الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          والكفارة على الترتيب ، فيجب عتق رقبة ، فإن لم يجدها صام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينا ، مثل كفارة الظهار ، في ظاهر المذهب ( و هـ ش ) ويأتي فيها [ إن شاء الله تعالى ] اعتبار سلامة الرقبة وكونها مؤمنة ، ولا يحرم هنا الوطء قبل التكفير ، ولا في ليالي صوم الكفارة ، ذكره في الرعاية ، وأظنه في التلخيص وغيره ، ككفارة القتل ، ذكره فيها القاضي وأصحابه ، وحرمه ابن الحنبلي في كتابه أسباب النزول ، عقوبة ، وعنه : إنها على التخيير بين العتق والصيام والإطعام ، فبأيها كفر أجزأه ( و م ر )

                                                                                                          لأن في الصحيحين من [ ص: 87 ] حديث مالك عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة { أن رجلا أفطر في رمضان ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يكفر بعتق رقبة } . وفيهما من حديث ابن جريج عن ابن شهاب عن حميد عن أبي هريرة { أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلا أفطر في رمضان أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا } ، وتابعهما أكثر من عشرة ، وخالفهم أكثر من ثلاثين ، فرووه عن الزهري بهذا الإسناد أن إفطار ذلك الرجل كان بجماع ، { وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : هل تجد ما تعتق رقبة ؟ قال : لا ، قال : هل تسطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ . قال : لا ، قال : هل تجد ما تطعم ستين مسكينا ؟ قال : لا . ثم جلس فأتي للنبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر فقال : تصدق بهذا . قال : على أفقر منا ؟ قال : اذهب فأطعمه أهلك } وفي أوله : { هلكت يا رسول الله ، قال : وما أهلكك ؟ قال : وقعت على امرأتي في رمضان } . متفق عليه ، وهو أولى ، لأنه لفظ النبي صلى الله عليه وسلم ، ومشتمل على زيادة ، ورواه الأكثر ، وللدارقطني : هلكت وأهلكت . وضعف هذه الزيادة البيهقي ، وصنف الحاكم ثلاثة أجزاء في إبطالها . ولأبي داود بإسناد جيد من حديث هشام بن سعد عن الزهري عن أبي سلمة عنه { وصم يوما مكانه وقال : فأتى بعرق فيه تمر قدر خمسة عشر صاعا } ، وله من حديث عائشة : فيه عشرون صاعا ، وهشام تكلم فيه ، وروى له مسلم ، وتابعه عبد الجبار بن عمر في الصوم ، [ ص: 88 ] وهو ضعيف ، ورواه ابن ماجه ، وتابعه أبو أويس عن الزهري عن حميد وفيه كلام ، روى ذلك الدارقطني وتابعه إبراهيم بن سعد عن الليث عن الزهري . وبحر بن كثير عن الزهري ، ذكره البيهقي ، وأشار هو وغيره إلى صحة هذه الزيادة ، والله أعلم

                                                                                                          ، وعن ابن عباس : عتق رقبة أو صوم شهر أو إطعام ثلاثين مسكينا ، وعن الحسن : عتق رقبة أو إهداء بدنة أو إطعام عشرين صاعا أربعين مسكينا ، وعن عطاء نحوه ، ولمالك في الموطإ عن عطاء الخراساني عن ابن المسيب مرسلا نحوه ، ولم يذكر عدد المساكين ، وفيه : وصم يوما . ومذهب ( م ) هذه الكفارة إطعام فقط ، كذا قال . والإطعام كما يأتي في كفارة الظهار إن شاء الله تعالى . وإن قدر على العتق في الصيام لم يلزمه الانتقال ، نص عليه ، ويلزم من قدر قبله ، ويأتي ما يتعلق بذلك في الظهار [ إن شاء الله تعالى ] وتسقط هذه الكفارة بالعجز ، في ظاهر المذهب ، نص عليه ( و ق ) زاد بعضهم : بالمال ، وقيل : والصوم كذا قال ، لأنه عليه السلام لم يأمر الأعرابي بها أخيرا ، ولم يذكر له بقاءها في ذمته ، وكصدقة الفطر ، وعنه : لا تسقط ( و هـ ش ) لأنه عليه السلام أمر بها الأعرابي لما جاءه العرق بعدما أخبره بعسرته ، ولعل هذه الرواية أظهر ، قال [ ص: 89 ] بعضهم : فلو كفر غيره عنه بإذنه وقيل : أو دونها فله أخذها . وعنه : لا يأخذها . وأطلق ابن أبي موسى : هل يجوز له أكلها أم كان خاصا بذاك الأعرابي ؟ على روايتين ، ويتوجه احتمال أنه عليه السلام رخص للأعرابي فيه لحاجته ، ولم يكن كفارة . ولا تسقط غير هذه الكفارة بالعجز ، مثل كفارة الظهار واليمين وكفارات الحج ونحو ذلك ، نص عليه ، قال صاحب المحرر وغيره وعليه أصحابنا لعموم أدلتها حالة الإعسار ، ولحديث سلمة بن صخر في الظهار ، ولأنه القياس خولف في رمضان للنص ، كذا قالوا : للنص ، وفيه نظر ، ولأنها لم تجب بسبب الصوم ، قال القاضي وغيره : وليس الصوم سببا للكفارة وإن لم تجب إلا بالصوم والجماع ، لأنه لا يجوز اجتماعهما . وعنه : تسقط ، ومذهب ( ش ) هي كرمضان ، إلا جزاء الصيد ، لأن فيه معنى العقوبة والغرامة ، وذكر غير واحد أنه تسقط كفارة وطء الحائض بالعجز ، على الأصح ، وعنه : بالعجز عن كلها ، لأنه لا بدل فيها .

                                                                                                          وقال ابن حامد : تسقط مطلقا ، كرمضان . وأكله الكفارات بتكفير غيره عنه كرمضان ، وعنه : تختص بالوطء في رمضان ، اختاره أبو بكر ، وإن ملكه ما يكفر به وقلنا له أخذه هناك فله هنا أكله ، وإلا أخرجه عن نفسه . وقيل : هل له أكله أو يلزمه التكفير به ؟ على روايتين .

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          الخدمات العلمية