الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ويكره حضورهن الجماعة ) ولو لجمعة وعيد ووعظ ( مطلقا ) ولو عجوزا ليلا ( على المذهب ) المفتى به لفساد الزمان ، واستثنى الكمال بحثا العجائز والمتفانية ( كما تكره إمامة الرجل لهن في بيت ليس معهن رجل غيره ولا محرم منه ) كأخته ( أو زوجته أو أمته ، أما إذا كان معهن واحد ممن ذكر أو أمهن في المسجد لا ) يكره بحر ( ويقف الواحد ) ولو صبيا ، أما الواحدة فتتأخر ( محاذيا ) أي مساويا ( ليمين إمامه ) [ ص: 567 ] على المذهب ، ولا عبرة بالرأس بل بالقدم ، فلو صغيرا فالأصح ما لم يتقدم أكثر قدم المؤتم لا تفسد ، فلو وقف عن يساره كره ( اتفاقا وكذا ) يكره ( خلفه على الأصح ) لمخالفة السنة ( والزائد ) يقف ( خلفه ) فلو توسط اثنين كره تنزيها وتحريما لو أكثر ، ولو قام واحد بجنب الإمام وخلفه صف [ ص: 568 ] كره إجمالا ( ويصف ) أي يصفهم الإمام بأن يأمرهم بذلك . قال الشمني : وينبغي أن يأمرهم بأن يتراصوا ويسدوا الخلل ويسووا مناكبهم ويقف وسطا ،

التالي السابق


( قوله ولو عجوزا ليلا ) بيان للإطلاق : أي شابة أو عجوزا نهارا أو ليلا ( قوله على المذهب المفتى به ) أي مذهب المتأخرين . قال في البحر : وقد يقال هذه الفتوى التي اعتمدها المتأخرون مخالفة لمذهب الإمام وصاحبيه ، فإنهم نقلوا أن الشابة تمنع مطلقا اتفاقا . وأما العجوز فلها حضور الجماعة عند الإمام إلا في الظهر والعصر والجمعة أي وعندهما مطلقا ، فالإفتاء بمنع العجائز في الكل مخالف للكل ، فالاعتماد على مذهب الإمام . ا هـ .

قال في النهر : وفيه نظر ، بل هو مأخوذ من قول الإمام وذلك أنه إنما منعها لقيام الحامل وهو فرط الشهوة بناء على أن الفسقة لا ينتشرون في المغرب لأنهم بالطعام مشغولون وفي الفجر والعشاء نائمون ; فإذا فرض انتشارهم في هذه الأوقات لغلبة فسقهم كما في زماننا بل تحريهم إياها كان المنع فيها أظهر من الظهر . ا هـ . قلت : ولا يخفى ما فيه من التورية اللطيفة . وقال الشيخ إسماعيل : وهو كلام حسن إلى الغاية ( قوله واستثنى الكمال إلخ ) أي مما أفتى به المتأخرون لعدم العلة السابقة فيبقى الحكم فيه على قول الإمام فافهم ( قوله ليس معهن رجل غيره ) ظاهره أن الخلوة بالأجنبية لا تنتفي بوجود امرأة أجنبية أخرى وتنتفي بوجود رجل آخر تأمل ( قوله كأخته ) من كلام الشارح كما رأيته في عدة نسخ ، وكذا بخطه في الخزائن كتبه بالأسود وأفاد أن المراد بالمحرم ما كان من الرحم ، لما قالوا من كراهة الخلوة بالأخت رضاعا والصهرة الشابة تأمل .

