الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 338 ] ( الأكل ) للغذاء والشرب للعطش ولو من حرام أو ميتة أو مال غيره وإن ضمنه ( فرض ) يثاب عليه بحكم الحديث ، ولكن ( مقدار ما يدفع ) الإنسان ( الهلاك عن نفسه ) ومأجور عليه ( و ) هو مقدار ما ( يتمكن [ ص: 339 ] به من الصلاة قائما و ) من ( صومه ) مفاده جواز تقليل الأكل بحيث يضعف عن الفرض ، لكنه لم يجز كما في الملتقى وغيره . قلت : وفي المبتغى بالغين : الفرض بقدر ما يندفع به الهلاك ويمكن معه الصلاة قائما ا هـ فتنبه . ( ومباح إلى الشبع لتزيد قوته ، وحرام ) عبر في الخانية بيكره ( وهو ما فوقه ) أي الشبع وهو أكل طعام غلب على ظنه أنه أفسد معدته ، وكذا في الشرب قهستاني ( إلا أن يقصد قوة صوم الغد أو لئلا يستحي ضيفه ) أو نحو ذلك ، ولا تجوز الرياضة بتقليل الأكل حتى يضعف عن أداء العبادة ، ولا بأس بأنواع الفواكه وتركه أفضل . واتخاذ الأطعمة سرف ، وكذا وضع الخبز فوق الحاجة . [ ص: 340 ] و سنة الأكل البسملة أوله والحمد له آخره ، وغسل اليدين قبله وبعده ، ويبدأ بالشباب قبله وبالشيوخ بعده ملتقى

التالي السابق


( قوله الأكل للغذاء إلخ ) وكذا ستر العورة وما يدفع الحر والبرد الشرنبلالية ( قوله ولو من حرام ) فلو خاف الهلاك عطشا وعنده خمر له شربه قدر ما يدفع العطش إن علم أنه يدفعه بزازية ويقدم الخمر على البول تتارخانية ; وسيأتي تمام الكلام فيه ( قوله أو ميتة ) عطف خاص على عام ( قوله وإن ضمنه ) لأن الإباحة للاضطرار لا تنافي الضمان . وفي البزازية : خاف الموت جوعا ومع رفيقه طعام أخذ بالقيمة منه قدر ما يسد جوعته ، وكذا يأخذ قدر ما يدفع العطش ; فإن امتنع قاتله بلا سلاح ; فإن خاف الرفيق الموت جوعا أو عطشا ترك له البعض ; وإن قال له آخر اقطع يدي وكلها لا يحل ، لأن لحم الإنسان لا يباح في الاضطرار لكرامته ( قوله يثاب عليه إلخ ) قال في الشرنبلالية عن الاختيار : قال صلى الله عليه وسلم " { إن الله ليؤجر في كل شيء حتى اللقمة يرفعها العبد إلى فيه } ، فإن ترك الأكل والشرب حتى هلك فقد عصى ; لأن فيه إلقاء النفس إلى التهلكة وإنه منهي عنه في محكم التنزيل ا هـ بخلاف من امتنع عن التداوي حتى مات إذ لا يتيقن بأنه يشفيه كما في الملتقى وشرحه [ ص: 339 ]

( قوله مفاده إلخ ) أي مفاد قوله ومأجور عليه ، فإن ظاهره أنه مندوب وبه صرح في متن الملتقى فيفيد جواز الترك ( قوله كما في الملتقى ) هو ما يذكره قريبا حيث قال : ولا تجوز الرياضة بتقليل الأكل حتى يضعف عن أداء العبادة ( قوله قلت إلخ ) تأييد لقوله لم يجز ( قوله فتنبه ) إشارة إلى المؤاخذة على المصنف وعلى ما ذكره في الملتقى أولا ( قوله ومباح ) أي لا أجر ولا وزر فيه ، فيحاسب عليه حسابا يسيرا لو من حل ، لما جاء : " { أنه يحاسب على كل شيء إلا ثلاثا : خرقة تستر عورتك ، وكسرة تسد جوعتك ، وحجر يقيك من الحر والقر } " وجاء " { حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ولا يلام على كفاف } " در منتقى ( قوله إلى الشبع ) بكسر الشين وفتح الباء وسكونها : ما يغذيه ويقوي بدنه قهستاني .

( قوله وحرام ) لأنه إضاعة للمال وإمراض للنفس : وجاء " { ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من البطن ، فإن كان ولا بد فثلث للطعام وثلث للماء وثلث للنفس ، وأطول الناس عذابا أكثرهم شبعا } " در منتقى . [ تتمة ] قال في تبيين المحارم : وزاد بعضهم مرتبتين أخريين مندوب ، وهو ما يعينه على تحصيل النوافل وتعليم العلم وتعلمه . ومكروه : وهو ما زاد على الشبع قليلا ولم يتضرر به ورتبة العابد التخيير بين الأكل المندوب والمباح وينوي به أن يتقوى به على العبادة فيكون مطيعا ، ولا يقصد به التلذذ والتنعم فإن الله تعالى ذم الكافرين بأكلهم للتمتع والتنعم . وقال - { والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم } - وقال عليه الصلاة والسلام " { المسلم يأكل في معى واحد والكافر في سبعة أمعاء } " رواه الشيخان وغيرهما ، وتخصيص السبعة للمبالغة والتكثير ، قيل هو مثل ضربه عليه الصلاة والسلام للمؤمن وزهده في الدنيا وللكافر وحرصه عليها ، فالمؤمن يأكل بلغة وقوتا والكافر يأكل شهوة وحرصا طلبا للذة ، فهذا يشبعه القليل وذاك لا يشبعه الكثير ا هـ .

