الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وغسل اليدين ) أسقط لفظ فرادى لعدم تقييد الفرض بالانفراد ( والرجلين ) الباديتين السليمتين ، فإن المجروحتين والمستورتين بالخف وظيفتهما المسح ( مرة ) لما مر ( مع المرفقين والكعبين ) على المذهب وما ذكروا من أن الثابت بعبارة النص غسل يد ورجل والأخرى بدلالته ، ومن البحث في إلى وفي القراءتين في - { أرجلكم } - قال في البحر لا طائل تحته بعد انعقاد الإجماع على ذلك [ ص: 99 ] ( ومسح ربع الرأس مرة ) فوق الأذنين ولو بإصابة مطر أو بلل باق بعد غسل على المشهور لا بعد مسح إلا أن يتقاطر ، ولو مد أصبعين لم يجز . [ ص: 100 ] إلا أن يكون مع الكف أو بالإبهام والسبابة مع ما بينهما أو بمياه ، ولو أدخل رأسه الإناء أو خفه أو جبيرته وهو محدث أجزأه ولم يصر الماء مستعملا وإن نوى اتفاقا على الصحيح كما في البحر عن البدائع .

التالي السابق


( قوله : أسقط لفظ فرادى ) تعريض بصاحب الدرر حيث قيد به . ا هـ . ح ، ومعناه غسل كل يد منفردة عن الأخرى ط .

( قوله : لعدم إلخ ) أي لأنه في صدد بيان فرائض الوضوء ، فيشعر كلامه بأن الانفراد لازم مع أنه لو غسلهما معا سقط الفرض .

( قوله : الباديتين ) أي الظاهرتين اللتين لا خف عليهما ط .

( قوله : فإن المجروحتين إلخ ) علة للتقييد بالقيدين السابقين على سبيل اللف والنشر المشوش ط .

( قوله : وظيفتهما المسح ) لكنه مختلف الكيفية كما يأتي ط .

( قوله : لما مر ) أي من أن الأمر لا يقتضي التكرار .

( قوله : مع المرفقين ) تثنية مرفق بكسر الميم وفتح الفاء وفيه العكس : اسم لملتقى العظمات عظم العضد وعظم الذراع ، وأشار المصنف إلى أن إلى في الآية بمعنى مع ، وهو مردود ; لأنهم قالوا إن اليد من رءوس الأصابع للمنكب ، فإن كانت إلى بمعنى مع وجب الغسل إلى المنكب ; لأنه كغسل القميص وكمه ، وغايته أنه كإفراد فرد من العام وذلك لا يخرج غيره بحر .

والجواب أن المراد من اليد في الآية من الأصابع إلى المرفق للإجماع على سقوط ما فوق ذلك ، وعدل عن التعبير بإلى المحتملة لدخول المرفقين والكعبين وعدمه إلى التعبير بمع الصريحة بالدخول للاحتراز عن القول بعدمه المشار إليه بقول الشارح على المذهب : أي خلافا لزفر ومن قال بقوله من أهل الظاهر ، وهو رواية عن مالك .

( قوله : والكعبين ) هما العظمان الناشزان من جانبي القدم أي المرتفعان كذا في المغرب وصححه في الهداية وغيرها ، وروى هشام عن محمد أنه في ظهر القدم عند مقعد الشراك ، قالوا : هو سهو من هشام ; لأن محمدا إنما قال ذلك في المحرم إذا لم يجد النعلين حيث يقطع خفيه أسفل من الكعبين وأشار محمد بيده إلى موضع القطع فنقله هشام إلى الطهارة ، وتمامه في البحر وغيره .

( قوله : وما ذكروا ) أي في الجواب عما أورد أنه ينبغي غسل يد ورجل ; لأن مقابلة الجمع بالجمع تقتضي انقسام الآحاد على الآحاد .

( قوله : بعبارة النص ) أي بصريحه المسوق له ط .

( قوله : بدلالته ) أي أنه مفهوم منه بطريق المساواة .

( قوله : ومن البحث في إلى ) أي في كونها تدخل الغاية أو لا تدخلها ، أو الأمر محتمل ، والمرجح القرائن وغير ذلك مما أطال به في البحر ط .

