الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ فروع ]

يكره اشتمال الصماء والاعتجار والتلثم والتنخم وكل عمل قليل بلا عذر ; كتعرض لقملة قبل الأذى ، [ ص: 653 ] وترك كل سنة ومستحب ، وحمل الطفل ، وما ورد نسخ بحديث " { إن في الصلاة لشغلا } " .

التالي السابق


( قوله يكره اشتمال الصماء ) لنهيه عليه الصلاة والسلام عنها ، وهي أن يأخذ بثوبه فيخلل به جسده كله من رأسه إلى قدمه ولا يرفع جانبا يخرج يده منه ; سمي به لعدم منفذ يخرج منه يده كالصخرة الصماء وقيل أن يشتمل بثوب واحد ليس عليه إزار ، وهو اشتمال اليهود زيلعي . وظاهر التعليل بالنهي أن الكراهة تحريمية كما مر في نظائره ( قوله والاعتجار ) لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه ، وهو شد الرأس ، أو تكوير عمامته على رأسه وترك وسطه مكشوفا وقيل أن يتنقب بعمامته فيغطي أنفه إما للحر أو للبرد أو للتكبر إمداد ، وكراهته تحريمية أيضا لما مر ( قوله والتلثم ) وهو تغطية الأنف والفم في الصلاة لأنه يشبه فعل المجوس حال عبادتهم النيران زيلعي . ونقل ط عن أبي السعود أنها تحريمية ( قوله والتنخم ) هو إخراج النخامة بالنفس الشديد لغير عذر . وحكمه كالتنحنح في تفصيله كما في شرح المنية أي فإن كان بلا عذر وخرج به حرفان أو أكثر أفسد . وفي بعض النسخ والتختم ، والمراد به ليس الخاتم في الصلاة بعمل قليل ( قوله وكل عمل قليل إلخ ) تقدم الفرق بينه وبين الكثير ( قوله كتعرض . لقملة إلخ ) قال في النهر : ويكره قتل القمل عند الإمام . وقال محمد : القتل أحب إلي ، وأي ذلك فعل لا بأس به ، ولعل الإمام إنما اختار الدفن لما فيه من التنزه عن إصابة الدم يد القاتل أو ثوبه وإن كان معفوا عنه ، هذا إذا تعرضت القملة ونحوها بالأذى وإلا كره الأخذ فضلا عن غيره ، وهذا كله خارج المسجد ; أما فيه فلا بأس . [ ص: 653 ]

بالقتل بشرط تعرضها له بالأذى ، ولا يطرحها في المسجد بطريق الدفن أو غيره إلا إذا غلب على ظنه أنه يظفر بها بعد الفراغ من الصلاة ، وبهذا التفصيل يحصل الجمع بين ما سبق عن الإمام أنه يدفنها في الصلاة أي في غير المسجد ، وبين ما روي عنه أنه لو دفنها في المسجد أساء . ا هـ . وفي الإمداد عن الينبوع للسيوطي عن ابن العماد طرح القمل في المسجد ، إن كان ميتا حرم لنجاسته ، وإن كان حيا ففي كتب المالكية كذلك لأن فيه تعذيبا له بالجوع ، بخلاف البرغوث لأنه يأكل التراب ، وعلى هذا يحرم طرح القمل حيا في غير المسجد أيضا . ا هـ . قال في الإمداد : والمصرح به في كتبنا أنه لا يجوز إلقاء قشر القملة في المسجد . ا هـ .

قلت : الظاهر أن العلة تقذير المسجد وإلا فالمصرح به عندنا أن ما لا نفس له سائلة إذا مات في الماء لا ينجسه . مطلب في بيان السنة والمستحب والمندوب والمكروه وخلاف الأولى

( قوله وترك كل سنة ومستحب ) السنة قسمان : سنة هدي وهي المؤكدة وسنة زوائد . والمستحب غيره وهو المندوب ، أو هما قسمان . وقد يطلق عليه سنة وقدمنا تحقيق ذلك كله في سنن الوضوء . قال في البحر عند قوله وعلى بساط فيه تصاوير : الحاصل أن السنة إن كانت مؤكدة قوية لا يبعد كون تركها مكروها تحريما ، وإن كانت غير مؤكدة فتركها مكروه تنزيها . وأما المستحب أو المندوب فينبغي أن يكره تركه أصلا ، لقولهم ، يستحب يوم الأضحى أن لا يأكل أولا إلا من أضحيته ; ولو أكل من غيرها لم يكره ، فلم يلزم من ترك المستحب ثبوت الكراهة إلا أنه يشكل عليه قولهم المكروه تنزيها مرجعه إلى خلاف الأولى ، ولا شك أن ترك المستحب خلاف الأولى . ا هـ .

