الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          ( السادسة ) امرأة المفقود تتربص ما تقدم في ميراثه تم تعتد للوفاة ، وفي اعتبار حكم بضرب المدة والعدة واعتبار طلاق الولي بعدها ثم تعتد بالأقراء إن طلق روايتان ( م 8 و 9 ) .

                                                                                                          وقال ابن عقيل : لا يعتبر [ ص: 546 ] فسخ النكاح الأول ، على الأصح ، كضرب المدة ، وكذا قال شيخنا إن على الأصح لا يعتبر الحاكم ، فلو مضت المدة والعدة تزوجت بلا حكم ، وإذا فرق وفي المستوعب وغيره : أو فرغت المدة نفذ الحكم ظاهرا ، فيصح طلاق المفقود ، لبقاء نكاحه ، وعنه : وباطنا ، فلا يصح ، ويتوجه عليهما الإرث ، فإن تزوجت ثم قدم قبل وطء الثاني فهي له ، وعنه : يخير ، وبعده له أخذها زوجة [ ص: 547 ] بعقده الأول .

                                                                                                          والمنصوص : وإن لم يطلق الثاني ، ويطأ بعد عدته ، وله تركها معه .

                                                                                                          وقال الشيخ : بعقد [ ثان ] فإن تركها ففي أخذه ما مهرها هو أو الثاني وفي رجوع الثاني عليها به روايتان ( 10 و 11 ) .

                                                                                                          وقال [ ص: 548 ] ابن عقيل : القياس لا يأخذه .

                                                                                                          وقال جماعة : القياس أنها للأول بلا خيار ، إلا أن تقع الفرقة باطنا فللثاني ، ونقل أبو طالب : لا خيار للأول مع موتها ، وأن الأمة كنصف حرة ، كالعدة .

                                                                                                          وقال شيخنا : هي زوجة الثاني ظاهرا وباطنا وترثه ، ذكره أصحابنا ، وهل ترث الأول ؟ قال أبو جعفر : ترثه ، وخالفه غيره وإن متى ظهر الأول فالفرقة ونكاح الثاني موقوفا ، فإن أخذها بطل نكاح الثاني حينئذ ، وإن أمضى ثبت نكاح الثاني ، وجعل في الروضة التخيير المذكور إليها [ وأنها ] أيهما اختارته ردت على الآخر ما أخذت منه : وتنقطع النفقة بتفريقه أو تزويجها ، وقيل : وبالعدة [ ص: 549 ]

                                                                                                          وإن بان موته وقت الفرقة ولم يجز التزويج ففي صحته وجهان ( م 12 ) ومتى قيل : لا تتزوج فتزوجت وأنفق لم يرجع ، فإن أجبره عليها حاكم احتمل رجوعه ، لعدم وجوبها ، واحتمل لا ، لأن الحكم لا ينقض ما لم يخالف نصا أو إجماعا ( م 13 ) .

                                                                                                          ومن ظهر موته باستفاضة أو بينة فكمفقود ، وتضمن البينة ما تلف من ماله ومهر الثاني ، وذكر أبو الفرج : إن عرف خبره ببلد تربصت إلى تسعين سنة ، ومن أخبر بطلاق غائب وأنه وكيل آخر [ ص: 550 ] في نكاحه بها وضمن المهر فنكحته ثم جاء الزوج فأنكر فهي زوجته ولها المهر ، وقيل : كمفقود ، ذكره في المنتخب .

                                                                                                          وقال شيخنا : متى فرق بينهما لسبب يوجب الفرقة ثم بان انتفاؤه فكمفقود ، وكذا إن كتمه حتى تزوجت ودخل بها ، فإن علمت تحريمه فزانية ، وكأنها طلقت نفسها بلا إذنه ثم أجازه ، وإن طلق غائب أو مات اعتدت منذ الفرقة وإن لم تحد ، وعنه : هذا إن ثبت ببينة أو كانت بوضع حمل ، وإلا فمن بلوغ الخبر .

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( مسألة 8 و 9 ) قوله في : امرأة المفقود تتربص ما تقدم في ميراثه ثم تعتد للوفاة ، وفي اعتبار حكم بضرب المدة [ والعدة ] واعتبار طلاق الولي بعدها ثم تعتد بالأقراء إن طلق روايتان ، انتهى .

                                                                                                          ذكر مسألتين :

                                                                                                          ( المسألة الأولى 8 ) هل يفتقر إلى رفع الأمر إلى الحاكم ليحكم بضرب المدة وعدة الوفاة أم لا ؟ أطلق الخلاف ، وأطلقه في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغني والمقنع والمحرر والشرح وشرح ابن منجى والرعاية الكبرى والنظم وغيرهم .

                                                                                                          ( إحداهما ) يفتقر إلى ذلك ، فيكون ابتداء المدة من حين ضربها الحاكم ، كمدة العنة ، جزم به في الوجيز ، وقدمه في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير وشرح ابن رزين [ ص: 546 ]

                                                                                                          والرواية الثانية : لا يفتقر إلى ذلك ، بل ابتداء المدة من ابتداء الغيبة ، فلو مضت المدة والعدة حلت للأزواج ، قال الشيخ تقي الدين : لا يفتقر لحاكم ، على الأصح ، واختاره ابن عبدوس في تذكرته ، وقدمه في الرعاية الكبرى ، وهو الصواب ، وقال في الرعاية الكبرى : وعلى الأولى هل أول المدة منذ ضربها الحاكم أو منذ انقطع خبره ؟ على وجهين ، وقيل : هل أول المدة منذ غاب أو منذ ضربها الحاكم ؟ على روايتين ، انتهى .