( قوله أو زوجته أو أمته ) بالرفع عطفا على رجل أو محرم لا بالجر عطفا على أخته ; لما علمت أنه ليس من المتن وحينئذ فلا حاجة إلى دعوى تغلب المحرم فافهم ( قوله في المسجد ) لعدم تحقق الخلوة فيه ، ولذا لو اجتمع بزوجته فيه لا يعد خلوة كما يأتي رحمتي ( قوله أما الواحدة فتتأخر ) فلو كان معه رجل أيضا يقيمه عن يمينه والمرأة خلفهما ولو رجلان يقيمهما خلفه والمرأة خلفهما بحر ، وتأخر الواحدة محله إذا اقتدت برجل لا بامرأة مثلها ط عن البرجندي [ ص: 567 ] قوله على المذهب ) خلافا لما مر عن محمد من أنه يجعل أصابعه عند عقب الإمام بحر ، ويأمره الإمام بذلك : أي بالوقوف عن يمينه ولو بعد الشروع أشار إليه بيده لحديث { ابن عباس أنه قام عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم فأقامه عن يمينه } " سراج ( قوله بل بالقدم ) فلو حاذاه بالقدم ووقع سجوده مقدما عليه لكون المقتدي أطول من إمامه لا يضر ; ومعنى المحاذاة بالقدم المحاذاة بعقبه ، فلا يضر تقدم أصابع المقتدي على الإمام حيث حاذاه بالعقب ما لم يفحش التفاوت بين القدمين ، حتى لو فحش بحيث تقدم أكثر قدم المقتدي لعظم قدمه لا يصح كما أشار إليه بقوله ما لم يتقدم إلخ . قال في البحر : وأشار المصنف إلى أن العبرة إنما هو للقدم لا للرأس ، فلو كان الإمام أقصر من المقتدي يقع رأس المقتدي قدام الإمام يجوز بعد أن يكون محاذيا بقدمه أو متأخرا قليلا ، وكذا في محاذاة المرأة كما سيأتي ، وإن تفاوتت الأقدام صغرا وكبرا فالعبرة للساق والكعب والأصح ما لم يتقدم أكثر قدم المقتدي لا تفسد صلاته كما في المجتبى انتهى ، فما ذكره الشارح ليس مخالفا لما تقدم كما توهم رحمتي فافهم .

وفي القهستاني : هذا في غير المومئ ، والعبرة في المومئ للرأس حتى لو كان رأسه خلف إمامه ورجلاه قدام رجليه صح ، وعلى العكس لا يصح كما في الزاهدي وغيره انتهى .

أقول : وينبغي أن لا يكون قوله رأسه خلف إمامه قيدا ، بل كذلك إذا ساواه على قياس ما تقدم . وينبغي أيضا أن يكون هذا في المومئ المقتدي بصحيح أو بموم مثله وكان كل منهما قاعدا أو مستلقيا ورجلاه إلى القبلة ، أما لو على جنبه فيشترط كون المؤتم مضطجعا خلف ظهر إمامه ، ولا عبرة للرأس أصلا . [ تنبيه ]

إفراد القدم في كلام الشارح كغيره يفيد أن المحاذاة تعتبر بواحدة ، ولم أره صريحا . والظاهر أنه لو كان معتمدا على قدم واحد فالعبرة لها ; ولو على القدمين فإن كانت إحداهما محاذية والأخرى متأخرة فلا كلام في الصحة وإن كانت الأخرى متقدمة فهل يصح نظرا للمحاذية أو لا نظرا للمتقدمة ؟ محل نظر . والظاهر الثاني ترجيحا للحاظر على المبيح كما قالوا فيما لو كانت إحدى قوائم الصيد في الحل والأخرى في الحرم ، وقد رأيت فيه في كتب الشافعية اختلاف ترجيح .

[ فرع ] قال في منية المفتي : اقتدى على سطح وقام بحذاء رأس الإمام ، ذكر الحلواني أنه لا يجوز والسرخسي يجوز . مطلب هل الإساءة دون الكراهة أو أفحش منها ؟

( قوله كره اتفاقا ) الظاهر أن الكراهة تنزيهية لتعليلها في الهداية وغيرها بمخالفة السنة ، ولقوله في الكافي جاز وأساء ، وكذا نقله الزيلعي عن محمد ، لكن قدمنا في أول بحث سنن الصلاة اختلاف عبارتهم في أن الإساءة دون الكراهة أو أفحش منها ، ووفقنا بينها بأنها دون كراهة التحريم ، وأفحش من كراهة التنزيه ، فراجعه ( قوله والزائد خلفه ) عدل تبعا للوقاية عن قول الكنز والاثنان خلفه لأنه غير خاص بالاثنين ، بل المراد ما زاد على الواحد اثنان فأكثر ، نعم يفهم حكم الأكثر بالأولى . وفي القهستاني : وكيفيته أن يقف أحدهما بحذائه والآخر بيمينه إذا كان الزائد اثنين ، ولو جاء ثالث وقف عن يسار الأول ، والرابع عن يمين الثاني والخامس عن يسار الثالث ، وهكذا . ا هـ . وفيه إشارة إلى أن الزائد لو جاء بعد الشروع يقوم خلف الإمام ويتأخر المقتدي الأول ويأتي تمامه قريبا ( قوله كره تنزيها ) وفي رواية لا يكره ، والأولى أصح كما في الإمداد ( قوله وتحريما لو أكثر ) أفاد أن [ ص: 568 ] تقدم الإمام أمام الصف واجب كما أفاده في الهداية والفتح ( قوله كره إجماعا ) أي للمؤتم ، وليس على الإمام منها شيء ، ويتخلص من الكراهة بالقهقرى إلى خلف إن لم يكن المحل ضيقا على الظاهر ، وانظر هذا مع قولهم : لو كان مع الإمام واحد على الدكان والباقي دونه لا يكره ، وقد تزول المخالفة بأن تكون الثانية موضوعها إذا كان المؤتم خلفه ط .

