الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 425 ] من له أطفال ومال قليل لا يوصي بنفل .

من صلى أو تصدق يرائي به الناس [ ص: 426 ] لا يعاقب بتلك الصلاة ولا يثاب بها قيل هذا في الفرائض وعممه الزاهدي للنوافل لقولهم الرياء لا يدخل الفرائض .

التالي السابق


( قوله من له أطفال إلخ ) قال في نور العين عن مجمع الفتاوى لو الورثة صغارا فترك الوصية أفضل وكذا لو كانوا بالغين فقراء ولا يستغنون بالثلثين ، وإن كانوا أغنياء أو يستغنون بالثلثين فالوصية أولى وقدر الاستغناء عن أبي حنيفة إذا ترك لكل واحد أربعة آلاف درهم دون الوصية وعن الإمام الفضلي عشرة آلاف ا هـ . ( قوله ومن صلى أو تصدق إلخ ) اعلم أن إخلاص العبادة لله تعالى واجب والرياء فيها ، وهو أن يريد بها غير وجه الله تعالى حرام بالإجماع للنصوص القطعية ، وقد سمي عليه الصلاة والسلام الرياء : الشرك الأصغر ، وقد صرح الزيلعي بأن المصلي يحتاج إلى نية الإخلاص فيها ، وفي المعراج : أمرنا بالعبادة ولا وجود لها بدون الإخلاص المأمور به ، والإخلاص جعل أفعاله لله تعالى وذا لا يكون إلا بالنية ا هـ . وقال العلامة العيني في شرح البخاري : الإخلاص في الطاعة ترك الرياء ومعدنه القلب ا هـ . وهذه النية لتحصيل الثواب لا لصحة العمل لأن الصحة تتعلق بالشرائط والأركان والنية التي هي شرط لصحة الصلاة مثلا : أن يعلم بقلبه أي صلاة يصلي . قال في مختارات النوازل : وأما الثواب فيتعلق بصحة عزيمته وهو الإخلاص ، فإن من توضأ بماء نجس ولم يعلم به حتى صلى لم تجز صلاته في الحكم لفقد شرطه ، ولكن يستحق الثواب لصحة عزيمته وعدم تقصيره ا هـ .

فعلم أنه لا تلازم بين الثواب والصحة فقد يوجد الثواب بدون الصحة كما ذكر ، وبالعكس كما في الوضوء بلا نية فإنه صحيح ، ولا ثواب فيه ، وكذا لو صلى مرائيا لكن الرياء تارة يكون في أصل العبادة ، وتارة يكون في وصفها والأول هو الرياء الكامل المحيط للثواب من أصله كما إذا صلى لأجل الناس ، ولولا هم ما صلى ، وأما لو عرض له ذلك في أثنائها فهو لغو ، لأنه لم يصل لأجلهم بل صلاته كانت خالصة لله تعالى ، والجزء الذي عرض له فيه الرياء بعض تلك الصلاة الخالصة . نعم إن زاد في تحسينها بعد ذلك رجع إلى القسم الثاني ، فيسقط ثواب التحسين بدليل ما روي عن الإمام فيمن أطال الركوع لإدراك الجائي لا للقربة حيث قال : أخاف عليه أمرا عظيما أي الشرك الخفي كما قاله بعض المحققين . قال في التتارخانية : لو افتتح خالصا لله تعالى ، ثم دخل في قلبه الرياء فهو على ما افتتح والرياء أنه لو خلا عن الناس لا يصلي ، ولو كان مع الناس يصلي ، فأما إن كان مع الناس يحسنها ، ولو صلى وحده لا يحسن فله ثواب أصل الصلاة دون الإحسان ولا يدخل الرياء في الصوم .

وفي الينابيع قال إبراهيم بن يوسف : لو صلى رياء فلا أجر له وعليه الوزر . وقال بعضهم : لا أجر له ولا وزر عليه وهو كأنه لم يصل ا هـ . ، ولعله لم يدخل في الصوم ، لأنه لا يرى إذ هو إمساك خاص لا فعل فيه . نعم قد يدخل في إخباره وتحدثه به . تأمل .

