الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ونية استقبال القبلة ليست بشرط مطلقا ) على الراجح ، فما قيل : لو نوى بناء الكعبة أو المقام أو محراب مسجده لم يجز مفرع على المرجوح ( كنية تعيين الإمام في صحة الاقتداء ) فإنها ليست بشرط ; فلو ائتم به يظنه زيدا فإذا هو بكر صح إلا إذا عينه باسمه فبان غيره إلا إذا عرفه بمكان كالقائم في المحراب [ ص: 426 ] أو إشارة كهذا الإمام الذي هو زيد ، إلا إذا أشار بصفة مختصة كهذا الشاب فإذا هو شيخ فلا يصح وبعكسه يصح لأن الشاب يدعى شيخا لعلمه . وفي المجتبي نوى أن لا يصلي إلا خلف من هو على مذهبه فإذا هو غيره لم يجز . [ فائدة ] لما كان الاعتبار للتسمية عندنا لم يختص ثواب الصلاة في مسجده عليه الصلاة والسلام بما كان في زمنه [ ص: 427 ] فليحفظ

التالي السابق


( قوله مطلقا ) أي للقريب المشاهد وغيره لأن إصابة الجهة تحصل بلا نية العين وهي شرط ، فلا يشترط لها النية كباقي الشرائط ( قوله على الراجح ) مقابله ما قيل إن الفرض إصابة العين للقريب والبعيد ولا يمكن ذلك للبعيد إلا من حيث النية فانتقل ذلك إليها ( قوله لم يجز ) لأن المراد بالكعبة العرصة لا البناء والمحراب علامة عليها والمقام : هو الحجر الذي كان يقوم عليه الخليل عليه الصلاة والسلام عند بناء البيت ( قوله مفرع على المرجوح ) كذا في البحر عن الحلية وهو ظاهر لأن من اشترط نية الكعبة لا يجوز الصلاة بدونها ، فإذا نوى غيرها لا تجوز الصلاة عنده بالأولى ، وقد علمت أن الكعبة اسم للعرصة ، فإذا نوى البناء أو المحراب أو المقام فقد نوى غير الكعبة ، أما على القول الراجح من أنه لا تشترط نيتها فلا يضره نية غيرها بعد وجود الاستقبال الذي هو الشرط ، لكن اعترضه الشيخ إسماعيل بأنه غير مسلم لما في البدائع من أن الأفضل أن لا ينوي الكعبة ، لاحتمال أن لا تحاذي هذه الجهة الكعبة فلا تجوز صلاته ا هـ فإن مفهومه أنه إذا استقبل غير ما نوى لا تجوز صلاته ، لكن لا يخفى أنه ليس فيه دلالة ، على أنه إذا نوى البناء ونحوه لا تجوز صلاته بل يدل على أن الأفضل عدم ذلك ، فما ذكره الشارح تبعا للبحر والحلية صحيح فافهم ، نعم ذكر في شرح المنية أن نية القبلة وإن لم تشترط ، لكن عدم نية الإعراض عنها شرط ا هـ وعليه فهو مفرع على الراجح ( قوله صح ) لأنه نوى الاقتداء بالإمام الموجود فلا يضره ظنه ، بخلاف اسمه قال في الحلية : لأن العبرة لما نوى لا لما يرى ا هـ ويظهر منه أن مثله ما لو اعتقد أنه زيد لأنه جازم بالاقتداء بهذا الإمام فافهم . مطلب إذا اجتمعت الإشارة والتسمية ( قوله إلا إذا عينه باسمه ) أي لم ينو الاقتداء بالإمام الموجود ، وإنما نوى الاقتداء بزيد سواء تلفظ باسمه أو لا ، لما في المنية إلا إذا قال اقتديت بزيد أو نوى الاقتداء بزيد ا هـ فإذا ظهر أنه عمرو لا يصح الاقتداء لأن العبرة لما نوى حلية : أي وهو قد نوى الاقتداء بغير هذا الإمام الحاضر ( قوله إلا إذا عرفه ) استثناء من عدم الصحة التي تضمنها الاستثناء الأول ( قوله كالقائم في المحراب ) أي نوى الاقتداء بالإمام القائم في المحراب الذي [ ص: 426 ] هو زيد فإذا هو غيره جاز أشباه لأن ( أل ) يشار بها إلى الموجود في الخارج أو الذهن ، وعلى كل فقد نوى الاقتداء بالإمام الموجود فلغت التسمية ( قوله أو إشارة ) أي باسمها الموضوع لها حقيقة ، وإنما جاز لأنه عرفه بالإشارة فلغت التسمية كما في الخانية وغيرها ( قوله إلا إذا أشار إلخ ) استثناء من قوله أو إشارة ( قوله فلا يصح ) أورد عليه أن في هذه الصورة اجتمعت الإشارة مع التسمية ، فكان ينبغي أن تلغو التسمية كما لغت في هذا الإمام الذي هو زيد وفي هذا الشيخ ، والجواب أن إلغاء التسمية ليس مطلقا قال في الهداية من باب المهر : الأصل أن المسمى إذا كان من