الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وصح اقتداء متوضئ ) لا ماء معه ( بمتيمم ) ولو مع متوضئ بسؤر حمار مجتبى ( وغاسل بماسح ) ولو على جبيرة ( وقائم بقاعد ) يركع ويسجد ; { لأنه صلى الله عليه وسلم صلى آخر صلاته قاعدا وهم قيام وأبو بكر يبلغهم [ ص: 589 ] تكبيره } ، وبه علم جواز رفع المؤذنين أصواتهم في جمعة وغيرها يعني أصل الرفع ، أما ما تعارفوه في زماننا فلا يبعد أنه مفسد ، إذ الصياح ملحق بالكلام فتح ( وقائم بأحدب ) وإن بلغ حدبه الركوع على المعتمد ، وكذا بأعرج [ ص: 590 ] وغيره أولى ( وموم بمثله ) إلا أن يومي الإمام مضطجعا والمؤتم قاعدا أو قائما هو المختار ( ومتنقل بمفترض في غير التراويح ) في الصحيح خانية ، وكأنه لأنها سنة على هيئة مخصوصة ، فيراعى وضعها الخاص للخروج عن العهدة .

التالي السابق


( قوله وصح اقتداء متوضئ بمتيمم ) أي عندهما ، بناء على أن الخليفة عندهما بين الآلتين وهما الماء والتراب والطهارتان سواء .

وقال محمد : لا يصح في غير صلاة الجنازة بناء على أن الخليفة عنده بين الطهارتين ، فيلزم بناء القوي على الضعيف ، وتمامه في الأصول بحر ( قوله لا ماء معه ) أي مع المقتدي ; أما لو كان معه ماء فلا يصح الاقتداء ، وهذا القيد مبني على فرع إذا رأى المتوضئ المقتدي بمتيمم ماء في الصلاة لم يره الإمام فسدت صلاته لاعتقاده فساد صلاة إمامه لوجود الماء . وعند زفر لا تفسد ، وينبغي حمل الفساد على ما إذا ظن علم إمامه به لأن اعتقاده فساد صلاة إمامه بذلك ، كذا في الفتح ، وأقره في الحلية والبحر ، ونازعه في النهر ، وتبعه الشيخ إسماعيل بأن الزيلعي علل البطلان بأن إمامه قادر على الماء بإخباره ا هـ أي فكان اعتقاده فساد صلاة إمامه مبنيا على القدرة المذكورة . وينبغي كما قال في الحلية تقييد المسألة بما إذا كان تيممه لفقد الماء ، أما لو كان لعجزه عن استعماله لمرض ونحوه يصح الاقتداء مطلقا لأن وجود الماء حينئذ لا يبطل تيممه . [ تنبيه ]

ذكر في النهر عن المحيط أن المراد بالفساد هنا فساد الوصف ، حتى لو قهقهة المقتدي انتقض وضوءه عندهما خلافا لمحمد قال : وينبغي على ما اختاره الزيلعي أن يبطل الأصل أيضا إذ الفساد بفقد شرط وهو الطهارة ا هـ وتقدم الكلام على ذلك ( قوله ولو مع متوضئ بسؤر حمار ) أي ولو كان المتيمم جامعا بين التيمم والوضوء بسؤر مشكوك فيه ، ولا وجه للمبالغة هنا ، ومفهومه أنه لو أداها بالوضوء أولا لم يصح الاقتداء به في أدائها ثانيا بالتيمم وحده ، لعدم تحقق أداء الفرض به أفاده ط ( قوله ولو على جبيرة ) الأولى قوله في الخزائن على خف أو جبيرة ، إذ لا وجه للمبالغة هنا أيضا ، لأن المسح على الجبيرة أولى بالجواز ، لأنه كالغسل لما تحته . على أنه استبعد في النهر شمول ماسح له فجعله مفهوما بالأولى : أي فيدخل دلالة لا منطوقا تأمل ( قوله وقائم بقاعد ) أي قائم راكع ساجد أو موم ، وهذا عندهما خلافا لمحمد . وقيد القاعد بكونه يركع ويسجد لأنه لو كان موميا لم يجز اتفاقا ، والخلاف أيضا فيما عدا النفل ; أما فيه فيجوز اتفاقا ولو في التراويح في الأصح كما في البحر ( قوله لأنه صلى الله عليه وسلم إلخ ) [ ص: 589 ] الكلام على ذلك مبسوط في الفتح وحاشية نوح وغيرهما ، والغرض لنا معرفة الأحكام . مطلب في رفع المبلغ صوته زيادة على الحاجة

