الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( أوصى بأن يطين قبره أو يضرب عليه قبة فهي باطلة ) كما في الخانية وغيرها ، وقدمناه عن السراجية وغيرها ، لكن قدمنا فيها في الكراهية أنه لا يكره تطيين القبور في المختار ، فينبغي أن يكون القول ببطلان الوصية بالتطيين مبنيا على القول بالكراهة لأنها حينئذ وصية بالمكروه قاله المصنف .

قلت : وكذا ينبغي أن يكون القول ببطلان الوصية لمن يقرأ عند قبره بناء على القول بكراهة القراءة على القبور أو بعدم [ ص: 691 ] جواز الإجارة على الطاعات . أما على المفتى به من جوازهما فينبغي جوازها مطلقا وتمامه في حواشي الأشباه من الوقف . وحرر في تنوير البصائر أنه يتعين المكان الذي عينه الواقف لقراء القرآن أو للتدريس ، فلو لم يباشر فيه لا يستحق المشروط له لما في شارح المنظومة : يجب اتباع شرط الواقف ، وبالمباشرة في غير المكان الذي عينه الواقف يفوت غرضه من إحياء تلك البقعة . قال : وتحقيقه في الدرة السنية في مسألة استحقاق الجامكية ا هـ

.

التالي السابق


( قوله لكن قدمنا إلخ ) استدراك على التطيين فقط ، ولم يتعرض لبناء القبة فهو مكروه اتفاقا ط ( قوله لأنها حينئذ وصية بالمكروه ) مقتضاه أنه يشترط لصحة الوصية عدم الكراهة ، وقدم أول الوصايا أنها أربعة أقسام وأنها مكروهة لأهل فسوق ، ومقتضى ما هنا بطلانها ، اللهم إلا أن يفرق بأن الوصية إما صلة أو قربة وليست هذه واحدة منهما فبطلت ، بخلاف الوصية لفاسق فإنها صلة لها مطالب من العباد فصحت وإن لم تكن قربة كالوصية لغني ، لأنها مباحة وليست قربة كما مر ، هذا ما ظهر لي وسيأتي في أول فصل وصايا الذمي ما يوضحه ( قوله بناء على القول بكراهة القراءة على القبور ) .

أقول : ليس كذلك لما في الولوالجية : لو زار قبر صديق أو قريب له وقرأ عنده شيئا من القرآن فهو حسن ، أما الوصية بذلك فلا معنى لها ولا معنى أيضا لصلة القارئ لأن ذلك يشبه استئجاره على قراءة القرآن وذلك باطل ، ولم يفعله أحد من الخلفاء . ا هـ بحروفه ، فقد صرح بحسن القراءة على القبر وببطلان الوصية فلم يكن مبنيا على القول بالكراهة ( قوله أو بعدم إلخ ) أي أو يكون مبنيا على القول بعدم جواز الإجارة على الطاعات ، وفي كونه مما أجيز [ ص: 691 ] الاستئجار عليه تأمل ، لأن ما أجازوه إنما أجازوه في محل الضرورة كالاستئجار لتعليم القرآن أو الفقه أو الأذان أو الإمامة خشية التعطيل لقلة رغبة الناس في الخير ، ولا ضرورة في استئجار شخص يقرأ على القبر أو غيره ا هـ رحمتي .

أقول : هذا هو الصواب ، وقد أخطأ في هذه المسألة جماعة ظنا منهم أن المفتى به عند المتأخرين جواز الاستئجار على جميع الطاعات مع أن الذي أفتى به المتأخرون إنما هو التعليم والأذان والإمامة ، وصرح المصنف في المنح في كتاب الإجارات وصاحب الهداية وعامة الشراح وأصحاب الفتاوى بتعليل ذلك بالضرورة وخشية الضياع كما مر ، ولو جاز على كل طاعة لجاز على الصوم والصلاة والحج مع أنه باطل بالإجماع ، وقد أوضحت ذلك في رسالة حافلة ذكرت نبذة منها في باب الإجارة الفاسدة ، والاستئجار على التلاوة وإن صار متعارفا فالعرف لا يجيزه لأنه مخالف للنص ، وهو ما استدل به أئمتنا كصاحب الهداية وغيره من قوله عليه الصلاة والسلام " { اقرءوا القرآن ولا تأكلوا به } " والعرف إذا خالف النص يرد بالاتفاق فاحفظ ذلك ولا تكن ممن اشترى بآيات الله ثمنا قليلا وجعلها دكانا يتعيش منها ( قوله أما على المفتى به فينبغي جوازها مطلقا ) أي سواء كان القول بالبطلان مبنيا على كراهة القراءة على القبر أو على عدم جواز الاستئجار على الطاعات . أقول : وقد علمت مخالفة هذا البحث للمنقول فهو غير مقبول ، بل البطلان مبني على ما قدمناه عن الولوالجية وصرح به في الاختيار وكثير من الكتب وهو أنه يشبه الاستئجار على قراءة القرآن . والذي أفتى به المتأخرون جواز الاستئجار على تعليم القرآن لا على تلاوته خلافا لمن وهم . ( قوله فلو لم يباشر فيه إلخ ) أي مع إمكان المباشرة فيه ، لما في فتاوى الحانوتي : إذا شرط الواقف المعلوم لأحد يستحقه عند قيام المانع من العمل ولم يكن بتقصيره سواء كان ناظرا أو غيره كالجابي ا هـ وكذا المدرس إذا درس في مدرسة أخرى لتعذر التدريس في مدرسته كما نقله الشارح عن النهر بحثا قبيل الفروع في آخر كتاب الوقف ونحوه في حاشية الحموي ، والله تعالى أعلم

.



الخدمات العلمية