الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والصغرى ربط صلاة المؤتم بالإمام [ ص: 550 ] بشروط عشرة : نية المؤتم الاقتداء ، واتحاد مكانهما وصلاتهما ، [ ص: 551 ] وصحة صلاة إمامه ، وعدم محاذاة امرأة ، وعدم تقدمه عليه بعقبه ، وعلمه بانتقالاته وبحاله من إقامة وسفر ، ومشاركته في الأركان ، وكونه مثله أو دونه فيها ، وفي الشرائط كما بسط في البحر ، قيل وثبوتها ب - { اركعوا مع الراكعين } - ومن حكمها نظام الألفة وتعلم الجاهل من العالم ( هي أفضل من الأذان ) عندنا خلافا للشافعي قاله العيني ، [ ص: 552 ]

وقول عمر : لولا الخلافة لأذنت أي مع الإمامة ، إذ الجمع أفضل : وقال بعضهم : أخاف إن تركت الفاتحة أن يعاتبني الشافعي أو قرأتها يعاتبني أبو حنيفة فاخترت الإمامة .

التالي السابق


( قوله ربط إلخ ) هكذا نقله صاحب النهر عن أخيه صاحب البحر ، ولا يظهر إلا تعريفا للاقتداء ، وذلك لأن الإمامة مصدر المبني للمجهول لأن الإمام هو المتبع ، ويدل على ذلك تعريف [ ص: 550 ] ابن عرفة لها بأنها اتباع الإمام في جزء من صلاته : أي أن يتبع بفتح الموحدة . وأما الربط المذكور ، إن كان مصدر ربط المبني للمعلوم فهو صفة المؤتم فيكون بمعنى الائتمام أي الاقتداء ، وإن كان مصدر المبني للمجهول فهو صفة صلاة المؤتم لأنها هي المربوطة ، وعلى كل حال لا يصلح تعريفا للإمامة بل للاقتداء . ا هـ . ط عن ح .

وأقول : بقي للربط معنى ثالث هو المراد ، وبه يندفع الإيراد ، وهو أن يراد به المعنى الحاصل بالمصدر وهو الارتباط .

وبيان ذلك أن الإمام لا يصير إماما إلا إذا ربط المقتدي صلاته بصلاته ، فنفس هذا الارتباط هو حقيقة الإمامة ، وهو غاية الاقتداء الذي هو الربط بمعنى الفاعل لأنه إذا ربط صلاته بصلاة إمامه حصل له صفة الاقتداء والائتمام وحصل لإمامه صفة الإمامة التي هي الارتباط ، هذا ما ظهر لفهمي القاصر ، والله تعالى أعلم ( قوله بشروط عشرة ) هذه الشروط في الحقيقة شروط الاقتداء ، وأما شروط الإمامة فقد عدها في نور الإيضاح على حدة فقال : وشروط الإمامة للرجال الأصحاء ستة أشياء : الإسلام والبلوغ والعقل والذكورة والقراءة والسلامة من الأعذار كالرعاف والفأفأة والتمتمة واللثغ وفقد شرط كطهارة وستر عورة . ا هـ . احترز بالرجال الأصحاء عن النساء الأصحاء فلا يشترط في إمامهن الذكورة ; وعن الصبيان فلا يشترط في إمامهم البلوغ ، وعن غير الأصحاء فلا يشترط في إمامهم الصحة ، لكن يشترط أن يكون حال الإمام أقوى من حال المؤتم أو مساويا ح .

أقول : قد علمت مما قدمناه أن الإمامة غاية الاقتداء ، فما لم يصح الاقتداء لم تثبت الإمامة ، فتكون الشروط العشرة التي ذكرها الشارح شروطا للإمامة أيضا من حيث توقف الإمامة عليها ، كما أن السنة المذكورة تصلح شروطا للاقتداء أيضا ، إذ لا يصح الاقتداء بدونها ، فالستة عشر كلها شروط لكل من الإمامة والاقتداء ، لكن لما كانت العشرة قائمة بالمقتدي والستة قائمة بالإمام حسن جعل العشرة شروطا للاقتداء والستة شروطا للإمامة فافهم واغتنم تحرير هذا المقام ، وقد نظمت هذه الشروط على هذا الوجه فقلت :

شروط اقتداء عشرة قد نظمتها بشعر كعقد الدر جاء منضدا تأخر مؤتم وعلم انتقال من
به ائتم مع كون المكانين واحدا وكون إمام ليس دون تبعه
بشرط وأركان ونية الاقتدا مشاركة في كل ركن وعلمه
بحال إمام حل أم سار مبعدا وأن لا تحاذيه التي معه اقتدت
وصحة ما صلى الإمام من ابتدا كذاك اتحاد الفرض هذا تمامها
وست شروط للإمامة في المدا بلوغ وإسلام وعقل ذكورة
قراءة مجز فقد حذر به بدا

( قوله نية المؤتم ) أي الاقتداء بالإمام ، أو الاقتداء به في صلاته أو الشروع فيها أو الدخول فيها بخلاف نية صلاة الإمام . وشرط النية أن تكون مقارنة للتحريمة أو متقدمة عليها بشرط أن لا يفصل بينها وبين التحريمة فاصل أجنبي كما تقدم في النية ح ( قوله واتحاد مكانهما ) فلو اقتدى راجل براكب أو بالعكس أو راكب براكب دابة أخرى لم يصح لاختلاف المكان ; فلو كانا على دابة واحدة صح لاتحاده كما في الإمداد ، وسيأتي .