أقول : لم أر التصريح بالواحد ، وإنما صرحوا بكراهة انفراد الإمام على الدكان ; ولو كان معه بعض القوم لا يكره ، فيمكن التوفيق بحمل البعض على جماعة من القوم ، فلا ينافي ما هنا . وأيضا قد صرحوا بكراهة قيام الواحد وحده وإن لم يجد فرجة تأمل . [ تتمة ]

إذا اقتدى بإمام فجاء آخر يتقدم الإمام موضع سجوده كذا في مختارات النوازل . وفي القهستاني عن الجلابي أن المقتدي يتأخر عن اليمين إلى خلف إذا جاء آخر . ا هـ . وفي الفتح : ولو اقتدى واحد بآخر فجاء ثالث يجذب المقتدي بعد التكبير ولو جذبه قبل التكبير لا يضره ، وقيل يتقدم الإمام ا هـ ومقتضاه أن الثالث يقتدي متأخرا ومقتضى القول بتقدم الإمام أنه يقوم بجنب المقتدي الأول . والذي يظهر أنه ينبغي للمقتدي التأخر إذا جاء ثالث فإن تأخر وإلا جذبه الثالث إن لم يخش إفساد صلاته ، فإن اقتدى عن يسار الإمام يشير إليهما بالتأخر ، وهو أولى من تقدمه لأنه متبوع ولأن الاصطفاف خلف الإمام من فعل المقتدين لا الإمام ، فالأولى ثباته في مكانه وتأخر المقتدي ، ويؤيده ما في الفتح عن صحيح مسلم { قال جابر سرت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة فقام يصلي فجئت حتى قمت عن يساره فأخذ بيدي فأدارني عن يمينه ، فجاء ابن صخر حتى قام عن يساره فأخذ بيديه جميعا فدفعنا حتى أقامنا خلفه } " ا هـ وهذا كله عند الإمكان وإلا تعين الممكن . والظاهر أيضا أن هذا إذا لم يكن في القعدة الأخيرة وإلا اقتدى الثالث عن يسار الإمام ولا تقدم ولا تأخر ( قوله الخلل ) هو انفراج ما بين الشيئين قاموس ، وهو على وزن جبل ط ( قوله ويقف وسطا ) قال في المعراج : وفي مبسوط بكر : السنة أن يقوم في المحراب ليعتدل الطرفان ، ولو قام في أحد جانبي الصف يكره ، ولو كان المسجد الصيفي بجنب الشتوي وامتلأ المسجد يقوم الإمام في جانب الحائط ليستوي القوم من جانبيه والأصح ما روي عن أبي حنيفة أنه قال : أكره أن يقوم بين الساريتين أو في زاوية أو في ناحية المسجد أو إلى سارية لأنه خلاف عمل الأمة . قال عليه الصلاة والسلام " { توسطوا الإمام وسدوا الخلل } " ومتى استوى جانباه يقوم عن يمين الإمام إن أمكنه وإن وجد في الصف فرجة سدها وإلا انتظر حتى يجيء آخر فيقفان خلفه ، وإن لم يجئ حتى ركع الإمام يختار أعلم الناس بهذه المسألة فيجذبه ويقفان خلفه ، ولو لم يجد عالما يقف خلف الصف بحذاء الإمام للضرورة ، ولو وقف منفردا بغير عذر تصح صلاته عندنا خلافا لأحمد . ا هـ . مطلب في الكراهة قيام الإمام في غير المحراب [ تنبيه ]

يفهم من قوله أو إلى سارية كراهة قيام الإمام في غير المحراب ، ويؤيده قوله قبله السنة أن يقوم في المحراب ، وكذا قوله في موضع آخر : السنة أن يقوم الإمام إزاء وسط الصف ، ألا ترى أن المحاريب ما نصبت إلا وسط المساجد وهي قد عينت لمقام الإمام ا هـ . والظاهر أن هذا في الإمام الراتب لجماعة كثيرة لئلا يلزم عدم قيامه في الوسط ، فلو لم يلزم ذلك لا يكره تأمل . [ ص: 569 ]

[ فرع ] ذكر في البدائع في بحث الصلاة في الكعبة أن الأفضل للإمام أن يقف في مقام إبراهيم




الخدمات العلمية