( قوله إذ الصياح ملحق بالكلام ) قال في الفتح بعده : وسيأتي أنه إذا ارتفع بكاؤه لمصيبة بلغته تفسد لأنه تعرض لإظهارها ; ولو صرح بها فقال : وامصيبتاه فسد فهو بمنزلته ، وهنا معلوم أن قصده إعجاب الناس به ، ولو قال : اعجبوا من حسن صوتي وتحريري فيه أفسد ، وحصول الحروف لازم من التلحين ا هـ ملخصا ، وأقره في النهر . واستحسنه في الحلية فقال : وقد أجاد فيما أوضح وأفاد ا هـ ولم أر من تعقبه سوى السيد أحمد الحموي في رسالته [ القول البليغ في حكم التبليغ ] بأنه صرح في السراج بأن الإمام إذا جهر فوق الحاجة فقد أساء ا هـ والإساءة دون الكراهة ولا توجب الإفساد وقياسه على البكاء غير ظاهر ، لأن هذا ذكر بصيغته فلا يتغير بعزيمته والمفسد للصلاة الملفوظ لا عزيمة القلب . مطلب القياس بعد عصر الأربعمائة منقطع فليس لأحد أن يقيس

على أن القياس بعد الأربعمائة منقطع فليس لأحد بعدها أن يقيس مسألة على مسألة كما ذكره ابن نجيم في رسائله . ا هـ . أقول : فيه نظر لأن الكمال لم يجعل الفساد مبنيا على مجرد الرفع حتى يرد عليه ما في السراج ، بل بناه على زيادة الرفع الملحق بالصياح ، حيث قال : فإنهم يبالغون في الصياح زيادة على حاجة الإبلاغ ، والاشتغال بتحريرات النغم إظهارا للصناعة النغمية لا إقامة للعبادة ، والصياح ملحق بالكلام ، وقوله وقياسه إلخ كلام ساقط ، لأن ما ذكره قول أبي يوسف ، حيث بنى عليه عدم الفساد ; فيما لو فتح المصلي على غير إمامه ، أو أجاب المؤذن ، أو أخبر بما يسره ، فقال : الحمد لله ، أو بما يعجبه فقال : سبحان الله على قصد الجواب ، ونحو ذلك مما سيأتي في مفسدات الصلاة .

والمذهب الفساد في الكل ، وهو قولهما لأنه تعليم وتعلم في الأولى ، وفيما بقي قد أخرج الكلام مخرج الجواب وهو يحتمله ، فإن مناط كونه من كلام الناس عندهما كونه لفظا أفيد به معنى ليس من أعمال الصلاة لا كونه وضع لإفادة ذلك ، وكونه لم يتغير بعزيمته ممنوع ; ألا ترى أن الجنب إذا قرأ على قصد الثناء جاز . وقد أوردوا على أصل أبي يوسف المذكور أشياء ، كما لو قال - { يا يحيى خذ الكتاب } - لمن اسمه يحيى وغير ذلك مما سيأتي في محله ، وحيث كان مناط الفساد عندهما كون اللفظ أفيد به معنى ليس من أعمال الصلاة كان ذلك قاعدة كلية يندرج تحتها أفراد جزئية منها مسألتنا هذه إذ لا شك أنه إذا لم يقصد الذكر بل بالغ في الصياح لأجل تحرر النغم والإعجاب بذلك يكون قد أفاد به معنى ليس من أعمال الصلاة ولا يكون ذلك من القياس بل هو تصريح بما تضمنه كلام المجتهد أو دل عليه دلالة المساواة . فالحق ما قاله المحقق ابن الهمام ومن تابعه من الأعلام كما بسطت ذلك قديما في رسالة سميتها تنبيه ذوي الأفهام على حكم التبليغ خلف الإمام فافهم ، وقدمنا مسائل متعلقة بالتبليغ أيضا في أول بحث سنن الصلاة فراجعها ( قوله وقائم بأحدب ) القائم هنا أيضا صادق بالراكع الساجد وبالمومي ح . وفيه عن القاموس : والحدب خروج الظهر ودخول الصدر والبطن من باب فرح . ا هـ . ( قوله على المعتمد ) هو قولهما وبه أخذ عامة العلماء خلافا لمحمد . وصحح في الظهيرية قوله ولا يخفى ضعفه فإنه ليس أدنى حالا من القاعد ، [ ص: 590 ] وتمامه في البحر ( قوله وغيره أولى ) مبتدأ وخبر : أي غير الأعرج كما في البحر ، وغير خاف أن هذا الحكم لا يخص الأعرج بل غير كل من المتيمم والقاعد والأحدب كذلك ح ( قوله وموم بمثله ) سواء كان الإمام يومئ قائما أو قاعدا بحر ( قوله إلا أن يومئ إلخ ) فإنه لا يجوز لقوة حال المأموم بحر ( قوله ومتنفل بمفترض ) لا يقال : النفل يغاير الفرض لأن النفل مطلق والفرض مقيد ، والمطلق جزء المقيد فلا يغايره شرح المنية ، والقراءة في الأخريين وإن كانت فرضا في النفل ونفلا في الفرض إلا أن صلاته بالاقتداء أخذت حكم الفرض تبعا لصلاة الإمام ، ولذا لو أفسدها بعد الاقتداء يقضيها أربعا قدمناه عن النهاية . [ تنبيه ]

