الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          فصل ويسن أن يبدأ بالمحبوسين ، فينفذ ثقة يكتب أسماءهم ، ومن حبسهم ، وفيم ذلك ، ثم ينادي بالبلد أنه ينظر في أمرهم ، فإذا حضر فمن حضر له خصم نظر بينهما : فإن حبس لتعدل البينة فإعادته مبني على حبسه في ذلك ، ويتوجه إعادته : وفي الرعاية إن كان الأول حكم به مع أنه ذكر أن إطلاق المحبوس حكم ، ويتوجه أنه كفعله ، وأن مثله تقدير مدة حبسه ونحوه ( و م ) والمراد إذا لم يأمر ولم يأذن بحبسه وإطلاقه ، وإلا فأمره وإذنه حكم يرفع الخلاف ، كما يأتي : قال المروذي : لما حبس [ ص: 453 ] الإمام أحمد رحمه الله قال له السجان : يا أبا عبد الله ، الحديث الذي يروى في الظلمة وأعوانهم صحيح ؟ قال : نعم ، فقال : فأنا منهم ؟ قال أحمد : أعوانهم من يأخذ شعرك ويغسل ثوبك ويصلح طعامك ويبيع ويشتري منك ، فأما أنت فمن أنفسهم .

                                                                                                          ويقبل قول خصمه في أنه حبسه بعد تكميل بينته وتعديلها : وإن حبس بقيمة كلب وخمر ذمي ففي تخليته وتبقيته وجهان ( م 3 ) وقيل : يقفه وإن بان حبسه في تهمة أو تعزيرا عمل برأيه في تخليته وتبقيته ، ومن لم يعرف خصمه وأنكره نودي بذلك ، فإن لم يعرف حلفه وخلاه ، ومع غيبة خصمه يبعث إليه ، وقيل : يخليه ، كجهله مكانه أو تأخره بلا عذر ، والأولى بكفيل ، وإطلاقه حكم ، وكذا أمره بإراقة نبيذ ، ذكرها في الأحكام السلطانية في المحتسب ، وتقدم أن إذنه في ميزاب وبناء وغيره يمنع الضمان ، لأنه كإذن الجميع ، ومن منع فلأنه ليس له [ ص: 454 ] عنده أن يأذن ، لا لأن إذنه لا يرفع الخلاف ، ولهذا يرجع بإذنه في قضاء دين ونفقة وغير ذلك ، ولا يضمن بإذنه في النفقة على لقيط وغيره ، بلا خلاف ، وإن ضمن لعدمها .

                                                                                                          ولهذا إذن الإمام في أمر مختلف فيه كاف ، بلا خلاف ، وسبق قول شيخنا : الحاكم ليس هو الفاسخ ، وإنما يأذن أو يحكم به ، فمتى أذن أو حكم لأحد باستحقاق عقد أو فسخ فعقد أو فسخ لم يحتج بعد ذلك إلى حكم بصحته ، بلا نزاع ، لكن لو عقد هو أو فسخ فهو فعله ، وهل فعله حكم ; فيه الخلاف المشهور ، هذا كلامه : وكذا فعله ، ذكره الأصحاب في حمى الأئمة أن اجتهاد الإمام لا يجوز نقضه ، كما لا يجوز نقض حكمه ، وذكروا خلا الشيخ أن الميزاب ونحوه يجوز بإذن واحتجوا بنصه عليه أفضل الصلاة والسلام ميزاب العباس .

                                                                                                          وفي المغني وغيره في بيع ما فتح عنوة : إن باعه الإمام لمصلحة رآها صح ، لأن فعل الإمام كحكم الحاكم ، وفيه أيضا : لا شفعة فيها إلا أن يحكم ببيعها حاكم أو يفعله الإمام أو نائبه .

                                                                                                          وفيه أيضا أن تركها بلا قسمة وقف لها ، وأن ما فعله الأئمة ليس لأحد نقضه ، واختار أبو الخطاب رواية أن الكافر لا يملك مال مسلم بالقهر ، قال : وإنما منعه منه بعد القسمة ، لأن قسمة الإمام تجري مجرى الحكم ، وفعله حكم ، كتزويج يتيمة ، وشراء عين غائبة ، وعقد نكاح بلا ولي ، ذكره الشيخ [ ص: 455 ] في عقد النكاح بلا ولي وغيره . وذكره شيخنا أصح الوجهين ، وذكر الأزجي فيمن أقر لزيد فلم يصدقه وقلنا يأخذه الحاكم ثم ادعاه المقر لم يصح ، لأن قبض الحاكم له بمنزلة الحكم بزوال ملكه عنه ، وذكر الأصحاب في القسمة والمطلقة المنسية أن قرعة الحاكم كحكمه لا سبيل إلى نقضه .

                                                                                                          وفي التعليق والمحرر : فعله حكم إن حكم به هو أو غيره ( و ) كفتياه ، فإذا قال حكمت بصحته نفذ حكمه باتفاق الأئمة ، قاله شيخنا .

                                                                                                          وفي المستوعب : حكمه يلزم بأحد ثلاثة ألفاظ : ألزمتك ، أو قضيت له به عليك ، أو أخرج إليه منه ، وإقراره ليس كحكمه . ثم باليتامى والمجانين والوقوف والوصايا ، فلو نفذ الأول وصيته لم يعد له ، لأن الظاهر معرفة أهليته ، لكن نراعيه . فدل أن إثبات صفة كعدالة وجرح وأهلية وصية وغيرها حكم ، خلافا لمالك ، يقبله حاكم آخر ، خلافا لمالك وإن له إثبات خلافه ، وقد ذكروا إذا بان فسق الشاهد وسيأتي يعمل بعلمه في عدالته أو بحكم .

                                                                                                          ومن كان من أمناء الحاكم للأطفال أو الوصايا التي لا وصي لها ونحوه بحاله أقره ، لأن الذي قبله ولاه ، ومن فسق عزله ، ويضم إلى الضعيف [ ص: 456 ] أمينا ، ويتوجه أنها مسألة النائب ، وجعل في الترغيب أمناء الأطفال كنائبه ، فيه الخلاف ، وأنه يضم إلى وصي فاسق أو ضعيف أمينا ، وله إبداله .

                                                                                                          [ ص: 453 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 453 ] مسألة 3 ) قوله : " وإن حبس بقيمة كلب وخمر ذمي ففي تخليته وتبقيته وجهان " ، انتهى :

                                                                                                          ( أحدهما ) يخلى ، قدمه في الرعاية وقال : إن صدقه غريمه ، واختاره القاضي وغيره ، وقدمه في الشرح ، وهو ظاهر ما قدمه في المغني .

                                                                                                          ( والوجه الثاني ) يبقى في الحبس ، وقيل يقف ليصطلحا على شيء ، وجزم في الفصول أنه يرجع إلى رأي الحاكم الجديد .

                                                                                                          فهذه ثلاث مسائل في هذا الباب .




                                                                                                          الخدمات العلمية