي خلافا لما فهمه منها في البحر ، وهو ما اقتضاه إطلاق الشارح هنا من أنه يصح . ونقل في المنية عن المحيط أنه المختار ، لكن رده في شرح المنية ، بل قال في الحلية إنه غلط والصواب ما في المشاهير من أنه لا يصح . وأما إذا لم يقرنه بشيء بأن نوى الظهر وأطلق ، فإن كان في الوقت ففيه قولان مصححان قيل لا يصح لقبول الوقت ظهر يوم آخر ، وقيل يصح لتعين الوقت له ، ومشى عليه في الفتح والمعراج والأشباه واستظهره في العناية . ثم قال : وأقول الشرط المتقدم ، وهو أن يعلم بقلبه أي صلاة يصلي يحسم مادة هذه المقالات وغيره فإن العمدة عليه لحصول التمييز به وهو المقصود ا هـ وإن كان خارجه مع الجهل بخروجه . ففي النهر أن ظاهر ما في الظهيرية أنه يجوز على الأرجح ، [ ص: 419 ] وإن كان مع العلم به فبحث ح أنه لا يصح وخالفه ط . قلت : وهو الأظهر ، لما مر عن العناية . وأما إذا نوى فرض اليوم أو فرض الوقت فسيأتي بأقسامه التسع فافهم ( قوله هو الأصح ) قيد لقوله أولا : أي إذا نوى الظهر ولم يقرنه باليوم أو الوقت وكان في الوقت فالأصح الصحة كما في الظهيرية ، وكذا في الفتح وغيره كما قدمناه ، وهو رد على ما في الخلاصة من أنه لا يصح كما نقله في البحر والنهر لا على ما في الظهيرية فافهم ( قوله لكنه يعين إلخ ) أي يعين الصلاة ويومها أشباه ، وهذا عند وجود المزاحم ، أما عند عدمه فلا كما لو كان في ذمته ظهر واحد فائت فإنه يكفيه أن ينوي ما في ذمته من الظهر الفائت وإن لم يعلم أنه من أي يوم حلية فافهم ( قوله على المعتمد ) مقابله ما في المحيط من أنه إذا سقط الترتيب بكثرة الفوائت تكفيه نية الظهر لا غير ا هـ أي لا يلزم تعيين اليوم قياسا على الصوم ( قوله والأسهل إلخ ) أي فيما إذا وجد المزاحم كظهرين من يومين جهل تعيينهما ( قوله لا يشترط ذلك ) أي نية أول ظهر أو آخره بل تكفيه نية الظهر لا غير كما مر عن المحيط ( قوله وسيجيء ) أي ما صححه القهستاني في آخر الكتاب في مسائل شتى متنا تبعا لمتن الكنز . ونقل الشارح هناك عن الأشباه أنه مشكل ومخالف لما ذكره أصحابنا كقاضي خان وغيره والأصح الاشتراط . قلت : وكذا صححه في متن الملتقى هناك ، فقد اختلف التصحيح والاشتراط أحوط ، وبه جزم في الفتح هنا ( قوله وواجب ) بالجر عطفا على قوله لفرض ، وقد عد منه في البحر قضاء ما أفسده من النفل والعيدين وركعتي الطواف ، وزاد في الدرر الجنازة ، ولكن في الأشباه والخطبة لا يشترط لها نية الفرضية وإن شرطنا لها النية لأنه لا يتنقل بها ، وينبغي أن تكون صلاة الجنازة كذلك لأنها لا تكون إلا فرضا كما صرحوا به ، ولذا لا تعاد نفلا ا هـ ويؤيده نصهم على أنه ينوي فيها الصلاة لله تعالى والدعاء للميت ولم يذكروا تعيين الفرضية ( قوله إنه وتر ) أشار إلى أنه لا ينوي فيه أنه واجب للاختلاف فيه زيلعي : أي لا يلزمه تعيين الوجوب ، وليس المراد منعه من أن ينوي وجوبه لأنه إن كان حنفيا ينبغي أن ينويه ليطابق اعتقاده وإن كان غيره لا تضره تلك ، ذكره في البحر في باب الوتر . ثم اعلم ما في شرح العيني من قوله : وأما الوتر فالأصح أنه يكفيه مطلق النية مشكل لأن ظاهره أنه يكفيه نية مطلق الصلاة كالنفل ، إلا أن يحمل ما ذكرناه عن الزيلعي من إطلاق نية الوتر ، ولذا قال يكفيه مطلق النية ، ولم يقل مطلق نية الصلاة ، وبينهما فرق دقيق ، ففيه إشارة خفية إلى ما قلنا فتدبر ( قوله أو نذر ) هو قد يكون منجزا أو معلقا على نحو شفاء مريض أو قدوم غائب فالظاهر أنه لا بد من تعيينه بذلك لاختلاف أسبابه واختلاف أنواع ما علق عليه بدليل عدم الاكتفاء في الفرض بدون تخصيصه بنحو الظهر أفاده ح . قلت : هذا إنما يظهر عند وجود المزاحم ، كما لو كان عليه نذر منجز ومعلق أو نذران علقا على أمرين ، وإلا فلا كما قدمناه آنفا عن الحلية في قضاء الفائتة فافهم ( قوله أو سجود تلاوة ) إلا إذا تلاها في الصلاة وسجدها فورا ، ولا يجب تعيين السجدات التلاوية لو تكررت التلاوة كما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى ( قوله وكذا شكر بخلاف سهو ) الذي رأيته في النهر بحثا عكس ما ذكره الشارح ، ولعل الأوجه ما هنا بالنسبة إلى سجود الشكر فقط لأن السجود قد يكون لسبب كالتلاوة والشكر ، وقد يكون بدونه كما يفعله العوام بعد الصلاة وهو مكروه كما نص عليه الزاهدي ، فلما وجد المزاحم لا بد من التعيين لبيان السبب وإلا كان مكروها اتفاقا . ويبتنى على ذلك ما لو نام في ذلك السجود أو تيمم [ ص: 420 ] لأجله ، فإن كان سجودا مشروعا تنتقض طهارته وتصح صلاته بذلك التيمم ، وإلا فلا كما ذكروه في ثمرة الاختلاف بين الإمام وصاحبيه في مشروعية سجدة الشكر وعدمها ، فظهر أنه لا بد من تعيينها ليتميز المشروع عن غيره لا يقال : إن النفل لا يشترط فيه التعيين كما مر ، وسجدة الشكر على القول بمشروعيتها نفل فلا يشترط تعيينها أيضا . لأنا نقول : هذا خارج عن هذا الحكم بدليل أن الصلاة عبادة في ذاتها ولا تنتفي عنها المشروعية إلا بسبب عارض ، بخلاف السجود خارج الصلاة فإنه ليس عبادة في نفسه بل بعارض شكر أو تلاوة مثلا ، فمطلق الصلاة ينصرف إلى النفل المشروع فلذا لم يشترط تعيينه بخلاف مطلق السجود فإنه ينصرف إلى غير المشروع لأنه لم يشرع إلا بسبب فلا بد من تعيين ذلك السبب ليكون مشروعا وليتميز عن غيره من المزاحمات له في المشروعية من تلاوة وسهو فافهم ، هذا ما ظهر لفهمي القاصر . وأما سجود السهو فأفاد ح أنه لما كان جابر النقص واجبا في الصلاة كان بدله ، ولا يشترط نية أبعاض الصلاة فكذلك بدله . ا هـ . ثم رأيت في الأشباه قال : ولا تصح صلاة مطلقا إلا بنية ثم قال : وسجود التلاوة كالصلاة ، وكذا سجدة الشكر وسجود السهو ا هـ ولعل هذا هو الأظهر . [ تتمة ] لم يذكر السجدة الصلبية ، وحكمها أنه يجب نيتها إذا فصل بينها وبين محلها بركعة ، فلو بأقل فلا كما في الفتاوى الهندية فتأمل ( قوله فلا يضر الخطأ في عددها ) الظاهر أن الخطأ غير قيد . وفي الأشباه : الخطأ فيما لا يشترط له التعيين لا يضر ، كتعيين مكان الصلاة وزمانها وعدد الركعات ، ومنه إذا عين الأداء فبان أن الوقت قد خرج أو القضاء فبان أنه باق ا هـ : ونقل في جامع الفتاوى عن الخانية أن الأفضل أن ينوي أعداد الركعات ، ثم قال : وقيل يكره التلفظ بالعدد لأنه عبث لا حاجة إليه ا هـ ولا يخلو القول الثاني عن تأمل




الخدمات العلمية