الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله فمن قال لم يتم الحول أو علي دين أو أديت أنا أو إلى عاشر آخر وحلف صدق إلا في السوائم في دفعه بنفسه ) أما الأول والثاني فلإنكاره الوجوب وقدمنا أن شرط ولاية الأخذ وجود الزكاة فكل ما وجوده مسقط فالحكم كذلك إذا ادعاه ، والمراد بنفي تمام الحول نفيه عما في يده ، وما في بيته ; لأنه لو كان في بيته مال آخر قد حال عليه الحول ، وما مر به لم يحل عليه الحول واتحد الجنس فإن العاشر لا يلتفت إليه لوجوب الضم في متحد الجنس إلا لمانع كما قدمناه وقيد في المعراج الدين بدين العباد ، وقدمنا أن منه دين الزكاة ، وأطلق المصنف في الدين فشمل المستغرق للمال والمنقص للنصاب ، وهو الحق ، وبه اندفع ما في غاية البيان من التقييد بالمحيط لماله واندفع ما في الخبازية من أن العاشر يسأله عن قدر الدين على الأصح فإن أخبره بما يستغرق النصاب يصدقه ، وإلا لا يصدقه . ا هـ .

                                                                                        لأن المنقص له مانع من الوجوب فلا فرق كما في المعراج وأشار المصنف إلى أن المار إذا قال ليس في هذا المال صدقة فإنه يصدق مع يمينه كما في المبسوط ، وإن لم يبين سبب النفي

                                                                                        وفيه أيضا إذا أخبر التاجر العاشر أن متاعه مروي أو هروي واتهمه العاشر فيه ، وفيه ضرر عليه حلفه وأخذ منه الصدقة على قوله ; لأنه ليس له ولاية الإضرار به وقد نقل عن عمر أنه قال لعماله : ولا تفتشوا على الناس متاعهم وأما الثالث فلأنه ادعى وضع الأمانة موضعها ، ومراده إذا كان في تلك السنة عاشر آخر ، وإلا فلا يصدق لظهور كذبه بيقين ، ومراده أيضا ما إذا أدى بنفسه في المصر إلى الفقراء ; لأن الأداء كان مفوضا إليه فيه وولاية الأخذ بالمرور لدخوله تحت الحماية ; لأنه لو ادعى الأداء بنفسه إليهم بعد الخروج من المصر لا يقبل ، وإنما لا يصدق في قوله أديت بنفسي صدقة السوائم إلى الفقراء في المصر ; لأن حق الأخذ للسلطان فلا يملك إبطاله بخلاف الأموال الباطنة ثم قيل الزكاة هو الأول والثاني سياسة وقيل هو الثاني والأول ينقلب نفلا هو الصحيح كذا في الهداية وظاهر قوله ينقلب نفلا أنه لو لم يأخذ منه الإمام لعلمه بأدائه إلى الفقراء فإن ذمته تبرأ ديانة ، وفيه اختلاف المشايخ كما في المعراج ، وفي جامع أبي اليسر لو أجاز الإمام إعطاءه لم يكن به بأس ; لأنه إذا أذن له الإمام في الابتداء أن يعطي إلى الفقراء بنفسه جاز فكذا إذا أجاز بعد الإعطاء ا هـ .

                                                                                        وإنما حلف ، وإن كانت العبادات يصدق فيها بلا تحليف لتعلق حق العبد ، وهو العاشر في الأخذ ، وهو يدعي عليه معنى لو أقر به لزمه فيحلف لرجاء النكول بخلاف حد القذف ; لأن القضاء بالنكول متعذر في الحدود على ما عرف وبخلاف الصلاة والصوم لأنه لا مكذب له فيها فاندفع قول أبي يوسف أنه لا يحلف ; لأنها عبادة .

                                                                                        وأشار المصنف بالاكتفاء بالحلف إلى أنه لا يشترط إخراج البراءة فيما إذا ادعى الدفع إلى عاشر آخر تبعا للجامع الصغير ; لأن الخط يشبه الخط فلم يعتبر علامة ، وهو ظاهر الرواية كما في البدائع وشرطه في الأصل ; لأنه ادعى ولصدق دعواه علامة فيجب إبرازها ، وفي المعراج ثم على قول من يشترط إخراج البراءة هل يشترط اليمين معها فقد اختلف فيه ، وفي البدائع إذا أتى بالبراءة على خلاف اسم ذلك المصدق فإنه يقبل قوله مع يمينه على جواب ظاهر الرواية ; لأن البراءة ليست بشرط فكان الإتيان بها ، والعدم بمنزلة واحدة ا هـ .

                                                                                        وقد يقال : إنه دليل كذبه فهو نظير ما لو ذكر الحد الرابع وغلط فيه فإنه لا تسمع الدعوى ، وإن جاز تركه إلا أن يقال [ ص: 250 ] إنها عبادة بخلاف حقوق العباد المحضة ، وفي المحيط حلف أنه أدى الصدقة إلى مصدق آخر وظهر كذبه أخذه بها ، وإن ظهر بعد سنين ; لأن حق الأخذ ثابت فلا يسقط باليمين الكاذبة . ا هـ .

