الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وقال في الانتصار في مسألة صحة الاستنابة في الحج عند طريان العضب والكبر على من وجب عليه : وإنه إذا حج النائب وقع الحج عن المستنيب ( و م ش ) ومذهب ( هـ ) يقع الحج تطوعا ، ولا يقع عن المستنيب إلا ثواب النفقة ، فنحن نقول : أقيم حج نائبه مقام حجه ، ففعل الغير للحج بدل عن فعله فيما يبذل ، إلا المؤدي وهو الفاعل ، وعندهم البدل هو سعيه بما له في تحصيل حج الغير ، فالبدل عنده متبدل ليس هو فعل الحج ، وإنما هو بذل المال لتحصيل حج النائب حتى لو تبرع أجنبي وحج عنه بإذنه لم يجز عنه ، لأن السعي ببذل المال مفقود ، فالواجب المؤدي هو المبتذل . واحتج لهم بأن سائر العبادات لا تصح النيابة فيها ، وقال : فأما سائر العبادات فلنا رواية أن الوارث ينوب عنه في جميعها من الصوم والصلاة ، ولا يختلف المذهب في نيابة الوارث في الزكاة ، ثم الصوم يقابل فائته عند العجز بالموت بالإطعام ، والصلاة لا يتصور العجز فيها عندنا ، بخلاف الحج ، ولأن الزكاة مقصودها تحصيل المال للفقراء مواساة ، وتعاطي التكليف مقصود للامتحان ، فعند العجز يستقل بأحد المقصودين ويلتحق بالدين ، والحج الامتحان فيه مقصود ، وفيه مقصود [ ص: 95 ] آخر سوى الفعل ، فإنه وضع على مثال حضرة الملوك وحرمتهم وقد يقصد الملك أن تكون عتبته مخدومة بأصحابه ، فإن عجزوا فبنوابهم لإقامة الخدمة . والصلاة لا مقصود فيها إلا محض التكليف بالفعل امتحانا فإذا فعل غيره [ ذلك ] فات كل المقصود ، فلم يكن في معنى الدين ، يصحح ما ذكرناه أن الخصم أقام للحج بدلا وإن خالفنا في صفته ، ولم يقم للصلاة بدلا . واحتج لهم أيضا بالقياس على الصلاة والصيام وقال : قد تقدم الجواب بالمنع والتسليم ، ثم هناك لا يلزم أن ينوي عن غيره ، ولا يؤمر ببذل المال لتحصيل الصوم والصلاة ، ثم ذكر بعدها من بلغ معضوبا تلزمه الاستنابة ، واحتج للمخالفة بالصلاة ، وأجاب بأن الصلاة لا نسلمها ونقول : يصلي عنه بعد الموت ، ثم الصلاة لا يتصور عجزه عنها إلا أن يموت أو يزول عقله ، بخلاف الحج ، ولو وصى بها لم تصل عنه ، بخلاف الحج عندهم ، ولا مدخل للمال في جبرانها ، والبدل جبران ، بخلاف الحج ، ثم هو قياس يعارض النصوص . ثم ذكر بعدها : لا يصير مستطيعا ببذل غيره ، كسائر العبادات ، فقيل له : لا تدخلها النيابة بخلاف الحج ، فقال : لا نسلم ، بل النيابة تدخل الصلاة والصيام إذا وجبت وعجز عنها بعد الموت ، فذكر في هاتين المسألتين النيابة في الصلاة والصيام بعد الموت ، وكلامه في المسألة الأولى ، والرواية المذكورة تقتضي : وفي الحياة أيضا ، كالحج ، فعلى هذا يتوجه ، إن عجز [ ص: 96 ] أن يكبر للصلاة كبر عنه رجل ، وقاله إسحاق ، ونقله عن إبراهيم والحكم والله أعلم وذكر في عيون المسائل ما ذكره غيره من قياس النيابة في الحج على الزكاة ، ثم قال : ولا يلزم الصلاة والصيام فإنا إن قلنا تدخلهما النيابة فإنهما كمسألتنا وإن قلنا لا تدخلهما النيابة قلنا هناك لم يؤمر أن ينويهما عن غيره ، بخلاف مسألتنا . ومال صاحب النظم إلى صوم رمضان عنه بعد موته فقال : لو قيل لم أبعد ، فعلى هذا : الظاهر أن المراد : لا يطعم ، كقول طاوس وقتادة ، ورواية عن الحسن والزهري ، والشافعي في القديم ، وأبي ثور وداود ; لقوله عليه السلام : { من مات وعليه صيام صام عنه وليه . } متفق عليه من حديث عائشة ، ومعناه من حديث ابن عباس ، وقد يتوجه احتمال أن المراد التخيير .

                                                                                                          وقال في شرح مسلم : من يقول بالصيام يجوز عنده الإطعام ، وقد قال شيخنا : إن تبرع بصومه عمن لا يطيقه لكبر ونحوه أو عن ميت وهما معسران يتوجه جوازه ، لأنه أقرب إلى المماثلة من المال ، وكذا عن الأوزاعي والثوري رواية : يصومه عن الميت إذا لم يجد ما يطعم عنه ، وكذا ذكر القاضي في صوم النذر نحو قول شيخنا فذكر ما ذكره الأصحاب أن صوم النذر لا يفعل عن عاجز في حياته ، بل يطعم ، ثم جعل هذا حجة للمخالف في عدم فعله بعد الموت . قال : والجواب أنه لا يمتنع أن نقول يصح الصوم عنه ، كما نقول في الحج إذا عجز عنه في حال الحياة [ ص: 97 ] يحج عنه ، وحكى القاضي عن داود : لا يصام عنه ولا يطعم ، خلاف ما سبق عنه ، وذكر القاضي عياض والشافعية الإجماع أنه لا يصام عن أحد في حياته . والله أعلم . والإطعام من رأس ماله ، أوصى أو لا [ ( و ش ) ] لا أنه إنما يجب من الثلث إن أوصى ( هـ م ) كالزكاة على أصلهما .

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          الخدمات العلمية