أقول : لكن صرح في البحر في صلاة العيد عند مسألة الأكل بأنه لا يلزم من ترك المستحب ثبوت الكراهة إذ لا بد لها من دليل خاص ا هـ وأشار إلى ذلك في التحرير الأصولي ، بأن خلاف الأولى ما ليس فيه صيغة نهي كترك صلاة الضحى بخلاف المكروه تنزيها . ا هـ . والظاهر أن خلاف الأولى أعم ، فكل مكروه تنزيها خلاف الأولى ولا عكس لأن خلاف الأولى قد لا يكون مكروها حيث لا دليل خاص كترك صلاة الضحى . وبه يظهر أن كون ترك المستحب راجعا إلى خلاف الأولى لا يلزم منه أن يكون مكروها إلا بنهي خاص لأن الكراهة حكم شرعي فلا بد له من دليل ، والله تعالى أعلم ( قوله وحمل الطفل ) أي لغير حاجة ( قوله وما ورد إلخ ) جواب سؤال هو أنه : كيف يكون مكروها وقد ورد في الصحيحين وغيرهما عن أبي قتادة " { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم فإذا سجد وضعها ، واذا قام حملها } " وقد أجيب عنه بأجوبة : منها ما ذكره الشارح أنه منسوخ بما ذكره من الحديث ، وهو مردود بأن حديث " { إن في الصلاة لشغلا } " كان قبل الهجرة ، وقصة أمامة بعدها ومنها ما في البدائع : أنه صلى الله عليه وسلم لم يكره منه ذلك لأنه كان محتاجا إليه لعدم من يحفظها ، أو للتشريع بالفعل أن هذا غير مفسد ، ومثله أيضا في زماننا لا يكره لواحد منا فعله عند الحاجة ، أما بدونها فمكروه . ا هـ . وقد أطال المحقق ابن أمير حاج في الحلية في هذا المحل ، ثم قال : إن كونه للتشريع بالفعل هو الصواب الذي لا يعدل عنه كما ذكره النووي ، فإنه ذكر بعضهم أنه بالفعل أقوى من القول ، ففعله ذلك لبيان الجواز ، وإن الآدمي طاهر ، وما في جوفه من النجاسة معفو عنه لكونه [ ص: 654 ] في معدنه ; وأن ثياب الأطفال - وأجسادهم طاهرة حتى تتحقق نجاستها ، وأن الأفعال إذا لم تكن متوالية لا تبطل الصلاة فضلا عن الفعل القليل - إلى غير ذلك ، وتمامه فيه . [ تتمة ]

بقي في المكروهات أشياء أخر ذكرها في المنية ونور الإيضاح وغيرهما : منها الصلاة بحضرة ما يشغل البال ويخل بالخشوع كزينة ولهو ولعب ، ولذلك كرهت بحضرة طعام تميل إليه نفسه وسيأتي في كتاب الحج قبيل باب القرآن يكره للمصلي جعل نحو نعله خلفه لشغل قلبه . ومنها ما في الخزائن تغطية الأنف والفم ، والهرولة للصلاة ، والاتكاء على حائط أو عصا في الفرض بلا عذر لا في النفل على الأصح ، ورفع يديه عند الركوع ، والرفع منه ، وما روي من الفساد شاذ وإتمام القراءة راكعا والقراءة في غير حالة القيام ; ورفع الرأس ووضعه قبل الإمام ، والصلاة في مظان النجاسة كمقبرة وحمام ; إلا إذا غسل موضعا منه ولا تمثال ; أو صلى في موضع نزع الثياب ، أو كان في المقبرة موضع أعد للصلاة ولا قبر ولا نجاسة فلا بأس كما في الخانية . ا هـ . وتقدم تمام هذا في بحث الأوقات المكروهة . وفي القهستاني : لا تكره الصلاة في جهة قبر إلا إذا كان بين يديه ; بحيث لو صلى صلاة الخاشعين وقع بصره عليه كما في جنائز المضمرات .




الخدمات العلمية