( قوله : وفي القراءتين ) أي قراءتي الجر والنصب في - { أرجلكم } - من حمل الجر على حالة التخفيف والنصب على غيرها ، أو أن الجر للجوار ; لأن المسح غير مغيا بالكعبين إلى آخر ما أطال به في الدرر وغيرها .

( قوله : قال في البحر لا طائل تحته ) أي لا فائدة فيه والجملة خبر " ما " في قوله وما ذكروا أفاده ط .

( قوله : بعد انعقاد الإجماع على ذلك ) أي على افتراض غسل كل واحدة من اليدين والرجلين ، وعلى دخول المرفقين والكعبين ، وغسل الرجلين لا مسحهما أفاده ح .

أقول : من استدل بالآية كالقدوري وغيره من أصحاب المتون يحتاج إلى ذلك ليتم دليله ، على أن في ثبوت [ ص: 99 ] الإجماع على دخول المرفقين كلاما ; لأنه في البحر أخذه من قول الإمام الشافعي : لا نعلم مخالفا في إيجاب دخول المرفقين في الوضوء . ورده في النهر بأن قول المجتهد لا أعلم مخالفا ليس حكاية للإجماع الذي يكون غيره محجوجا به ، فقد قال الإمام اللامشي في أصوله : لا خلاف أن جميع المجتهدين لو اجتمعوا على حكم واحد ووجد الرضا من الكل نصا كان ذلك إجماعا ، فأما إذا نص البعض وسكت الباقون لا عن خوف بعد اشتهار القول فعامة أهل السنة أن ذلك يكون إجماعا . وقال الشافعي : لا أقول إنه إجماع ، ولكن أقول لا أعلم فيه خلافا : وقال أبو هاشم من المعتزلة : لا يكون إجماعا ويكون حجة أيضا . ا هـ . وقدمنا أيضا عن شرح المنية أن غسل المرفقين والكعبين ليس بفرض قطعي بل هو فرض عملي كربع الرأس ; ولذا قال في النهر أيضا : لا يحتاج إلى دعوى الإجماع ; لأن الفروض العملية لا يحتاج في إثباتها إلى القاطع .

( قوله : ومسح ربع الرأس ) المسح لغة إمرار اليد على الشيء . وعرفا إصابة الماء العضو .

واعلم أن في مقدار فرض المسح روايات أشهرها ما في المتن . الثانية مقدار الناصية ، واختارها القدوري . وفي الهداية وهي الربع . والتحقيق أنها أقل منه . الثالثة مقدار ثلاثة أصابع رواها هشام عن الإمام ، وقيل هي ظاهر الرواية . وفي البدائع أنها رواية الأصول ، وصححها في التحفة وغيرها . وفي الظهيرية وعليها الفتوى . وفي المعراج أنها ظاهر المذهب واختيار عامة المحققين ، لكن نسبها في الخلاصة إلى محمد ، فيحمل ما في المعراج من أنها ظاهر المذهب على أنها ظاهر الرواية عن محمد توفيقا وتمامه في النهر والبحر .

والحاصل أن المعتمد رواية الربع ، وعليها مشى المتأخرون كابن الهمام وتلميذه ابن أمير الحج وصاحب النهر والبحر والمقدسي والمصنف والشرنبلالي وغيرهم .

( قوله : فوق الأذنين ) فلو مسح على طرف ذؤابة شدت على رأسه لم يجز مقدسي .

( قوله : أو بلل باق إلخ ) هذا إذا لم يأخذه من عضو آخر مقدسي ، فلو أخذه من عضو آخر لم يجز مطلقا بحر : أي سواء كان ذلك العضو مغسولا أو ممسوحا درر .

( قوله : على المشهور ) مقابله قول الحاكم بالمنع ، وخطأه عامة المشايخ ، وانتصر له المحقق ابن الكمال وقال الصحيح ما قاله الحاكم ، فقد نص الكرخي في جامعه الكبير على الرواية عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه إذا مسح رأسه بفضل غسل ذراعيه لم يجز إلا بماء جديد ; لأنه قد تطهر به مرة ا هـ وأقره في النهر .

( قوله : إلا أن يتقاطر ) كذا ذكره في الغرر ; لأنه كأخذ ماء جديد .

