الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وفي جواز دفعها إلى من يرثه بفرض أو تعصيب نسب أو ولاء كالأخ وابن العم .

                                                                                                          وقال ابن الزاغوني في الواضح : وبنت الابن وابن البنت فيه روايات ، الجواز نقله الجماعة ( و هـ ) كما لو تعذرت النفقة ، وإذا قبل زكاة دفعها إليه قريبه فلا نفقة له ، وإن لم يقبل وطالبه بنفقته الواجبة أجبر ، ولا يجزئه في هذه الحال جعلها زكاة ، والثانية المنع ، والثالثة المنع إن كان يرثه وإلا فلا ، والرابعة المنع إن كانت نفقته واجبة وإلا فلا . اختارها الأكثر منهم الخرقي والقاضي وصاحب المحرر ( م 20 ) .

                                                                                                          [ ص: 629 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 629 ] مسألة 20 ) قوله : وفي جواز دفعها إلى من يرثه بفرض أو تعصيب نسب أو ولاء كالأخ وابن العم .

                                                                                                          وقال ابن الزاغوني في الواضح : وبنت الابن وابن [ ص: 630 ] البنت فيه روايات ، الجواز نقله الجماعة ، كما لو تعذرت النفقة ، والثانية المنع ، والثالثة المنع إن كان يرثه وإلا فلا ، والرابعة المنع إن كانت نفقته واجبة وإلا فلا ، اختاره الأكثر ، منهم الخرقي والقاضي وصاحب المحرر ، انتهى .

                                                                                                          إذا كانت نفقته واجبة عليه لم يجز دفعها إليه على الصحيح من المذهب ، نص عليه في رواية الجماعة ، قاله القاضي في التعليق وسردها ، وجزم به الخرقي وصاحب المبهج والإيضاح وعقود ابن البنا والعمدة والإفادات ومنتخب الآدمي والتسهيل ، ونظم المفردات وقد قال : بنيتها على الصحيح الأشهر وغيرهم ، واختاره القاضي في التعليق والأحكام السلطانية وقال : هذه الرواية أشهر ، قال الزركشي ، هي أشهر وأنص ، قال ابن هبيرة : هي الأظهر ، واختارها المجد في شرحه ، وصححها في التلخيص والبلغة وتصحيح المحرر وغيرهم ، وقدمها في المستوعب والخلاصة والرعايتين وشرح ابن رزين وغيرهم ، قال المصنف هنا : اختاره الأكثر ، والرواية الثانية يجوز دفعها إليهم ، نقلها الجماعة عن الإمام أحمد ، قال في المغني والشرح : هي الظاهر عنه ، رواها عنه الجماعة ، وهو عكس ما قاله القاضي في التعليق ، فيكون قد نص على كل من الروايتين في رواية الجماعة ، وجزم به في الوجيز والمنور وصححه في التصحيح ، قال القاضي في التعليق ، يمكن حملها على اختلاف حالين ، فالمنع إذا كانت النفقة واجبة ، والجواز إذا كانت غير واجبة ، انتهى .

                                                                                                          وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمغني والكافي والمقنع والهادي والمحرر وشرح المجد والشرح والنظم والمذهب الأحمد والفائق والزركشي وغيرهم .

                                                                                                          ( تنبيهات ) : الأول : الذي يظهر أن في كلام المصنف نظرا من وجهين ( أحدهما ) أنه جعل محل الخلاف فيمن يرثه بفرض أو تعصيب ، ثم فرق في الرواية الثالثة بين من يرث ومن لا يرث ، فقال : الثالثة المنع إن كان يرثه وإلا فلا ، فأدخل في هذه الرواية [ ص: 631 ] من لا يرث ، وهو مناقض لما صدر به المصنف المسألة ، ويلزم من هذه أيضا أن الروايتين الأولتين مشتملتان على من يرث ومن لا يرث ، فيحصل التناقض أيضا بهما لما صدر به المسألة ، ويعكر على هذا كون المصنف ذكر في أول الفصل استحباب صرفها إلى أقاربه الذين لا يرثونه ، وفاقا ، وحكاه المجد إجماعا .

                                                                                                          وقال الزركشي : بلا نزاع ، ويمكن الجواب بأن المراد بما صدر به المسألة من يرثه حالا أو مآلا ، وبما قبله في أول الفصل من لا يرث حالا ومآلا ، لبعده ونحوه ، ويكون مراده بصدر الرواية الثالثة من يرثه حالا ، وبعجزها من يرثه مآلا ، لكونه محجوبا ، وقد ذكر هذه الرواية في الفائق على ما يأتي في التنبيه الثاني ، فعلى هذا يكون في كلام المصنف نقص ، وتقديره الثالثة المنع إن كان يرثه حالا وإلا فلا ، فلفظة " حالا " ساقطة من الكاتب ، ويشكل على هذا الجواب ما يأتي في التنبيه الثالث من قوله " وعكسه الآخر " وبما مثل به في أصل المسألة فإنه مثل بالأخ والعم ، فإن ظاهره أن كل واحد منهما يرث الآخر ، ويدل عليه ما قال بعد هذا " وإن ورث أحدهما الآخر . كأخوين لأحدهما ابن " .

