الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو ) قال له ( علي أو ) له ( قبلي ) فهو ( إقرار بدين ) لأن علي للإيجاب وقبلي للضمان غالبا ( وصدق إن وصل به هو وديعة ) لأنه يحتمله مجازا ( وإن فصل لا ) يصدق لتقرره بالسكوت [ ص: 593 ] ( عندي أو معي أو في بيتي أو ) في ( كيسي أو ) في ( صندوقي ) إقرارا بالأمانة عملا بالعرف ( جميع مالي أو ما أملكه له ) أو له من مالي أو من دراهمي كذا فهو ( هبة لا إقرار ) ولو عبر بفي مالي أو بفي دراهمي كان إقرارا بالشركة ( فلا بد ) لصحة الهبة ( من التسليم ) بخلاف الإقرار . والأصل أنه متى أضاف المقر به إلى ملكه كان هبة ولا يرد ما في بيتي لأنها إضافة نسبة لا ملك ، ولا الأرض التي حدودها كذا لطفلي فلان فإنه هبة ، وإن لم يقبضه ، لأنه في يده إلا أن يكون مما يحتمل القسمة ، فيشترط قبضه - [ ص: 594 ] مفرزا للإضافة تقديرا بدليل قول المصنف : أقر لآخر بمعين ولم يضفه لكن من المعلوم لكثير من الناس أنه ملكه فهل يكون إقرارا أو تمليكا ينبغي الثاني فيراعى فيه شرائط التمليك فراجعه .

التالي السابق


( قوله أو قبلي ) في بعض النسخ وقبلي [ ص: 593 ] قوله : عندي أو معي ) كأنه في عرفهم كذلك أما العرف اليوم في عندي ومعي للدين لكن ذكروا علة أخرى تفيد عدم اعتبار عرفنا . قال السائحاني نقلا عن المقدسي ; لأن هذه المواضع محل العين لا الدين ; إذ محله الذمة ، والعين يحتمل أن تكون مضمونة وأمانة والأمانة أدنى ، فحمل عليها والعرف يشهد له أيضا فإن قيل : لو قال علي مائة وديعة دين أو دين وديعة لا تثبت الأمانة مع أنها أقلهما ، أجيب : بأن أحد اللفظين إذا كان للأمانة ، والآخر للدين ، فإذا اجتمعا في الإقرار يترجح الدين ا هـ أي بخلاف اللفظ الواحد المحتمل لمعنيين ( قوله بالشركة ) قال المقدسي ثم إن كان متميزا فوديعة وإلا فشركة سائحاني ، فكان عليه أن يقول أو الوديعة ( قوله بخلاف الإقرار ) فإنه لو كان إقرارا لا يحتاج إلى التسليم ( قوله : متى أضاف ) ينبغي تقييده بما إذا لم يأت بلفظ في كما يعلم مما قبله ( قوله : المقر به ) بضم الميم وفتح القاف وتشديد الراء ( قوله كان هبة ) لأن قضية الإضافة تنافي حمله على الإقرار الذي هو إخبار لا إنشاء ، فيجعل إنشاء فيكون هبة فيشترط فيه ما يشترط في الهبة منح إذا قال : اشهدوا أني قد أوصيت لفلان بألف ، وأوصيت أن لفلان في مالي ألفا فالأولى وصية ، والأخرى إقرار .

وفي الأصل : إذا قال في وصيته سدس داري لفلان فهو وصية ، ولو قال : لفلان سدس في داري فإقرار ; لأنه في الأول جعل له سدس دار جميعا مضاف إلى نفسه وإنما يكون ذلك بقصد التمليك ، وفي الثاني : جعل دار نفسه ظرفا للسدس الذي كان لفلان وإنما تكون داره ظرفا لذلك السدس إذا كان السدس مملوكا لفلان قبل ذلك فيكون إقرارا . أما لو كان إنشاء لا يكون ظرفا لأن الدار كلها له ، فلا يكون البعض ظرفا للبعض ، وعلى هذا إذا قال له ألف درهم من مالي فهو وصية استحسانا إذا كان في ذكر الوصية وإن قال : في مالي فهو إقرار ا هـ . من النهاية أول كتاب الوصية ، فقول المصنف فهو هبة أي إن لم يكن في ذكر الوصية ، وفي هذا الأصل خلاف كما ذكره في المنح وسيأتي في متفرقات الهبة عن البزازية وغيرها الدين الذي لي على فلان لفلان أنه إقرار واستشكله الشارح هناك وأوضحناه ثمة فراجعه ( قوله : ولا يرد ) أي على منطوق الأصل المذكور وقوله ولا الأرض : أي لا يرد على مفهومه وهو أنه إذا لم يضفه كان إقرارا ، وقوله للإضافة تقديرا علة لقوله ولا الأرض ( قوله ما في بيتي ) وكذا ما في منزلي ويدخل فيه الدواب التي يبعثها بالنهار للمساوم إليه بالليل وكذا العبيد كذلك كما في التتارخانية أي فإنه إقرار ( قوله لأنها إضافة ) أي فإنه أضاف الظرف لا المظروف المقر به ( قوله : ولا الأرض ) لا ورود لها على ما تقدم ; إذ الإضافة فيها إلى ملكه . نعم نقلها في المنح عن الخانية على أنها تمليك . ثم نقل عن المنتقى نظيرتها على أنها إقرار ، وكذا نقل عن القنية ما يفيد ذلك حيث قال : إقرار الأب لولده الصغير بعين من ماله تمليك إن أضافه إلى نفسه في الإقرار ، وإن أطلق فإقرار كما في : سدس داري وسدس هذه الدار ، ثم نقل عنها ما يخالفه .

