الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وإن أخذ الساعي فرضا مجمعا عليه ، لكنه مختلف هل هو عن الخليطين أو عن أحدهما ، عمل كل في التراجع بمقتضى مذهبه ; لأنه لا نقض فيه لفعل الساعي ، فعشرون خلطة لستين فيها ربع شاة ، فإذا أخذ الشاة من الستين رجع ربها بربع الشاة ( هـ م ) وإن أخذها من العشرين رجع ربها بثلاثة أرباعها ، لا بقيمتها كلها ( هـ م ) وهذه الصورة إن وقعت فنادرة ; لأن ما يأخذه باجتهاد أو تقليد عنهما أو عن أحدهما ، فتكون المسألة السابقة ، ولهذا لم يذكرها الأكثر .

                                                                                                          ولا تسقط زيادة مختلف فيها بأخذ الساعي مجمعا عليه ، كمائة وعشرين خلطة بينهما ، تلف ستون عقب الحول يأخذ نصف شاة ، بناء على تعلق الزكاة بالنصاب والعفو ، وجعلا للخلطة والتلف تأثيرا لزمهما إخراج نصف شاة ، ومذهب ( هـ ) يلزمهما إخراج شاة ; لأن الواجب عنده شاتان ، سقط بالتلف نصف ، واحدة ; لأن تعلق الوجوب بالنصاب دون العفو ، كذا ذكر هذه المسألة والتي قبلها في منتهى الغاية ، ومقتضى ما ذكره في الثانية : ولو كان ما أخذه في الأولى يراه عنهما أو عن أحدهما ، وهذا خلاف ما ذكره هو وغيره في المسألة الأولى . والساعي في هاتين المسألتين يقول : أنا أعلم الخلاف في هذا ، وأنا أجتهد [ ص: 404 ] فيه ، والواجب في هذا المال دون هذا ، والواجب كذا لا أكثر ، فآخذه للفرض ، ففعله وقوله اجتهاد ، في مختلف فيه ، فينبغي أن لا يخالف ولا ينقض ، كالمسألة الأولى ، وكبقية مسائل الاجتهاد ، لا سيما قول الشيخ : ما أداه اجتهاده إليه وجب دفعه ، وصار بمنزلة الواجب فيتعين . فوجوب دفع ما طلبه يمنع وجوب غيره ، وإلا فلو بقي غيره واجبا لم يتعين ; لأن باذله يكون باذلا للواجب ، ومن بذل الواجب لزم قبوله ولا تبعة عليه . ثم على ما ذكره صاحب المحرر في المسألة الثانية يأخذ ولاة الأمر الزكاة من إنسان طول عمره .

                                                                                                          ثم يؤخذ بعد ذلك بالقدر الزائد عن جميع ما مضى ، بل وبعد موته ، ولا سبيل إلى استقرار الأمر ، وهذا لا نظير له ، ونظير المسألة الجزية ، فيأخذ ولاة الأمر الجزية من إنسان طول عمره ، ثم يطالب بالقدر الزائد عن جميع ما مضى ، بل وبعد موته ، بل والآباء وإن علوا ، وهذا ظاهر الفساد ، و يأتي في النصف الثالث من الزكاة أن العامل إذا أسقط أو أخذ دون ما يعتقد المالك يلزم المالك الإخراج ، زاد في الأحكام السلطانية : فيما بينه وبين الله ، فهذا يدل أن المالك إن لم يعتقد شيئا لم يلزم بشيء ، ويعمل برأي العامل ظاهرا ، وإن اعتقد لزمه بينه وبين الله ، على ما ذكره القاضي ، فلا ينتقض اجتهاد العامل ظاهرا ، وعلى ظاهر كلام غير القاضي يلزم مطلقا ، وسبق كلام شيخنا في هذا الفصل ، ويأتي هناك : إذا اجتهد رب المال وأخرج ولم يكن قد فات ، مجيء الساعي لا يعتبر [ ص: 405 ] اجتهاد رب المال ، فأولى أن لا يعتبر اجتهاد الساعي هنا ، ولهذا السبب والله أعلم لم يذكر الأصحاب هاتين المسألتين ، وهذا أشبه إذا رأى الإمام تعزير واحد قدرا معينا فعله أولى ، هل لغيره الزيادة عليه ؟ وسيأتي في التعزير إن شاء الله تعالى .

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          الخدمات العلمية