الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وبني هاشم ومواليهم ) أي لا يجوز الدفع لهم لحديث البخاري { نحن - أهل بيت - لا تحل لنا الصدقة } ولحديث أبي داود { مولى القوم من أنفسهم ، وإنا لا تحل لنا الصدقة } قد أطلق في بني هاشم فشمل من كان ناصرا للنبي صلى الله عليه وسلم ومن لم يكن ناصرا له منهم كولد أبي لهب فيدخل من أسلم منهم في حرمة الصدقة لكونه هاشميا ، فإن تحريم الصدقة حكم يختص بالقرابة من بني هاشم لا بالنصرة كذا في غاية البيان ، وقيده المصنف في الكافي تبعا لما في الهداية وشروحها بآل علي وعباس وجعفر وعقيل وحارث بن عبد المطلب ومشى عليه الشارح الزيلعي والمحقق في فتح القدير وصرحا بإخراج أبي لهب وأولاده في هذا الحكم ; لأن حرمة الصدقة لبني هاشم كرامة من الله - تعالى - لهم ولذريتهم حيث نصروه عليه الصلاة والسلام في جاهليتهم وإسلامهم ، وأبو لهب كان حريصا على أذى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يستحقها بنوه واختاره المصنف في المستصفى وروى حديثا { لا قرابة بيني وبين أبي لهب }

                                                                                        ونص في البدائع على أن الكرخي قيد بني هاشم بالخمسة من بني هاشم فكان المذهب التقييد ; لأن الإمام الكرخي ممن هو أعلم بمذهب أصحابنا ، وقيد ببني هاشم ; لأن بني المطلب تحل لهم الصدقة وليسوا كبني هاشم ، وإن استووا في القرابة ; لأن عبد مناف جد النبي صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ولعبد مناف أربعة بنين هاشم والمطلب ونوفل وعبد شمس والخمسة المذكورون من بني هاشم ; لأن العباس والحارث عمان للنبي صلى الله عليه وسلم ، وجعفر وعقيل أخوان لعلي بن أبي طالب ، وهو عم النبي صلى الله عليه وسلم وكان لأبي طالب أربعة من الأولاد ، ولد له طالب فمات ، ولم يعقب وكان بينه وبين عقيل عشر سنين وبين عقيل وجعفر عشر سنين وبين جعفر وعلي عشر سنين ، وأمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف كذا في غاية البيان وجمهرة النسب

                                                                                        وقال المصنف في الكافي : وهذا في الواجبات كالزكاة والنذر والعشر والكفارة أما التطوع والوقف فيجوز الصرف إليهم ; لأن المؤدي في الواجب يطهر نفسه بإسقاط الفرض فيتدنس المؤدى كالماء المستعمل ، وفي النفل تبرع بما ليس عليه فلا يتدنس به المؤدى كمن تبرد بالماء ا هـ .

                                                                                        وإنما لم تلحق صدقة التطوع لهم بالوضوء على الوضوء فيتدنس به المؤدى ; لأن الأصل يقتضي عدمه ، وإنما قلنا به في الماء للنص الوارد : الوضوء على الوضوء نور على نور إذ ازدياد النور يقتضي زوال الظلمة بقدره لا محالة كذا في النهاية مختصرا ، وفيها عن العتابي أن النفل جائز لهم بالإجماع كالنفل للغني وتبعه صاحب المعراج واختاره في المحيط مقتصرا عليه ، وعزاه إلى النوادر ومشى عليه الأقطع في شرح القدوري واختاره في غاية البيان ، ولم ينقل غيره شارح المجمع فكان هو المذهب

                                                                                        وأثبت الشارح الزيلعي الخلاف في التطوع على وجه يشعر بترجيح الحرمة وقواه المحقق في فتح القدير من جهة الدليل لإطلاقه وقد سوى المصنف في الكافي بين التطوع والوقف كما سمعت وهكذا في المحيط ، وفي شرح الطحاوي وغيره أن الحل مقيد بما سماهم أما إذا لم يسمهم فلا ; لأنها صدقة واجبة ورده المحقق في فتح القدير باب صدقة الوقف [ ص: 266 ] كالنفل ; لأنه متبرع بتصدقه بالوقف إذ لا إيقاف واجب وكان منشأ الغلط وجوب دفعها على الناظر وبذلك لم تصر صدقة واجبة على المالك بل غاية الأمر أنه وجوب اتباع شرط الواقف على الناظر ا هـ .

