الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وتوبة كل كافر إتيانه بالشهادتين مع إقراره بما جحده من نبي أو غيره ، أو قوله : أنا مسلم ولا يعتبر في الأصح إقرار مرتد بما جحده ، [ ص: 172 ] لصحة الشهادتين من مسلم ، ومنه بخلاف توبة من بدعة ، ذكره فيها جماعة ، ونقل المروذي في الرجل يشهد عليه بالبدعة فيجحد : ليست له توبة ، إنما التوبة لمن اعترف ، فأما من جحد فلا ، وعنه : يغني قوله : محمد رسول الله ، عن كلمة التوحيد ، وعنه : من مقر به ، ويتوجه احتمال : يكفي التوحيد ممن لا يقر به كوثني لظاهر الأخبار ، ولخبر أسامة وقتله الكافر الحربي بعد قوله لا إله إلا الله ، لأنه مصحوب بما يتوقف عليه الإسلام ، ومستلزم له ، وفاقا للشافعية وغيرهم .

                                                                                                          وقال بعض الشافعية : يكفي مطلقا ، وهو الذي ذكره ابن هبيرة في حديثي جندب وأسامة ، قال فيه : إن الإنسان إذا قال لا إله إلا الله عصم بها دمه ، ولو ظن السامع أنه قالها فرقا من السيف بعد أن يكون مطلقا ، وإن أكره ذمي على إقراره به لم يصح ، لأنه ظلم وفي الانتصار احتمال ، وفيه : يصير مسلما بكتابة الشهادة ، ويكفي جحده لردته بعد إقراره بها في الأصح كرجوعه عن حد لا بعد بينة بل يجدد إسلامه ، قال جماعة : يأتي بالشهادتين وفي المنتخب الخلاف .

                                                                                                          نقل ابن الحكم فيمن أسلم ثم تهود أو تنصر فشهد عليه عدول فقال : لم أفعل وأنا مسلم ، قبل قوله ، هو أكثر عندي من الشهود ، قال شيخنا : اتفق الأئمة أن المرتد إذا أسلم عصم دمه وماله وإن لم يحكم به حاكم ، بل مذهب الإمام أحمد في المشهور عنه و ( هـ ش ) أن من [ ص: 173 ] شهدت عليه بينة بالردة فأنكر حكم بإسلامه ، ولا يحتاج أن يقر بما شهد به عليه ، فإذا لم يشهد عليه عدل لم يفتقر الحكم إلى إقراره ( ع ) بل إخراجه إلى ذلك قد يكون كذبا ، ولهذا لا يجوز بناء حكم على هذا الإقرار ، كإقرار الصحيح فإنه قد علم أنه لقنه وأنه فعله خوف القتل وهو إقرار تلجئة ، نقل أبو طالب في اليهودي إذا قال : قد أسلمت أو أنا مسلم يجبر عليه : قد علم ما يراد منه ، وفي مفردات أبي يعلى الصغير : لا خلاف أن الكافر لو قال : أنا مسلم ولا أنطق بالشهادة يقبل منه ولا يحكم بإسلامه ، وإن شهد أنه كفر وادعى الإكراه قبل منه مع القرينة فقط ، لأن إنكاره للردة يمنعها ، ولو شهد عليه بكلمة كفر فادعاه قبل مطلقا ، في الأصح ، لأن تصديقه ليس فيه تكذيب للبينة .

                                                                                                          ومن أسلم وقال لم أرده أو لم اعتقده لم يقبل منه ، وعنه : بلى وعنه : إن ظهر صدقه ، وعنه : يقبل من صغير ، قال أحمد فيمن قال لكافر : أسلم وخذ ألفا فأسلم ولم يعطه فأبى الإسلام : يقتل وينبغي أن يفي ، قال : وإن أسلم على صلاتين قبل منه وأمر بالخمس .

                                                                                                          وعن { غالب القطان عن رجل عن أبيه عن جده أنه أرسل ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن أبي جعل لقومه مائة من الإبل على أن يسلموا ، فأسلموا وحسن إسلامهم ، ثم بدا له أن يرتجعها منهم ، أفهو أحق بها أم هم ؟ قال إن بدا له أن يسلمها إليهم فليسلمها ، وإن بدا له أن يرتجعها فهو أحق بها منهم ، فإن أسلموا فلهم إسلامهم وإن لم يسلموا قوتلوا على [ ص: 174 ] الإسلام } وقال : إن أبي شيخ كبير ، وهو عريف على الماء ، وإنه يسألك أن تجعل لي العرافة بعده ، فقال { إن العرافة حق ، لا بد للناس من عرفاء ، ولكن العرفاء في النار } رواه أبو داود وإسناده من لا يحتج به ، قال الخطابي فيه : إن من أعطى رجلا على أن يفعل أمرا مفروضا عليه فإن للمعطى ارتجاعه منه ، ولم يشارط النبي صلى الله عليه وسلم المؤلفة ( قلوبهم ) على أن يسلموا فيعطيهم جعلا على الإسلام ، وإنما أعطاهم عطايا بأنه يتألفهم ، وفي العرافة مصلحة الناس ، وفيه التحذير من التعريض للرياسة والتأمر على الناس ، لما فيه من الفتنة ، وأنه إذا لم يقم بحقه ولم يؤد الأمانة فيه أثم . ولا يبطل إحصان قذف ورجم بردة ، فإذا أتى بهما بعد إسلامه حد ، خلافا لكتاب ابن رزين في إحصان رجم .

                                                                                                          [ ص: 172 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 172 ] تنبيه )

                                                                                                          قوله : " وإن أكره حربي على إقراره به لم يصح كذا في النسخ ، وصوابه وإن أكره ذمي وبعضهم أصلحها كذلك " .




                                                                                                          الخدمات العلمية