( قوله : ولو مد إلخ ) أي مد المسح حتى استوعب قدر الربع . وفي البدائع : لو وضع ثلاثة أصابع ولم يمدها جاز على رواية الثلاث أصابع لا الربع ، ولو مسح بها منصوبة غير موضوعة ولا ممدودة فلا ; لأنه لم يأت بالقدر المفروض : أي وهذا بالإجماع كما في النهر ، فلو مدها حتى بلغ القدر المفروض لم يجز عند علمائنا الثلاثة خلافا لزفر ، وكذا الخلاف في الإصبع والإصبعين إذا مدها وبلغ القدر المفروض ا هـ ملخصا : بقي ما إذا وضع ثلاث أصابع ومدها وبلغ الربع قال في الفتح ولم أر فيه إلا الجواز ، وتعقبه في النهر بقوله قد وقفت على ما هو المنقول يعني قول البدائع فلو مدها إلخ .

أقول : وفيه نظر ; لأن الضمير في قول البدائع فلو مدها إلخ عائد على المنصوبة : أي بأن مسح بأطرافها لا الموضوعة ، على أنه قال في البحر لو مسح بأطراف أصابعه والماء متقاطر جاز وإلا فلا ; لأنه إذا كان متقاطرا فالماء ينزل من أصابعه إلى أطرافها ، فإذا مده صار كأنه أخذ ماء جديدا كذا في المحيط ، وذكر في الخلاصة أنه يجوز مطلقا هو الصحيح . ا هـ . قال الشيخ إسماعيل : ونحوه في الواقعات والفيض .

( قوله : لم يجز ) قيل لأن البلة [ ص: 100 ] صارت مستعملة ، وهو مشكل بأن الماء لا يصير قبل الانفصال ، وبأنه يستلزم عدم الجواز بمد الثلاث على رواية الربع : وقيل لأنا مأمورون بالمسح باليد والأصبعان منها لا تسمى يدا بخلاف الثلاث ; لأنها أكثرها . وفيه أنه يقتضي تعيين الإصابة باليد ، وهو منتف بمسألة المطر : وقد يقال في العلة أن البلة تتلاشى وتفرغ قبل بلوغ قدر الفرض ، بخلاف ما لو مد الثلاث وتمامه في فتح القدير .

( قوله : إلا أن يكون مع الكف إلخ ) لأنهما مع الكف أو مع ما بين الإبهام والسبابة يصيران مقدار ثلاث أصابع أو أكثر ، فإذا مدهما وبلغ قدر الربع جاز ، أما بدون مد فيجوز على رواية الثلاث كما صرح به في التتارخانية .

( قوله : أو بمياه ) قال في البحر : ولو مسح بأصبع واحدة ثلاث مرات وأعادها إلى الماء في كل مرة جاز في رواية محمد ، أما عندهما فلا يجوز ا هـ أي على رواية الربع لا يجوز ، فما في الدر المنتقى من أنه يجوز اتفاقا فيه نظر ، كذا قيل : وأقول : فيه نظر ; لأن عبارته لو كان بمياه في مواضع مقدار الفرض جاز اتفاقا ، فقوله مقدار الفرض شامل لرواية الثلاث أصابع ، ولرواية الربع . وفي البدائع لو مسح بأصبع واحدة ببطنها وظهرها وجانبيها لم يذكر في ظاهر الراوية . واختلف المشايخ ، فقال بعضهم لا يجوز ، وقال بعضهم يجوز وهو الصحيح ; لأن ذلك في معنى المسح بثلاث أصابع . ا هـ . قال في البحر : ولا يخفى أنه لا يجوز على المذهب من اعتبار الربع ، وما في شرح المجمع لابن ملك من أنه لا يجوز اتفاقا في الأصح ففيه نظر . ا هـ .

( قوله : أجزأه ) أي إن أصاب الماء قدر الفرض ط .

( قوله : ولم يصر الماء مستعملا ) لأن الماء لا يعطى له الاستعمال إلا بعد الانفصال ، والذي لاقى الرأس أي وأخويه أي الخف والجبيرة لصق به فطهره وغيره لم يلاقه فلا يستعمل ، وفيه نظر كذا في الفتح .

( قوله : اتفاقا ) أي بين الصاحبين .

( قوله : على الصحيح ) قيد للاتفاق ، ومقابله ما قيل إنه لو نوى لا يجزئ عند محمد .




الخدمات العلمية