قال القهستاني : وفي قوله ومتنفل بمفترض إشارة إلى أنه لا تكره جماعة النفل إذا أدى الإمام الفرض والمقتدي النفل ، وإنما المكروه ما إذا أدى الكل نفلا . ا هـ . قلت : ويدل له ما مر في حديث معاذ ( قوله في غير التراويح ) ما فيها فلا يصح الاقتداء بالمفترض على أنها تراويح ، بل يصح على أنها نفل مطلق ح ( قوله في الصحيح خانية ) أقول : ذكر ذلك في الخانية في باب صلاة التراويح فقال : إن نوى التراويح أو سنة الوقت أو قيام الليل في رمضان جاز ، وإن نوى الصلاة أو صلاة التطوع اختلف المشايخ فيه كاختلافهم في سنن المكتوبات . قال بعضهم : يجوز أداء السنن بذلك . وقال بعضهم : لا يجوز ، وهو الصحيح لأنها صلاة مخصوصة فيجب مراعاة الصفة للخروج عن العهدة ، وذلك بأن ينوي السنة أو متابعة النبي صلى الله عليه وسلم كما في المكتوبة ، فعلى هذا إذا صلى التراويح مقتديا بمن يصلي المكتوبة أو بمن يصلي نافلة غير التراويح اختلفوا فيه . والصحيح أنه لا يجوز ا هـ ومثله في الخلاصة والظهيرية . واستشكل في البحر قوله مقتديا بمن يصلي المكتوبة بأنه بناء الضعيف على القوي أي ومقتضاه الجواز . وأجاب في الشرنبلالية بأن ذلك ليس في عبارة الخانية . قلت : وكأنه ليس في نسخته لإسقاط الكاتب ، وإلا فقد رأيته فيها . وأجاب أيضا بأن المراد من نفي الجواز نفي الكمال . أقول : ولا يخفى بعده ، بل الجواب أنه بنى تصحيح عدم الجواز على القول باشتراط نية التعيين في السنن الرواتب والتراويح كما هو صريح قوله فعلى هذا إلخ .

ولا يخفى أن الإمام حيث كان مفترضا أو متنفلا نفلا آخر لم توجد منه نية التراويح فلا تتأدى بنيته وإن عينها المقتدي كما صرح به العلامة قاسم في فتاواه . وعلى هذا باقي سنن الرواتب لا يصح الاقتداء بها بمفترض أو بمتنفل نفلا آخر ، فالظاهر أن تخصيص التراويح بالذكر في غير محله ، وإنما خصصها في الخاصية لكون الباب معقودا لها تأمل .

ثم اعلم أن ما ذكره المصنف هنا مخالف لما قدمه في شروط الصلاة بقوله وكفى مطلق نية الصلاة لنفل وسنة وتراويح ، وذكر الشارح هناك أنه المعتمد ، ونقلنا هناك عن البحر أنه ظاهر الرواية وقول عامة المشايخ وصححه في الهداية وغيرها ، ورجحه في الفتح . ونسبه إلى المحققين . قلت : فعلى هذا يصح الاقتداء في التراويح وغيرها بمفترض وغيره ، ومثلها سائر السنن الرواتب كما تفيده عبارة الخانية تأمل ( قوله وكأنه لأنها سنة إلخ ) تابع في ذلك المصنف في منحه ، وتقدم هذا التعليل في كلام الخانية على أنه علة لاشتراط نية التعيين في التراويح وغيرها من السنن ، ومفهوم كلامه أنه أراد بمراعاة الصفة تعيينها ، [ ص: 591 ] لقوله بأن ينوي السنة أو متابعة النبي صلى الله عليه وسلم فافهم




الخدمات العلمية