                                                                                        ( قوله وكل شيء صدق فيه المسلم صدق فيه الذمي ) لأن ما يؤخذ منهم ضعف ما يؤخذ من المسلم فيراعى فيه شرائط الزكاة تحقيقا للتضعيف ، وفي التبيين لا يمكن إجراؤه على عمومه فإن ما يؤخذ من الذمي جزية ، وفي الجزية لا يصدق إذا قال أديتها أنا ; لأن فقراء أهل الذمة ليسوا بمصارف لهذا الحق ، وليس له ولاية الصرف إلى مستحقه ، وهو مصالح المسلمين ا هـ .

                                                                                        وقولهم : ما يؤخذ من الذمي جزية أي حكمه حكمها من كونه يصرف مصارفها لا أنه جزية حتى لا تسقط جزية رأسه في تلك السنة نص عليه الإسبيجابي ، واستثنى في البدائع نصارى بني تغلب ; لأن عمر صالحهم من الجزية على الصدقة المضاعفة فإذا أخذ العاشر منهم ذلك سقطت الجزية . ا هـ .

                                                                                        ( قوله لا الحربي إلا في أم ولده ) أي لا يصدق الحربي في شيء إلا في جارية في يده قال هي أم ولدي فإنه يصدق وكذا في الجواري ; لأن الأخذ منه بطريق الحماية لا زكاة ، ولا ضعفها فلا يراعى فيه الشروط المتقدمة ; ولذا كان الأولى أن يقال : لا يلتفت إلى كلامه أو لا يترك الأخذ منه إذا ادعى شيئا مما ذكرناه دون أن يقال : ولا يصدق ; لأنه لو كان صادقا بأن ثبت صدقه ببينة عادلة من المسلمين المسافرين معه من دار الحرب أخذ منه كذا في فتح القدير ويستثنى من العموم ما إذا قال الحربي أديت إلى عاشر آخر وثمة عاشر آخر فإنه لا يؤخذ منه ثانيا ; لأنه يؤدي إلى الاستئصال جزم به منلا شيخ في شرح الدرر وذكره في الغاية بلفظ ينبغي أن لا يؤخذ منه ثانيا وتبعه في التبيين

                                                                                        وأشار باستثناء أم الولد إلى أنه لو قال في حق غلام معه هذا ولدي فإنه يصح ، ولا يعشر ; لأن النسب يثبت في دار الحرب كما يثبت في دار الإسلام ، وأمومية الولد تبع للنسب وقيده في المحيط بأن كان يولد مثله لمثله ; لأنه لو كان لا يولد مثله لمثله فإنه يعتق عليه عند أبي حنيفة ويعشر ; لأنه إقرار بالعتق فلا يصدق في حق غيره ا هـ .

                                                                                        وقيد بأم الولد ; لأنه لو أقر بتدبير عبده لا يصدق ; لأن التدبير لا يصح في دار الحرب كذا في المعراج ، وفي النهاية لو مر بجلود الميتة فإن كانوا يدينون أنها مال أخذ منها ، وإلا فلا ا هـ .

                                                                                        والحاصل أنه لا يؤخذ إلا من مال ( قوله : وأخذ منا ربع العشر ، ومن الذمي ضعفه ، ومن الحربي العشر بشرط نصاب ، وأخذهم منا ) بذلك أمر عمر رضي الله عنه سعاته وقدمنا أن المأخوذ من المسلم زكاة ، ومن الذمي صدقة مضاعفة تصرف مصارف الجزية ، وليست بجزية حقيقة ، ومن الحربي بطريق الحماية ، وتصرف مصارف الجزية كما في غاية البيان ، ويصح أن يتعلق قوله بشرط نصاب بالثلاثة ، وهو متفق عليه في المسلم والذمي وأما في الحربي فظاهر المختصر أنه إذا مر بأقل منه لا يؤخذ منه

                                                                                        وفي الجامع الصغير ، وإن مر حربي بخمسين درهما لم يؤخذ منه شيء إلا أن يكونوا يأخذون منا من مثلهم ; لأن الأخذ بطريق المجازاة ، وفي كتاب الزكاة لا نأخذ من القليل وإن كانوا [ ص: 251 ] يأخذون منا لأن القليل لم يزل عفوا ، وهو للنفقة عادة فأخذهم منا من مثله ظلم وخيانة ، ولا متابعة عليه ، والأصل فيه أنه متى عرفنا ما يأخذون منا أخذ منهم مثله ; لأن عمر أمر بذلك ، وإن لم نعرف أخذ منهم العشر لقول عمر رضي الله عنه فإن أعياكم فالعشر وإن كانوا يأخذون الكل نأخذ منهم الجميع إلا قدر ما يوصله إلى مأمنه في الصحيح ، وإن لم يأخذوا منا لا نأخذ منهم ليستمروا عليه ولأنا أحق بالمكارم ، وهو المراد بقوله وأخذهم منا ; لأنه بطريق المجازاة كذا في التبيين ، وفي كافي الحاكم أن العاشر لا يأخذ العشر من مال الصبي الحربي إلا أن يكونوا يأخذون من أموال صبياننا شيئا . ا هـ .