وأما إذا كان بينها حائط فسيأتي أن المعتمد اعتبار الاشتباه لا اتحاد المكان ، فيخرج بقوله وعلمه بانتقالاته ، وسيأتي تحقيق هذه المسألة بما لا مزيد عليه ( قوله وصلاتهما ) أي واتحاد صلاتهما . قال في البحر : والاتحاد أن يمكنه الدخول في صلاته [ ص: 551 ] بنية صلاة الإمام فتكون صلاة الإمام متضمنة لصلاة المقتدي . ا هـ . فدخل اقتداء المتنفل بالمفترض لأن من لا فرض عليه لو نوى صلاة الإمام المفترض صحت نفلا ولأن النفل مطلق والفرض مقيد ، والمطلق جزء المقيد فلا يغايره كما في شرح المنية . وعبر في نور الإيضاح بقوله : وأن لا يكون مصليا فرضا غير فرضه ا هـ وهو أولى من عبارة الشارح فافهم ( قوله وصحة صلاة إمامه ) فلو تبين فسادها فسقا من الإمام أو نسيانا لمضي مدة المسح أو لوجود الحدث أو غير ذلك لم تصح صلاة المقتدي لعدم صحة البناء ; وكذا لو كانت صحيحة في زعم الإمام فاسدة في زعم المقتدى لبنائه الفاسد في زعمه فلا يصح ، وفيه خلاف وصحح كل . أما لو فسدت في زعم الإمام وهو لا يعلم به وعلمه المقتدي صحت في قول الأكثر وهو الأصح لأن المقتدي يرى جواز صلاة إمامه والمعتبر في حقه رأي نفسه رحمتي ( قوله وعدم محاذاة امرأة ) أي بشروطها الآتية ( قوله وعدم تقدمه عليه بعقبه ) فلو ساواه جاز وإن تقدمت أصابع المقتدي لكبر قدمه على قدم الإمام ما لم يتقدم أكثر القدم كما سيأتي .

وفي إمداد الفتاح : وتقدم الإمام بعقبه عن عقب المقتدي شرط لصحة اقتدائه ، حتى لو كان عقب المقتدي غير متقدم على عقب الإمام لكن قدمه أطول فتكون أصابعه قدام أصابع إمامه تجوز كما لو كان المقتدي أطول من إمامه فيسجد أمامه ا هـ وقوله حتى إلخ يشمل المساواة ، فلفظ التقدم الواقع في المتن غير مقصود رحمتي ( قوله وعلمه بانتقالاته ) أي بسماع أو رؤية للإمام أو لبعض المقتدين رحمتي وإن لم يتحد المكان ( قوله وبحاله إلخ ) أي علمه بحال إمامه من إقامة أو سفر قبل الفراغ أو بعده ، وهذا فيما لو صلى الرباعية ركعتين في مصر أو قرية ، فلو خارجها لا تفسد لأن الظاهر أنه مسافر فلا يحمل على السهو ، وكذا لو أتم مطلقا ، وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى في صلاة المسافر ( قوله ومشاركته في الأركان ) أي في أصل فعلها أعم من أن يأتي بها معه أو بعده لا قبله ، إلا إذا أدركه إمامه فيها ، فالأول ظاهر ، والثاني كما لو ركع إمامه ورفع ثم ركع هو فيصح ، والثالث عكسه فلا يصح إلا إذا ركع وبقي راكعا حتى أدركه إمامه ، فيصح لوجود المتابعة التي هي حقيقة الاقتداء وقد حققنا الكلام على المتابعة في أواخر واجبات الصلاة فراجعه ( قوله وكونه مثله أو دونه فيها ) أي في الأركان ; مثال الأول اقتداء الراكع والساجد بمثله والمومئ بهما بمثله ; ومثال الثاني اقتداء المومئ بالراكع والساجد ، واحترز به عن كونه أقوى حالا منه فيها كاقتداء الراكع والساجد بالمومئ بهما ح .

( قوله وفي الشرائط ) عطف على فيها : أي وكون المؤتم مثل الإمام أو دونه في الشرائط ; مثال الأول اقتداء مستجمع الشرائط بمثله والعاري بمثله ، ومثال الثاني اقتداء العاري بالمكتسي ، واحترز به عن كونه أقوى حالا منه فيها كاقتداء المكتسي بالعاري ح .

أقول : وفي القنية عن تأسيس النظر : وينبغي أن يجوز اقتداء الحرة بالأمة الحاسرة الرأس ا هـ أي لأنه غير عورة في حق الأمة فهو كرأس الرجل تأمل ( قوله كما بسط في البحر ) المراد به ما ذكره من الشروط العشرة ، لكن ليس هذا موجودا في أصل نسخ البحر ، وإنما يوجد بهامش بعض نسخه معزيا إلى خط مؤلفه ( قوله قيل وثبوتها إلخ ) وقيل معناه اخضعوا مع الخاضعين كما في البيضاوي ح ( قوله نظام الألفة ) بتحصيل التعاهد باللقاء في أوقات الصلوات بين الجيران بحر . والألفة : بضم الهمزة اسم الائتلاف ح عن القاموس ( قوله هي أفضل من الأذان ) أي على المعتمد ، وقيل بالعكس ، وقيل بالمساواة ( قوله خلافا للشافعي ) قدمنا في الأذان عن مذهبه [ ص: 552 ]

قولين مصححين : الأول كقولنا ، والثاني عكسه ( قوله وقول عمر إلخ ) أي لا دلالة فيه على أفضلية الأذان لأن مراده الجمع بينهما ، لكن اشتغال الخليفة بأمور العامة يمنعه عن مراقبة الأوقات فلذا اقتصر على الإمامة ( قوله وقال بعضهم إلخ ) ذكره الفخر الرازي في تفسير سورة المؤمنين . قال في البحر : وقد كنت أختارها لهذا المعنى بعينه قبل الاطلاع على هذا النقل ، والله الموفق ا هـ قلت : ومفاده أنها أفصل من الاقتداء




الخدمات العلمية