الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وصي أنفذ الوصية من مال نفسه رجع مطلقا ) وعليه الفتوى درر ( كوكيل أدى الثمن من ماله فإن له أن يرجع ، وكذلك ) ( الوصي إذا اشترى كسوة للصغير أو ) اشترى ( ما ينفق عليه من مال نفسه ) فإنه يرجع إذا أشهد على ذلك ، وفي البزازية : إنما شرط الإشهاد لأن قول الوصي في الإنفاق يقبل لا في حق الرجوع بلا إشهاد . انتهى فليحفظ .

قلت : لكن في القنية والخلاصة والخانية : له أن يرجع بالثمن وإن لم يشهد بخلاف الأبوين ، [ ص: 717 ] وسيجيء ما يفيده فتنبه ( أو قضى دين الميت ) الثابت شرعا ( أو كفنه ) أو أدى خراج اليتيم أو عشره ( من مال نفسه أو اشترى الوارث الكبير طعاما أو كسوة للصغير ) [ ص: 718 ] أو كفن الوارث الميت أو قضى دينه ( من مال نفسه ) فإنه يرجع ولا يكون متطوعا .

التالي السابق


( قوله رجع مطلقا ) قال في المنح : وقيل إن كان هذا الوصي وارث الميت يرجع في تركة الميت وإلا فلا ، وقيل إن كانت الوصية للعباد يرجع لأن لها مطالبا من جهة العباد فكان كقضاء الدين ، وإن كانت الوصية لله تعالى لا يرجع ، وقيل له أن يرجع على كل حال وعليه الفتوى كما في الدرر ، وفي البزازية هو المختار ا هـ ( قوله فإنه يرجع إذا أشهد على ذلك ) يعني على أنه أنفق ليرجع وهذا ما مشى عليه المصنف قبيل باب عزل الوكيل ( قوله لا في حق الرجوع ) ومثله قيم الوقف لأنهما يدعيان لأنفسهما دينا على اليتيم والوقف فلا يستحقانه بمجرد الدعوى كذا في أدب الأوصياء ( قوله قلت إلخ ) نقل في الشرنبلالية عن العمادية ما يوافق هذا وما يخالفه ، ثم قال : فقد اضطرب كلام أئمتنا في الرجوع مطلقا أو بالإشهاد عليه فليحرر ا هـ . [ ص: 717 ]

أقول : والتحرير ما في أدب الأوصياء عن المحيط أن في رجوع الوصي بلا إشهاد للرجوع اختلاف المشايخ ا هـ ونقل في أدب الأوصياء كلا من القولين عن عدة كتب وعن الخانية ، فقد اضطرب كلام الخانية أيضا ونقل عن الخلاصة اشتراط الإشهاد خلاف ما نقله الشارح عنها . ثم قال : وفي المنتقى بالنون : أنفق الوصي من مال نفسه على الصبي وللصبي مال غائب فهو متطوع في الإنفاق استحسانا إلا أن يشهد أنه قرض أو أنه يرجع به عليه لأن قول الوصي لا يقبل في الرجوع فيشهد لذلك ، وفي العتابية ويكفيه النية فيما بينه وبين الله تعالى . وفي المحيط عن محمد إذا نوى الأب الرجوع ونقد الثمن على هذه النية وسعه الرجوع فيما بينه وبين الله تعالى ، أما في القضاء فلا يرجع ما لم يشهد ومثله في المنتقى .

وفيه أيضا : ولو شرى الأب لطفله شيئا يجبر هو عليه كالطعام والكسوة لصغيره الفقير لم يرجع أشهد أو لم يشهد لأنه واجب عليه ، وإن شرى له ما لا يجب عليه كالطعام لابنه الذي له مال والدار والخادم رجع إن أشهد عليه وإلا فلا ، وعن أبي حنيفة في نحو الدار : إن كان للابن مال رجع إن أشهد وإلا لا ، وإن لم يكن له مال لم يرجع أشهد أو لا .

وفي الخانية : ولو شرى لطفله شيئا وضمن عنه ثم نقده من ماله يرجع قياسا لا استحسانا ا هـ .