                                                                                                          ( المسألة الثانية 9 ) هل يعتبر في ذلك طلاق الولي بعد انقضاء العدة أم لا ؟ أطلق الخلاف ، وأطلقه في المستوعب والمغني والشرح

                                                                                                          ( إحداهما ) لا يعتبر ذلك ، وهو الصحيح ، وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب ، قال الشيخ الموفق والشارح : هو القياس .

                                                                                                          وقال ابن رزين : وهو أقيس ، وقدمه في الرعاية الكبرى ، وصححه في النظم ، قال ابن عقيل : لا يعتبر فسخ النكاح الأول ، على الأصح ، كضرب المدة ، انتهى .

                                                                                                          ( قلت ) : وهو الصواب .

                                                                                                          والرواية الثانية : يعتبر طلاق وليه بعد اعتدادها للوفاة ، ثم تعتد بعد طلاق الولي بثلاثة قروء ، قدمه ابن رزين في شرحه ( قلت ) : وهو ضعيف جدا ، قال ابن نصر الله : فيلزمها عدتان ، ولا نظير له ، انتهى [ ص: 547 ]

                                                                                                          ( مسألة 10 و 11 ) قوله : فإن تركها ففي أخذه ما مهرها هو أو الثاني وفي رجوع الثاني عليها به روايتان ، انتهى ، ذكر مسألتين :

                                                                                                          ( المسألة الأولى 10 ) إذا تركها الأول للثاني فهل يأخذ ما مهرها هو أو ما مهر الثاني ؟ أطلق الخلاف ، وأطلقه في الهداية والمستوعب والمغني والمقنع والمحرر والشرح والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم .

                                                                                                          ( إحداهما ) يأخذ قدر صداقها الذي أعطاها هو ، وهو الصحيح ، صححه في التصحيح ، وابن نصر الله في حواشيه ، قال في القاعدة الرابعة والخمسين بعد المائة : هذا أصح الروايتين ، وجزم به في الوجيز ومنتخب الآدمي ومنوره ونظم المفردات وغيرهم ، واختاره أبو بكر وغيره ، وقدمه في الخلاصة والكافي وشرح ابن رزين وغيرهم .

                                                                                                          والرواية الثانية : يأخذ صداقها الذي أعطاها الثاني .

                                                                                                          ( المسألة الثانية 11 ) إذا أخذ الزوج الثاني المهر سواء كان قد المهر الأول أو الثاني فهل يرجع به على الزوجة أم لا ؟ أطلق الخلاف ، وأطلقه في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والمحرر والشرح والرعايتين والحاوي الصغير والقواعد الفقهية وغيرهم [ ص: 548 ]

                                                                                                          ( إحداهما ) يرجع عليها ، جزم به في الوجيز وغيره ، وصححه ابن نصر الله في حواشيه ، وقدمه في الخلاصة وشرح ابن رزين ، وهو الصواب .

                                                                                                          والرواية الثانية : لا يرجع عليها ، قال في المغني : وهو أظهر .

                                                                                                          ( تنبيه )

                                                                                                          قوله : وقال شيخنا : هي زوجة الثاني ظاهرا وباطنا وترثه ذكره أصحابنا ، وهل ترث الأول ؟ قال أبو جعفر : ترثه ، وخالفه غيره ، انتهى .

                                                                                                          يحتمل أن يكون هذا من تتمة كلام الشيخ تقي الدين ، وهو الظاهر ، ويحتمل أن يكون من كلام المصنف ، وعلى كل تقدير الصحيح من المذهب أنها لا ترثه ، كما قاله غير الشريف أبي جعفر ، وقوله : قال أبو جعفر : ترثه ، قال ابن نصر الله في حواشيه : صوابه أبو حفص : [ ص: 549 ]

                                                                                                          ( مسألة 12 ) قوله : وإن بان موته وقت الفرقة ولم يجز التزويج ففي صحته وجهان ، انتهى . ذكرهما القاضي .

                                                                                                          ( أحدهما ) لا يصح ، وهو الصحيح من المذهب ، اختاره الشيخ الموفق والشارح وغيرهما ( قلت ) : وقواعد المذهب تقتضيه ، ولها نظائر كثيرة .

                                                                                                          ( والوجه الثاني ) يصح ، لأنه صادف محلا .

                                                                                                          ( مسألة 13 ) قوله : ومتى قيل : لا تتزوج فتزوجت وأنفق لم يرجع ، فإن أجبره عليها حاكم احتمل رجوعه ، لعدم وجوبها ، واحتمل لا ، لأن الحكم لا ينقض ما لم يخالف نصا أو إجماعا ، انتهى .

                                                                                                          ( قلت ) : الصواب عدم الرجوع لحكم الحاكم .

                                                                                                          ( تنبيهان ) :

                                                                                                          ( الأول ) قال ابن نصر الله في حواشيه : لعل محل الاحتمالين إذا أجبره على الإنفاق من غير تعرض للنكاح بالحكم بصحته ، فإذا حكم حاكم ببطلانه توجه الاحتمالان ، أما لو حكم بصحة النكاح والإنفاق لم يتوجه احتمال الرجوع ، انتهى . وهو كما قال




                                                                                                          الخدمات العلمية