                                                                                        ( قوله : ولم يثن في حول بلا عود ) أي بلا عود إلى دار الحرب ; لأن الأخذ في كل مرة يؤدي إلى الاستئصال بخلاف ما إذا عاد ثم خرج إلينا لأن ما يؤخذ منه بطريق الأمان ، وقد استفاده في كل مرة ، وفي المحيط ولو عاد الحربي إلى دار الحرب ، ولم يعلم به العاشر ثم خرج ثانيا لم يأخذه بما مضى ; لأن ما مضى سقط لانقطاع الولاية ، ولو مر المسلم والذمي على العاشر ، ولم يعلم بهما ثم علم في الحول الثاني يؤخذ منهما لأن الوجوب قد ثبت والمسقط لم يوجد . ا هـ .

                                                                                        [ ص: 249 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 249 ] ( قوله وبه اندفع ما في غاية البيان إلخ ) قال في الشرنبلالية : لا يخفى ما فيه من معارضة المنطوق بالمفهوم فليتأمل ا هـ .

                                                                                        وفيه نظر ; لأنه لم يكتف بمفهوم كلام المصنف بل بما ينقله عن المعراج ، وهو صريح لكن عبارة المعراج بعد نقله عبارة الخبازية هكذا ، وقيل : ينبغي أن يصدقه فيما ينقص النصاب به ; لأنه لا يأخذ من المال الذي يكون أقل من النصاب ; لأن ما يأخذه العاشر زكاة حتى شرطت فيه شرائط الزكاة ذكره في شرح مختصر الكرخي للقدوري ا هـ .

                                                                                        [ ص: 250 ] ( قوله : وفي الجزية لا يصدق إلخ ) قال الرملي : فلو ثبت أخذها منه لم تؤخذ ثانيا إذا كان الآخذ السلطان أو نائبه ; لأنها لا تتكرر في السنة مرتين ، وهي واقعة الفتوى ( قوله : وقولهم : ما يؤخذ من الذمي جزية إلخ ) أقول : صرح في شرح درر البحار بأنه جزية حقيقة ، والظاهر أن مرادهم بها بأنها جزية تؤخذ على ماله فلا يلزم منه سقوط جزية رأسه ، وعليه فالجزية نوعان جزية رأس ، وجزية مال ، وسمي المأخوذ على ماله جزية كما سمى عمر رضي الله عنه المأخوذ من مال بني تغلب جزية ، وإن كان ضعف المأخوذ من المسلمين ; لأن تسميته جزية أولى من تسميته صدقة لكونهم غير أهل لها إلا أنهم ليس على بني تغلب جزية لرءوسهم غيرها بخلاف غيرهم ( قوله : ويستثنى من العموم إلخ ) قال في النهر ، واعلم أن مقتضى حصر المصنف أنه لو قال : أديت إلى عاشر ، وثمة عاشر أن لا يقبل قوله : وبه جزم في العناية وغاية البيان قال السروجي : وتبعه الشارح وينبغي أن يقبل لئلا يؤدي إلى استئصاله وجزم به العيني ، وتبعه في شرح الدرر وارتضاه في البحر إلا أن كلام أهل المذهب أحق ما إليه يذهب ا هـ .

                                                                                        ( قوله : جزم به منلا شيخ ) هو الإمام محمد بن محمود البخاري في كتابه المسمى بغرر الأفكار في شرح درر البحار للعلامة محمد بن يوسف بن إلياس القونوي ، وفي بعض النسخ منلا خسرو ، وهو تحريف ; لأن عبارته كعبارة الكنز ( قوله : وأمومية الولد تبع للنسب ) أي فيصح إقراره بها قال في النهر : وهذا لا يشكل على قول أبي حنيفة أما على قولهما فيدار الأمر على ديانتهم فإذا دانوا ذلك لا يؤخذ ، وعلى هذا التفصيل لو مر بجلد الميتة كذا في المعراج معزيا إلى النهاية وبه علم أن ما سيذكره عن النهاية من قوله : لو مر بجلد الميتة إلخ مقتصرا عليه مما لا ينبغي بل التفصيل إنما هو على قولهما ( قوله : والحاصل أنه لا يؤخذ إلا من مال ) قال الرملي : وبه يعلم حرمه ما يفعله [ ص: 251 ] العمال اليوم من الأخذ على رأس الحربي والذمي خارجا عن الجزية حتى يتمكن من زيارة بيت المقدس




                                                                                        الخدمات العلمية