واستدل له في الواقعات بقوله عليه الصلاة والسلام " { يقول الله تعالى الصوم لي وأنا أجزي به } " ففي شركة الغير وهذا لم يذكر في حق سائر الطاعات ا هـ .

ثم اعلم أن من الرياء التلاوة ونحوها بالأجرة ، لأنه أريد بها غير وجه الله تعالى ، وهو المال ولذا قالوا إنه لا ثواب بها لا للقارئ ولا للميت والآخذ والمعطي آثمان ، وقالوا أيضا إن من نوى الحج والتجارة لا ثواب له إن كانت نية التجارة غالبة أو مساوية .

وفي الذخيرة : إذا سعى لإقامة الجمعة وحوائج له في المصر فإن معظم مقصوده الأول فله ثواب السعي إلى الجمعة وإن الثاني فلا ا هـ . أي وإن تساويا تساقطا كما يعلم مما مر ، واختار هذا [ ص: 426 ] التفصيل الإمام الغزالي أيضا وغيره من الشافعية واختار منهم العز بن عبد السلام عدم الثواب مطلقا ( قوله لا يعاقب بتلك الصلاة ولا يثاب بها ) هو معنى ما نقله في الينابيع عن بعضهم ، وليس المراد أنه لا يعاقب على الرياء ، لأنه حرام من الكبائر فيأثم به ، وعليه يحمل ما مر عن إبراهيم بن يوسف من أنه لا أجر له وعليه الوزر ، وإنما المراد أنه لا يعاقب على تلك الصلاة عقاب تاركها لأنها صحيحة مسقطة للفرض كما قدمناه ، قال في البزازية : ولا رياء في الفرائض في حق سقوط الواجب .

قال في الأشباه : أفاد أن الفرائض مع الرياء صحيحة مسقطة للواجب ا هـ . وفي مختارات النوازل لصاحب الهداية : وإذا صلى رياء وسمعة تجوز صلاته في الحكم لوجود الشرائط والأركان ولكن لا يستحق الثواب ا هـ . أي ثواب المضاعفة قال في الذخيرة : قال الفقيه أبو الليث في النوازل قال بعض مشايخنا : الرياء لا يدخل في شيء من الفرائض وهذا هو المذهب المستقيم أن الرياء لا يفوت أصل الثواب وإنما يفوت تضاعف الثواب ا هـ . وفيه مخالفة لما قدمناه من أن الثواب يتعلق بصحة العزيمة إلا أن يحمل على هذا ، أو يحمل ما هنا على أن المراد من أصل الثواب سقوط الفرض بتلك الصلاة ، وعدم العقاب عليها عقاب تاركها وبه يظهر فائدة التخصيص بالفرائض فليتأمل ( قوله وعممه الزاهدي للنوافل ) أي جعله عاما في أنواع العبادات النوافل فقط دون الفرائض ، وليس المراد أنه عممه في النوافل والفرائض كما هو المتبادر من العبارة ، وإلا لم يصح التعليل الذي بعده فكان الأظهر أن يقول وخصصهالزاهدي بالنوافل ، وعبارة الزاهدي في المجتبى .

ولكن نص في الواقعات : أن الرياء لا يدخل في الفرائض فتعين النوافل ا هـ .

ثم اعلم أن ما ذكره الزاهدي لا ينافي ما قبله لأن المراد مما قبله كما قررناه أن الصلاة صحيحة مسقطة للواجب لا يؤثر الرياء في بطلانها ، بل في إعدام ثوابها ، وتخصيص الزاهدي النوافل معناه فيما يظهر أن الرياء يحبط ثوابها أصلا كأنه لم يصلها ، فإذا صلى سنة الظهر مثلا رياء لأجل الناس ولولاهم لم يصلها لا يقال أتى بها فيكون في حكم تاركها بخلاف الفرض ، فإنه ليس في حكم تاركه حتى لا يعاقب عقاب تاركه ، والفرق أن المقصود من النوافل الثواب لتكميل الفرائض وسد خللها هذا ما ظهر لفهمي القاصر والله تعالى أعلم .




الخدمات العلمية