الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          ولا يكره البكاء عليه ، ولو بعد موته ( م ش ) لكثرة الأخبار ، وأخبار النهي محمولة على بكاء معه ندب أو نياحة ، قال صاحب المحرر : وإنه كره كثرة البكاء والدوام عليه أياما ، ويتوجه احتمال : يحمل النهي بعد الموت على ترك الأولى [ وقد قيل ] : [ ص: 290 ]

                                                                                                          عجبت لمن يبكي على فقد غيره دموعا ولا يبكي على فقده دما     وأعجب من ذا أن يرى عيب غيره
                                                                                                          عظيما وفي عينيه عن عيبه عمى

                                                                                                          قال جماعة : والصبر عنه أجمل ، وذكر شيخنا أنه يستحب ، رحمة للميت ، وأنه أكمل من الفرح ، كفرح الفضيل لما مات ابنه علي ، وفي الصحيحين : { لما فاضت عيناه عليه السلام لما رفع إليه ابن بنته ونفسه تقعقع كأنها في شنة ، أي لها صوت وحشرجة كصوت ماء ألقي في قربة بالية ، قال له سعد : ما هذا يا رسول الله ؟ قال هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده ، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء } .

                                                                                                          ويحرم الندب والنياحة ، نص عليهما ، والصراخ ، وخمش الوجه ، ونتف الشعر ونشره ، وشق الثوب ، ولطم الخدود ، ونحوه ( و ) زاد جماعة : والتحفي ، قال في الفصول : يحرم النحيب والتعداد والنياحة وإظهار الجزع ، وذكره ابن عبد البر في النياحة ( ع ) وأطلق بعضهم الكراهة ; لأنه { نهى عن النياحة ، فقالت أم عطية : إلا ال فلان فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية ، فلا بد لي من أن أسعدهم ، فقال إلا آل فلان } متفق عليه ، وهو خاص بها ، لخبر أنس : { لا إسعاد في الإسلام } رواه أحمد ; ولأنه معتاد فيه ما يحرم ، ولم ينهها مع حداثتها بالإسلام ، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز وعنه : يكره الندب والنوح الذي ليس فيه إلا تعداد المحاسن بصدق ، وذكر الشيخ أن عن أحمد [ ص: 291 ] ما يدل على إباحتهما ، وأنه اختيار الخلال وصاحبه ، وجزم صاحب المحرر أنه لا بأس بيسير الندب إذا كان صدقا ، ولم يخرج مخرج النوح ، ولا قصد نظمه ، نص عليه ، كفعل أبي بكر وفاطمة رضي الله عنهما .

                                                                                                          وجاءت الأخبار المتفق على صحتها بتعذيب الميت بالنياحة والبكاء عليه ، فحمله ابن حامد على ما إذا أوصى به ; لأن عادة العرب الوصية بفعله ، فخرج على عادتهم ، في شرح مسلم : هو قول الجمهور ، وهو ضعيف ، فإن سياق الخبر يخالفه ، ويأتي في آخر الباب ، وحمله الأثرم على من كذب به حتى يموت وقيل : يتأذى بذلك مطلقا ، واختاره شيخنا ، وقيل : يعذب .

                                                                                                          وقال في التلخيص : يتأذى بذلك إن لم يوص بتركه ، كما كان السلف يوصون ، ولم يعتبر كون النياحة عادة أهله : واختار صاحب المحرر أن من هو عادة أهله ولم يوص بتركه عذب ، لأنه متى ظن وقوعه ولم يوص فقد رضي ولم ينه مع قدرته .

                                                                                                          وما هيج المصيبة من وعظ وإنشاد شعر فمن النياحة ، قاله شيخنا ، ومعناه لابن عقيل في الفنون ، فإنه لما توفي ابنه عقيل قرأ قارئ { يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين } فبكى ابن عقيل وبكى الناس فقال للقارئ : يا هذا إن كنت تهيج الحزن فهو نياحة بالقرآن ، ولم ينزل للنوح بل له لتسكين الأحزان .

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          الخدمات العلمية