الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وفي الخلاصة : لو اشتغل ببيع أو شراء أو أكل أعادها وبلقمة أو شربة لا تبطل ; ولو جيء بطعام ، إن خاف ذهاب حلاوته أو بعضها تناوله ثم سنن إلا إذا خاف فوت الوقت ; ولو أخرها لآخر الوقت لا تكون سنة وقيل تكون .

[ فروع ] الإسفار بسنة الفجر أفضل وقيل لا . [ ص: 21 ] نذر السنن وأتى بالنذور فهو السنة ، وقيل لا . أراد النوافل ينذرها ثم يصليها ، وقيل لا . ترك السنن ، إن رآها حقا أثم وإلا كفر . [ ص: 22 ] والأفضل في النفل غير التراويح المنزل إلا لخوف شغل عنها والأصح أفضلية ما كان أخشع وأخلص .

التالي السابق


( قوله وفي الخلاصة إلخ ) الظاهر أنه استدراك على ما صححه في المتن تبعا للقنية لأن جزم الخلاصة بقوله أعادها يفيد أنها تسقط بقرينة قوله بعده لا تبطل : أي لا يبطل كونها سنة فإنه يفيد أن الإعادة لبطلان كونه سنة وإلا لم تصح المقابلة تأمل .

( قوله ولو جيء بطعام إلخ ) أفاد أن العمل المنافي إنما ينقص ثوابها أو يسقطها لو كان بلا عذر ، أما لو حضر الطعام وخاف ذهاب لذته لو اشتغل بالسنة البعدية فإنه يتناوله ثم يصليها لأن ذلك عذر في ترك الجماعة ، ففي تأخير السنة أولى إلا إذا خاف فوتها بخروج الوقت فإنه يصليها ثم يأكل ، هذا ما ظهر لي .

( قوله ولو أخرها إلخ ) أي بلا عذر بقرينة ما قبله .

( قوله وقيل تكون ) حكى القولين القنية ولم يعبر عن هذا الثاني بقيل بل أخره ، ولا يلزم من ذلك تضعيفه . ويظهر لي أنه الأصح ، وأن القول الأول مبني على القول بأنها تسقط بالعمل المنافي ، وهو ما حكاه الشارح بقيل إلا أن يدعي تخصيص الخلاف السابق بالسنة القبلية وهذا بالبعدية ، لكن يبعده أنه إذا كان الأصح في القبلية أنها لا تسقط مع إمكان تداركها بأن تعاد مقارنة للفرض تكون البعدية كذلك بالأولى لعدم إمكان التدارك فليتأمل .

( قوله وقيل لا ) يؤيده ما في البحر عن الخلاصة : السنة في ركعتي الفجر قراءة الكافرون والإخلاص ، والإتيان بها أول الوقت وفي بيته ، وإلا فعلى باب المسجد إلخ .

مبحث مهم في الكلام على الضجعة بعد سنة الفجر

وقال في شرح المنية : وهو الذي تدل عليه الأحاديث عن عائشة قالت { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سكت المؤذن من صلاة الفجر وتبين له الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة فيخرج } متفق عليه ا هـ وتمامه فيه .

[ تنبيه ] صرح الشافعية بسنية الفصل بين سنة الفجر وفرضه بهذه الضجعة أخذا من هذا الحديث ونحوه . وظاهر كلام علمائنا خلافه حيث لم يذكروها ، بل رأيت في موطإ الإمام محمد رحمه الله تعالى ما نصه : أخبرنا مالك عن نافع ، عن عبد الله بن عمر أنه رأى رجلا ركع ركعتي الفجر ثم اضطجع ، فقال ابن عمر : ما شأنه ؟ فقال نافع قلت : يفصل بين صلاته ، فقال ابن عمر : وأي فصل أفضل من السلام ؟ قال محمد : وبقول ابن عمر نأخذ وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى . ا هـ .

وقال شارحه المحقق منلا علي القارئ : وذلك لأن السلام إنما ورد للفصل ، وهو لكونه واجبا أفضل من سائر ما يخرج من الصلاة من الفعل والكلام ، وهذا لا ينافي ما سبق من { أنه عليه الصلاة والسلام كان يضطجع في آخر التهجد ، وتارة أخرى بعد ركعتي الفجر في بيته للاستراحة } ا هـ ثم قال : وقال ابن حجر المكي في شرح الشمائل : روى الشيخان { أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن } فتسن هذه الضجعة بين سنة الفجر وفرضه لذلك ، ولأمره صلى الله عليه وسلم كما رواه أبو داود وغيره بسند لا بأس به ، خلافا لمن [ ص: 21 ] نازع وهو صريح في ندبها لمن بالمسجد وغيره ، خلافا لمن خص ندبها بالبيت ، وقول ابن عمر إنها بدعة " وقول النخعي إنها ضجعة الشيطان وإنكار ابن مسعود لها فهو لأنه لم يبلغهم ذلك . وقد أفرط ابن حزم في قوله بوجوبها وأنها شرط لصلاة الصبح . ا هـ . ولا يخفى بعد عدم البلوغ إلى هؤلاء الأكابر الذين بلغوا المبلغ الأعلى لا سيما ابن مسعود الملازم له صلى الله عليه وسلم حضرا وسفرا وابن عمر المتفحص عن أحواله صلى الله عليه وسلم في كمال التتبع والاتباع . فالصواب حمل إنكارهم على العلة السابقة من الفصل أو على فعله في المسجد بين أهل الفضل ، وليس أمره صلى الله عليه وسلم على تقدير صحته صريحا ولا تلويحا على فعله بالمسجد ، إذ الحديث كما رواه أبو داود والترمذي وابن حبان عن أبي هريرة { إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع على جنبه الأيمن } فالمطلق محمول على المقيد . على أنه لو كان هذا في المسجد شائعا في زمانه صلى الله عليه وسلم لما كان يخفى على هؤلاء الأكابر الأعيان ا هـ وأراد بالمقيد ما مر من قوله بعد ركعتي الفجر في بيته .