ثم قال قلت : بعض هذه الفروع يقتضي التسوية بين الإضافة وعدمها فيفيد أن في المسألة خلافا ، ومسألة الابن الصغير يصح فيها الهبة بدون القبض : لأن كونه في يده قبض فلا فرق بين الإقرار والتمليك بخلاف الأجنبي ، ولو كان في مسألة الصغير شيء مما يحتمل القسمة ظهر الفرق بين الإقرار والتمليك في حقه أيضا لافتقاره إلى القبض مفرزا ا هـ . [ ص: 594 ]

ثم قال : وهنا مسألة كثيرة الوقوع وهي ما إذا أقر لآخر إلخ ما ذكره الشارح مختصرا .

وحاصله : أنه اختلف النقل في قوله : الأرض التي حدودها كذا لطفلي هل هو إقرار أو هبة ، وأفاد أنه لا فرق بينهما إلا إذا كان فيها شيء مما يحتمل القسمة ، فتظهر ثمرة الاختلاف في وجوب القبض وعدمه ، وكان مراد الشارح الإشارة إلى أن ما ذكره المصنف آخرا يفيد التوفيق بأن يحمل قول من قال : إنها تمليك على ما إذا كانت معلومة بين الناس أنها ملكه ، فتكون فيها الإضافة تقديرا وقول من قال : إنها إقرار على ما إذا لم تكن كذلك فقوله : ولا الأرض أي ولا ترد مسألة الأرض التي إلخ على الأصل السابق فإنها هبة أي لو كانت معلومة أنها ملكه للإضافة تقديرا لكن لا يحتاج إلى التسليم كما اقتضاه الأصل لأنها في يده وحينئذ يظهر دفع الورود تأمل ( قوله مفرزا للإضافة ) في بعض النسخ يوجد هنا بين قوله مفرزا وقوله : للإضافة بياض وفي بعضها لفظ ا هـ ، وقدمنا قريبا أن قوله للإضافة علة لقوله : ولا الأرض ( قوله : فهل يكون إقرارا ) أقول : المفهوم من كلامهم أنه إذا أضاف المقر به أو الموهوب إلى نفسه كان هبة ، وإلا يحتمل الإقرار والهبة ، فيعمل بالقرائن لكن يشكل على الأول ما عن نجم الأئمة البخاري أنه إقرار في الحالتين وربما يوفق بين كلامهم ، بأن الملك إذا كان ظاهرا للملك ، فهو تمليك ، وإلا فهو إقرار إن وجدت قرينة ، وتمليك إن وجدت قرينة تدل عليه فتأمل فإنا نجد في الحوادث ما يقتضيه رملي ، وقال السائحاني : أنت خبير بأن أقوال المذهب كثيرة والمشهور هو ما مر من قول الشارح والأصل إلخ . وفي المنح عن السعدي : أن إقرار الأب لولده الصغير بعين ماله تمليك إن أضاف ذلك إلى نفسه فانظر لقوله بعين ماله ولقوله لولده الصغير فهو يشير إلى عدم اعتبار ما يعهد بل العبرة للفظ ا هـ .

قلت : ويؤيده ما مر من قوله ما في بيتي وما في الخانية جميع ما يعرف بي أو جميع ما ينسب إلي لفلان قال الإسكاف إقرار ا هـ فإن ما في بيته وما يعرف به وينسب إليه يكون معلوما لكثير من الناس ، أنه ملكه فإن اليد والتصرف دليل الملك ، وقد صرحوا بأنه إقرار وأفتى به في الحامدية وبه تأيد بحث السائحاني ، ولعله إنما عبر في مسألة الأرض بالهبة لعدم الفرق فيها بين الهبة والإقرار إذا كان ذلك لطفله ولذا ذكرها في المنتقى في جانب غير الطفل مضافة للمقر حيث قال : إذا قال أرضي هذه وذكر حدودها لفلان أو قال الأرض التي حدودها كذا لولدي فلان وهو صغير كان جائزا ، ويكون تمليكا فتأمل والله أعلم




الخدمات العلمية