جنس المشار إليه يتعلق العقد بالمشار إليه لأن المسمى موجود في المشار إليه ذاتا والوصف يتبعه وإن كان من خلاف جنسه يتعلق بالمسمى لأن المسمى مثل المشار إليه وليس بتابع له ، والتسمية أبلغ في التعريف من حيث إنها تعرف الماهية والإشارة تعرف الذات . ا هـ . قال الشارحون هذا الأصل متفق عليه في النكاح والبيع والإجارة وسائر العقود . ا هـ . إذا عرفت ذلك فاعلم أن زيدا وعمرا جنس واحد من حيث الذات وإن اختلفا من حيث الأوصاف والمشخصات لأن الملحوظ إليه في العلم هو الذات ، ففي قوله هذا الإمام الذي هو زيد فظهر أن المشار إليه عمرو يكون قد اختلف المسمى والمشار إليه ، فلغت التسمية وبقيت الإشارة معتبرة لكونهما من جنس واحد ، فصح الاقتداء . وأما الشيخ والشاب فهما من الأوصاف الملحوظ فيها الصفات دون الذات ، ومعلوم أن صفة الشيخوخة تباين صفة الشباب فكانا جنسين ، فإذا قال هذا الشاب فظهر أنه شيخ لا يصح الاقتداء لأنه وصفه بصفة خاصة لا يوصف بها من بلغ سن الشيخوخة ، فقد خالفت الإشارة التسمية مع اختلاف الجنس ، فلغت الإشارة واعتبرت التسمية بالشاب ، فيكون قد اقتدى ، بغير موجود كمن اقتدى بزيد فبان غيره . وأما إذا قال هذا الشيخ فظهر أنه شاب فإنه يصح لأن الشيخ صفة مشتركة في الاستعمال بين الكبير وفي السن الكبير في القدر كالعالم وبالنظر إلى المعنى الثاني يصح أن يسمي الشاب شيخا ، فقد اجتمعت الصفتان في المشار إليه لعدم تخالفهما فلم يلغ أحدهما فيصح الاقتداء . ونظيره لو قال هذه الكلبة طالق أو هذا الحمار حر تطلق المرأة ويعتق العبد كما صرحوا به مع أن المشار إليه وهو المرأة والعبد من غير جنس المسمى وهو الكلبة والحمار ، لكن لما كان في مقام الشتم يطلق الكلب والحمار على الإنسان مجازا لم يحصل اختلاف الجنس فلم تلغ الإشارة ، هذا ما ظهر لفهمي السقيم من فيض الفتاح العليم ( قوله وفي المجتبى إلخ ) وجهه أنه لما نوى الاقتداء بإمام مذهبه فإذا هو غيره فقد نوى الاقتداء بمعدوم كما قدمناه عن المنية فيما إذا نوى الاقتداء بزيد فإذا هو غيره . مطلب ما زيد في المسجد النبوي هل يأخذ حكمه ؟ ( قوله فائدة لما كان إلخ ) استنبط هذه الفائدة من مسألة الاقتداء شيخ الإسلام العيني في شرح البخاري كما في أحكام الإشارة من الأشباه . وأصل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح " { صلاة في مسجدي [ ص: 427 ] هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام } " ومعلوم أنه قد زيد في المسجد النبوي ; فقد زاد فيه عمر ثم عثمان ثم الوليد ثم المهدي ، والإشارة بهذا إلى المسجد المضاف المنسوب إليه صلى الله عليه وسلم ، ولا شك أن جميع المسجد الموجود الآن يسمى مسجده صلى الله عليه وسلم فقد اتفقت الإشارة والتسمية على شيء واحد ، فلم تلغ التسمية ، فتحصل المضاعفة المذكورة في الحديث فيما زيد فيه . وخصها الإمام النووي بما كان في زمنه صلى الله عليه وسلم عملا بالإشارة . وأما حديث " { لو مد مسجدي هذا إلى صنعاء كان مسجدي } " فقد اشتد ضعف طرقه ، فلا يعمل به في فضائل الأعمال كما ذكره السخاوي في المقاصد الحسنة ، وكان وجهه أنه جعل الإشارة لخصوص البقعة الموجودة يومئذ فلم تدخل فيها الزيادة ، ولا بد في دخولها من دليل . قلت : ويؤيده ما سيأتي في الأيمان من باب اليمين بالدخول عن البدائع : لو قال لا أدخل هذا المسجد فزيد فيه حصة فدخلها لم يحنث ما عقد يمينه على الإضافة وذلك موجود في الزيادة . وقد يجاب بأن ما نحن فيه من قبيل الثاني ، ويؤيده أن في بعض طرق الحديث بدون اسم الإشارة ، وعلى ذكرها فهي لا لتخصيص البقعة بل لدفع أن يتوهم دخول غير المسجد المدني من بقية المساجد التي تنسب إليه صلى الله عليه وسلم التي ذكرها أصحاب السير ، والله تعالى أعلم .




الخدمات العلمية