قلت : فقد تحرر أن في المسألة قولين : أحدهما عدم الرجوع بلا إشهاد في كل من الأب والوصي ، والثاني اشتراط الإشهاد في الأب فقط ، ومثله الأم الوصي على أولادها ، وعللوه بأن الغالب من شفقة الوالدين الإنفاق على الأولاد للبر والصلة لا للرجوع ، بخلاف الوصي الأجنبي فلا يحتاج في الرجوع إلى الإشهاد ، وقد علمت أن القول الأول استحسان . والثاني قياس ، ومقتضاه ترجيح الأول وعليه مشى المصنف قبيل باب عزل الوكيل وهذا كله في القضاء ، والله تعالى أعلم ( قوله وسيجيء ) أي في آخر الفروع ما يفيده : أي يفيد اشتراط الرجوع في الأبوين بل هو صريح في ذلك ، فإن الذي سيجيء هو ما نقلناه ثانيا عن المنتقى ( قوله أو قضى دين الميت ) قال في أدب الأوصياء : وفي الخانية اشترط الإشهاد إذا قضاه بلا أمر الوارث ولم يشترطه في النوازل . وقال وهو المختار ، فإنه ذكر أن الوصي إذا نفذ الوصية من مال نفسه يرجع في مال الميت وهو المختار فتكون الرواية في الوصية رواية في الدين لأنه مقدم عليها ووجوب قضائه آكد من لزوم إنفاذها ا هـ وهو الموافق لما مر عن المنح والدرر من قوله فكان كقضاء الدين ( قوله أو كفنه ) أي كفن المثل ، وقد ذكر المصنف قبل الفصل أنه لو زاد الوصي على كفن المثل في العدد ضمن الزيادة وفي القيمة وقع الشراء له ( قوله أو أدى خراج اليتيم إلخ ) أي خراج أرضه ، وظاهره أنه يصدق بيمينه بلا إشهاد ، وفيه خلاف حكاه في أدب الأوصياء ( قوله أو اشترى الوارث الكبير إلخ ) كذا في الخانية ونصها أو اشترى الوارث الكبير طعاما أو كسوة للصغير من مال نفسه لا يكون متطوعا وكان له الرجوع في مال الميت والتركة ا هـ .

أقول : ولم يشترط الإشهاد مع أن في إنفاق الوصي خلافا كما مر ، وينبغي جريانه هنا بالأولى على أنه قد وقع الاختلاف في إنفاقه على الصغير نصيبه من التركة نفقة مثله في أنه يصدق أم لا قولان حكاهما الزاهدي في الحاوي ثم قال : والمختار للفتوى ما في وصايا المحيط برواية ابن سماعة عن محمد : مات عن ابنين صغير وكبير وألف درهم فأنفق على الصغير خمسمائة نفقة مثله فهو متطوع إذا لم يكن وصيا : ولو كان المشترك طعاما أو ثوبا وأطعمه الكبير الصغير أو ألبسه فاستحسن أن لا يكون على الكبير ضمان ا هـ . [ ص: 718 ]

وفي جامع الفتاوى ولو أنفق الأخ الكبير على أخيه الصغير من نصيبه من التركة ، إن كان طعاما لم يضمن ، وإن كان دراهم فكذلك إن كان في حجره ، وفي غير ذلك يضمن إن لم يكن وصيا ا هـ ومثله في التتارخانية ، وقدم المصنف في فصل البيع من كتاب الكراهية والاستحسان أنه يجوز شراء ما لا بد للصغير منه وبيعه لأخ وعم وأم وملتقط هو في حجرهم وإجارته لأمه فقط ا هـ ومثله في الهداية ، وعليه فيمكن حمل ما مر عن محمد على ما إذا لم يكن في حجره تأمل ، وعلى كل فما في الخانية مشكل إن لم يكن الكبير وصيا فليتأمل ( قوله أو كفن الوارث الميت ) كذا في الخانية أيضا ، وصرح فيها بأنه يرجع على التركة ، قلت : وهذا لو كفن المثل كما مر . [ تنبيه ]

أو مات ولا شيء له ووجب كفنه على ورثته فكفنه الحاضر من مال نفسه ليرجع على الغائب منهم بحصته ليس له الرجوع لو أنفق بلا إذن القاضي حاوي الزاهدي .

قال الرملي في حاشية الفصولين : ليستفاد منه أنه لو لم يجب عليهم كتكفين الزوجة إذا صرفه من ماله غير الزوج بلا إذنه أو إذن القاضي فهو متبرع كالأجنبي فيستثنى تكفينها ، بلا إذن مطلقا بناء على المفتى به من أنه على زوجها ولو غنية ( قوله أو قضى دينه ) أي الثابت شرعا وإلا فلا يرجع على الغائب ، وإن دفع من التركة فللغائب أن يسترد قدر حصته لأنه لم يثبت شرعا ، وكذا الوصي في الدين أو الوديعة ، وأما المهر ، فإن دخل الزوج بها منع عنها ما جرت العادة بتعجيله والقول في قدره للورثة ، وفيما زاد عليه القول للمرأة شرنبلالية عن العمادية ملخصا أي لو ادعى الورثة قدر ما جرت العادة بتعجيله فالقول لهم ، ولو ادعوا أزيد عليه فالقول للمرأة في نفي الزيادة




الخدمات العلمية