وحاصله أن اضطجاعه عليه الصلاة والسلام إنما كان في بيته للاستراحة لا للتشريع ، وإن صح حديث الأمر بها الدال على أن ذلك للتشريع يحمل على طلب ذلك في البيت فقط توفيقا بين الأدلة ، والله تعالى أعلم .

( قوله فهو السنة ) لأن النذر لا يخرجها عن كونها سنة ; كما لو شرع فيها ثم قطعها ثم أداها كانت سنة وزادت وصف الوجوب بالقطع نهر عن عقد الفرائد .

( قوله أراد النوافل ) في القنية : أداء النفل بعد النذر أفضل من أدائه بدون النذر ا هـ قال في البحر : ويشكل عليه ما رواه مسلم في صحيحه من النهي عن النذر ، وهو مرجح لقول من قال لا ينذرها ، لكن بعضهم حمل النهي على النذر المعلق على شرط لأنه يصير حصول الشرط كالعوض للعبادة ، فلم يكن مخلصا . ووجه من قال بنذرها وإن كانت تصير واجبة بالشروع أن الشروع في النذر يكون واجبا فيحصل له ثواب الواجب به بخلاف النفل والأحسن عند العبد الضعيف أن لا ينذرها خروجا عن عهدة النهي بيقين . ا هـ .

مطلب في الكلام على حديث النهي عن النذر

أقول : لفظ حديث النهي كما رواه البخاري أيضا في صحيحه عن ابن عمر { نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر وقال إنه لا يرد شيئا وإنما يستخرج به من البخيل } والمتبادر منه إرادة النذر المعلق ، كإن شفى الله مريضي فلله علي كذا . ووجه النهي أنه لم يخلص من شائبة العوض حيث جعل القربة في مقابلة الشفاء ولم تسمح نفسه بها بدون المعلق عليه مع ما فيه من إيهام اعتقاد التأثير للنذر في حصول الشفاء ، فلذا قال في الحديث { إنه لا يرد شيئا } إلخ فإن هذا الكلام قد وقع موقع التعليل للنهي ، بخلاف النذر المنجز فإنه تبرع محض بالقربة لله تعالى وإلزام للنفس بما عساها لا تفعله بدونه فيكون قربة . والدليل على أن هذا النذر قربة عندنا ما صرح به في فتح القدير قبيل كتاب الحج : لو ارتد عقيب نذر الاعتكاف ثم أسلم لم يلزمه وجوب النذر لأن نفس النذر بالقربة قربة فيبطل بالردة كسائر القرب ا هـ والمراد به النذر المنجز لما قلنا . على أن بعض شراح البخاري حمل النهي في الحديث على من يعتقد أن النذر مؤثر في تحصيل غرضه المعلق عليه . والظاهر أنه أعم ، لقوله { وإنما يستخرج به من البخيل } والله أعلم .

[ تنبيه ] قيد بالنوافل فأفاد أن الأفضل في السنن عدم نذرها ، ولعل وجه أن السنن هي ما كان يفعلها صلى الله عليه وسلم قبل الفرائض أو بعدها ، والمطلوب من اتباعه صلى الله عليه وسلم على الوجه الذي كان يفعلها عليه ولم ينقل أنه كان ينذرها ، ولذا قيل بأنها لا تكون هي السنة ، فالأفضل عدم نذرها ، والله أعلم ( قوله وإلا كفر ) [ ص: 22 ] أي بأن استخف فيقول هي فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأنا لا أفعله شرح المنية وغيره ، وهذا في الترك ; وأما الإنكار فقدمنا الكلام عليه أول الباب .

( قوله والأفضل في النفل إلخ ) شمل ما بعد الفريضة وما قبلها لحديث الصحيحين { عليكم الصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة } وأخرج أبو داود { صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة } وتمامه في شرح المنية ، وحيث كان هذا أفضل يراعى ما لم يلزم منه خوف شغل عنها لو ذهب لبيته ، أو كان في بيته ما يشغل باله ويقلل خشوعه ، فيصليها حينئذ في المسجد لأن اعتبار الخشوع أرجح .

( قوله غير التراويح ) أي لأنها تقام بالجماعة ومحلها المسجد ، واستثنى في شرح المنية أيضا تحية المسجد ، وهو ظاهر .

أقول : ويستثنى أيضا ركعتا الإحرام والطواف ، فإن الأولى تصلى في مسجد عند الميقات إن كان كما في اللباب والثانية عند المقام ، وكذا ركعتا القدوم من السفر بخلاف إنشائه فإنها تصلى في البيت كما يأتي وكذا نفل المعتكف وكذا ما يخاف فوتها بالتأخير وكذا صلاة الكسوف لأنها تصلى بجماعة .




الخدمات العلمية