( قوله عبر في الخانية بيكره ) لعل الأوجه الأول لأنه إسراف ، وقد قال تعالى - { ولا تسرفوا } - وهو قطعي الثبوت والدلالة تأمل ( قوله وهو أكل طعام إلخ ) عزاه القهستاني إلى أشربة الكرماني وغيره . قال ط وأفاد بذلك أنه ليس المراد بالشبع الذي تحرم عليه الزيادة ما يعد شبعا شرعا كما إذا أكل ثلث بطنه ( قوله إلا أن يقصد إلخ ) الظاهر أن الاستثناء منقطع بناء على ما ذكره من التأويل ، فإنه إذا غلب على ظنه إفساد معدته كيف يسوغ له ذلك مع أنه لو خاف المرض يحل له الإفطار ، إلا أن يقال المراد إفساد لا يحصل به زيادة إضرار تأمل ، وما ذكر استثناء من بعض المتأخرين كما أفاده في التتارخانية ( قوله أو لئلا يستحي ضيفه ) أي الحاضر معه الآتي بعدما أكل قدر حاجته قهستاني ( قوله أو نحو ذلك ) كما إذا أكل أكثر من حاجته ليتقايأه قال الحسن لا بأس به قال : رأيت أنس بن مالك رضي الله عنه يأكل ألوانا من الطعام ويكثر ثم يتقايأ وينفعه ذلك خانية .

( قوله عن أداء العبادة ) أي المفروضة قائما فلو على وجه لا يضعفه فمباح در منتقى ( قوله وتركه أفضل ) كي لا تنقص درجته ، ويدخل تحت قوله تعالى - { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا } - والتصدق بالفضل أفضل تكثيرا للحسنات در منتقى ( قوله واتخاذ الأطعمة سرف ) [ ص: 340 ] إلا إذا قصد قوة الطاعة أو دعوة الأضياف قوما بعد قوم قهستاني ( قوله وسنة الأكل إلخ ) فإن نسي البسملة فليقل بسم الله على أوله وآخره اختيار ، وإذا قلت بسم الله فارفع صوتك حتى تلقن من معك ، ولا يرفع بالحمد إلا أن يكونوا فرغوا من الأكل تتارخانية ، وإنما يسمي إذا كان الطعام حلالا ويحمد في آخره كيفما كان قنية ط .

( قوله وغسل اليدين قبله ) لنفي الفقر ولا يمسح يده بالمنديل ليبقى أثر الغسل وبعده لنفي اللمم ويمسحها ليزول أثر الطعام ، وجاء أنه بركة الطعام ، ولا بأس به بدقيق ، وهل غسل فمه للأكل سنة كغسل يده ، الجواب لا لكن يكره للجنب قبله ، بخلاف الحائض در منتقى ، ومثله في التتارخانية ( قوله ويبدأ ) أي في الغسل كما في التتارخانية ( قوله بالشباب قبله ) لأنهم أكثر أكلا والشيوخ أقل در منتقى ( قوله وبالشيوخ بعده ) لحديث " { ليس منا من لم يوقر كبيرنا } " وهذا من التوقير ط . [ تتمة ] يكره وضع المملحة والقصعة على الخبز ومسح اليد أو السكين به ولا يعلقه بالخوان ، ولا بأس بالأكل متكئا أو مكشوف الرأس في المختار ، ومن الإسراف أن يأكل وسط الخبز ويدع حواشيه أو يأكل ما انتفخ منه إلا أن يكون غيره يأكل ما تركه فلا بأس به كما لو اختار رغيفا دون رغيف . ومن إكرام الخبز أن لا ينتظر الإدام إذا حضر ، وأن لا يترك لقمة سقطت من يده فإنه إسراف بل ينبغي أن يبتدئ بها .

ومن السنة أن لا يأكل من وسط القصعة فإن البركة تنزل في وسطها ، وأن يأكل من موضع واحد لأنه طعام واحد ، بخلاف طبق فيه ألوان الثمار فإنه يأكل من حيث شاء لأنه ألوان ; بكل ذلك ورد الآثار ، ويبسط رجله اليسرى وينصب اليمنى ، ولا يأكل الطعام حارا ولا يشمه . وعن الثاني أنه لا يكره النفخ في الطعام إلا بما له صوت نحو أف وهو محمل النهي . ويكره السكوت حالة الأكل لأنه تشبه بالمجوس ويتكلم بالمعروف . وقال عليه الصلاة والسلام " { من أكل من قصعة ثم لحسها تقول له القصعة أعتقك الله من النار كما أعتقتني من الشيطان } " وفي رواية أحمد " { استغفرت له القصعة } " ومن السنة البداءة بالملح والختم به بل فيه شفاء من سبعين داء ، ولعق القصعة وكذا الأصابع قبل مسحها بالمنديل وتمامه في الدر المنتقى والبزازية وغيرهم




الخدمات العلمية