                                                                                        وفيه نظر ; إذ الإيقاف قد يكون واجبا كما إذا كان منذورا كأن قال : إن قدم أبي فعلي أن أقف هذه الدار صرح المحقق نفسه في كتاب الوقف بذلك وأورد سؤالا كيف يلزم النذر به وليس من جنسه واجب وأجاب بأنه يجب على الإمام أن يقف مسجدا من بيت المال للمسلمين ، وإن لم يكن في بيت المال شيء فعلى المسلمين ، وفي الفتاوى الظهيرية من كتاب الزكاة من فصل النذر رجل سقط منه شيء ، فقال : إن وجدته فلله علي أن أقف أرضي هذه على أبناء السبيل فوجده كان عليه الوفاء به ، فإن وقف أرضه على من يجوز له صرف الزكاة إليه من الأقارب والأجانب جاز ا هـ .

                                                                                        وأطلق الحكم في بني هاشم ، ولم يقيده بزمان ، ولا بشخص للإشارة إلى رد رواية أبي عصمة عن الإمام أنه يجوز الدفع إلى بني هاشم في زمانه ; لأن عوضها ، وهو خمس الخمس لم يصل إليها لإهمال الناس أمر الغنائم وإيصالها إلى مستحقها وإذا لم يصل إليهم العوض عادوا إلى المعوض وللإشارة إلى رد الرواية بأن الهاشمي يجوز له أن يدفع زكاته إلى هاشمي مثله ; لأن ظاهر الرواية المنع مطلقا وقيد بمولى الهاشمي ; لأن مولى الغني يجوز الدفع إليه ; لأن الغني أهل لها لكن الغني مانع ، ولا مانع في حق المولى ، والحديث ليس على عمومه أعني مولى القوم من أنفسهم ولهذا قال الإسبيجابي في تفسيره يعني في حل الصدقة وحرمتها ، وإلا فمولى القوم ليس منهم من جميع الوجوه ألا ترى أنه ليس بكفؤ لهم وأن مولى المسلم إذا كان كافرا تؤخذ منه الجزية ، وإن كان مولى التغلبي تؤخذ منه الجزية لا المضاعفة ا هـ .

                                                                                        وفي آخر مبسوط الإمام السرخسي من كتاب الكسب وتكلم الناس في حق سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أتحل لهم الصدقة أم لا فمنهم من يقول : ما كان يحل أخذ الصدقة لسائر الأنبياء أيضا ، ولكن كانت تحل لقراباتهم ثم إن الله - تعالى - أكرم نبينا بأن حرم الصدقة على قرابته إظهارا لفضيلته وقيل بل كانت الصدقة تحل لسائر الأنبياء وهذه خصوصية لنبينا عليه أفضل الصلاة والسلام .

                                                                                        [ ص: 266 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 266 ] ( قوله : وفيه نظر إلخ ) قال الرملي قد يجاب وجوبه بالنذر العارض لا يعارض ا هـ .

                                                                                        وكذا أجاب بعضهم بأن مراده لا إيجاب واجب بإيجاب الله - تعالى - ا هـ وبالجملة فما ذكره المؤلف لا يدفع بحث المحقق ; إذ يبعد حمل كلامهم على الوقف المنذور ( قوله : وقيل بل كانت الصدقة تحل إلخ ) قال في النهر : والذي ينبغي اعتماده الأول لقوله في الحديث { وحرم عليكم أوساخ الناس } ، ولا شك أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام منزهون عن ذلك ا هـ .

                                                                                        وفي حواشي مسكين عن الحموي عن ابن بطال : اتفق الفقهاء على أن أزواجه عليه الصلاة والسلام لا يدخلن في الذين حرمت عليهم الصدقة قال ثم قال الحموي : وفي المغني عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة قال فهذا يدل على تحريمها عليهن .




                                                                                        الخدمات العلمية