                                                                                                          ويشكل أيضا كلام المصنف من وجه آخر ، وهو كونه أطلق الروايتين الأولتين على تقدير ثبوتهما في حمله ما أطلق من الروايات ، وقد التزم في الخطبة أنه لا يطلق الخلاف إلا إذا اختلف الترجيح ، والرواية الثانية وهي رواية المنع مطلقا تشمل من لا يرث حالا ، والحاصل أن المذهب جواز دفعها إليه ، قطع به الشيخ في المغني ، والمجد في شرحه ، والشارح ، وابن رزين في شرحه ، وغيرهم ، وهو ظاهر كلام من لم يصرح بذلك ، بل لا نعلم أحدا اختار ذلك ، فعلى هذا يكون في إطلاقه الخلاف نظر أيضا .

                                                                                                          ( الوجه الثاني ) من النظر كونه حكى رواية رابعة بالفرق بين من تجب نفقته ومن لا تجب ، فقال : الرابعة المنع إن كانت نفقته واجبة وإلا فلا . فيلزم من هذا على مصطلحه أن تكون الروايتان الأولتان مشتملتين على من نفقته واجبة أو غير واجبة ، مع إطلاقه لهما في جملة [ ص: 632 ] الروايات المطلقة ، ورواية المنع منهما ضعيفة فيمن نفقته غير واجبة ، لتعذر النفقة لكون ماله لا يتسع لها ، وإن كانت الزكاة واجبة عليه فإن القاضي في التعليق والمجد في شرحه قطعا بجواز الدفع إليه بما يقتضي أنه محل وفاق بين الأصحاب ، وهو ظاهر كلام غيرهما من الأصحاب ، لتقييدهم الخلاف بمن تجب نفقته ، وفي كلام المصنف ما يدل على أنه ليس فيه نزاع ، لقوله في الرواية الأولى " الجواز نقله الجماعة ، كما لو تعذرت النفقة " ومن جملة تعذر النفقة إذا كان المال لا يتسع لنفقته وتجب الزكاة في ماله ، بل الظاهر أنه مراده ; لأنه تابع المجد ، والمجد مثل بذلك ، والله أعلم ، وإن حملنا الرواية على إطلاقها ، أعني رواية المنع ، ناقض ما قاله في أول الفصل ، كما تقدم ، فإطلاق المصنف لهذه الرواية في جملة الروايات فيه نظر على مصطلحه ، والله أعلم ، ويمكن الجواب عن هذا وعن الذي قبله من هذه الحيثية بأنه لم يفرد الرواية بما اعترض عليه به ، بل أضافه إلى صورة أخرى ، الخلاف فيها قوي ، والله أعلم .

                                                                                                          ( التنبيه الثاني ) اعلم أن الأصحاب ممن اطلعنا على كلامه لم يحك في هذه المسألة هنا إلا روايتين فيمن تجب نفقته ، منهم صاحب الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والمغني والكافي والمقنع والهادي والتلخيص والبلغة والمحرر وشرح المجد والرعايتين والحاويين والنظم والشرح وشرح ابن منجى وابن رزين والزركشي وغيرهم إلا صاحب الفائق فإنه حكى الرواية الثالثة فقال : وفيمن يجب الإنفاق عليهم من الأقارب روايات ، الثالثة إن وجب حالا منع وإلا فلا ، الرابعة إن كان يمونهم عادة منع وإلا فلا ، ذكرها ابن الزاغوني ، انتهى ، ولكن ليس من مصطلح صاحب الفائق أنه لا يطلق الخلاف إلا إذا اختلف الترجيح ، بخلاف المصنف ، ولم يذكر الرواية الرابعة التي ذكرها المصنف ( قلت ) : تؤخذ الرواية [ ص: 633 ] الثالثة من كلام الأصحاب في نفقات الأقارب ، فإنهم حكوا رواية بوجوب نفقة من يرثه في المآل ، لكونه محجوبا وهو موسر . لكن إذا أوجبنا النفقة على من يرث في المآل فهو داخل في كلام من أوجبها على من تلزمه نفقته لم يخرج عنه ، والله أعلم ، وأما الرواية الرابعة فتؤخذ من كلام القاضي في التعليق ، فإنه لما ذكر النصوص عن الإمام أحمد العامة في المنع والجواز قال : يمكن حملها على اختلاف حالين ، فالمنع إذا كانت النفقة واجبة ، والجواز إذا كانت غير واجبة ، انتهى .

                                                                                                          فظاهر هذا أن غيره من الأصحاب أجرى النصوص على عمومها ، فشملت من تجب نفقته ومن لا تجب ، لكون ماله لا يسع ، والله أعلم ، إذا علم ذلك فالكلام مع المصنف في إطلاقه الخلاف .




                                                                                                          الخدمات العلمية