الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وما بقي لم يجز إلا بنية معينة مبيتة ) أي ما بقي من الصيام ، وهو قضاء رمضان والكفارات وجزاء الصيد والحلق والمتعة والنذر المطلق لا يصح بمطلق النية ، ولا بنية مباينة ، ولا بد فيه من التعيين لعدم تعين الوقت له ، ولا بد فيه أيضا من النية من الليل أو ما هو في حكمه ، وهو المقارنة لطلوع الفجر بل هو الأصل ; لأن الواجب قران النية بالصوم لا تقديمها ، وإنما جاز التقديم للضرورة ، ومن فروع لزوم التبييت في غير المعين لو نوى القضاء نهارا فلم يصح هل يقع عن النفل في فتاوى النسفي نعم ، ولو أفطر يلزمه القضاء قيل : هذا إذا علم أن صومه عن القضاء لم يصح بنية النهار أما إذا لم يعلم فلا يلزم بالشروع كما في المظنون كذا في فتح القدير والذي يظهر ترجيح الإطلاق فإن الجهل بالأحكام في دار الإسلام ليس بمعتبر خصوصا أن هذه المسألة أعني عدم جواز القضاء بنية نهارا متفق عليها فيما يظهر فليس كالمظنون

                                                                                        ولا يخفى أن قضاء النفل بعد إفساده وقضاء المنذور المعين داخل تحت قوله وما بقي ثم اعلم أن النية من الليل كافية في كل صوم بشرط عدم الرجوع عنها حتى لو نوى ليلا أن يصوم غدا ثم عزم في الليل على الفطر لم يصبح صائما فلو أفطر لا شيء عليه إن لم يكن رمضان ، ولو مضى عليه لا يجزئه ; لأن تلك النية انتقضت بالرجوع ، ولو نوى الصائم الفطر لم يفطر حتى يأكل ، وكذا لو نوى التكلم في الصلاة كذا في الظهيرية ولو قال : نويت [ ص: 283 ] صوم غد إن شاء الله - تعالى - فعن الحلواني يجوز استحسانا ; لأن المشيئة إنما تبطل اللفظ ، والنية فعل القلب وصححه في فتاوى الظهيرية واعلم أنه يتفرع على كيفية النية ووقتها مسألة الأسير في دار الحرب إذا اشتبه عليه رمضان فتحرى وصام شهرا عن رمضان فلا يخلو إما أن يوافق أو لا بالتقديم أو بالتأخير

                                                                                        فإن وافق جاز ، وإن تقدم لم يجز ، وإن تأخر ، فإن وافق شوالا يجوز بشرط موافقة الشهرين في العدد وتعيين النية وتبييتها ، ولا يشترط نية القضاء في الصحيح فإن كان كل منهما كاملا قضى يوما واحدا لأجل يوم الفطر ، وإن كان رمضان كاملا وشوال ناقصا قضى يومين يوما لأجل يوم العيد ويوما لأجل النقصان ، وعلى العكس لا شيء عليه ، وإن وافق صومه هلال ذي الحجة ، فإن كان رمضان كاملا وذو الحجة كاملا قضى أربعة أيام يوم النحر وأيام التشريق ، وإن كان رمضان كاملا وذو الحجة ناقصا قضى خمسة أيام ، وعلى عكسه قضى ثلاثة أيام ، وإن وافق صومه شهرا آخر سوى هذين الشهرين ، فإن كان الشهران كاملين أو ناقصين أو كان رمضان ناقصا ، والآخر كاملا فلا شيء عليه ، وعلى عكسه قضى يوما ، ولو صام بالتحري سنين كثيرة ثم تبين أنه صام في كل سنة قبل شهر رمضان فهل يجوز صومه في الثانية عن الأولى ، وفي الثالثة عن الثانية ، وفي الرابعة عن الثالثة قيل : يجوز ، وقيل : لا يجوز كذا في البدائع مختصرا وصحح في المحيط أنه إن نوى صوم رمضان مبهما يجوز عن القضاء ، وإن نوى عن السنة الثانية مفسرا لا يجوز

                                                                                        وقد علم من هذا أن من فاته رمضان وكان ناقصا يلزمه قضاؤه بعدد الأيام ، لا شهر كامل ولهذا قال في البدائع قالوا فيمن أفطر شهرا بعذر ثلاثين يوما ثم قضى شهرا بالهلال فكان تسعة وعشرين أن عليه قضاء يوم آخر ; لأن المعتبر عدد الأيام التي أفطر فيها دون الهلال ; لأن القضاء على قدر الفائت ، ولو صام أهل مصر تسعة وعشرين وأفطروا للرؤية ، وفيهم مريض لم يصم فإن علم ما صام أهل مصره فعليه قضاء تسعة وعشرين يوما ، وإن لم يعلم صام ثلاثين يوما ; لأنه الأصل والنقصان عارض ا هـ .

                                                                                        وفي عدة الفتاوى لو قال لله علي صوم شوال وذي القعدة وذي الحجة فصامهن بالرؤية وكان هلال ذي القعدة وذي الحجة ثلاثين وشوال تسعة وعشرين فعليه صوم خمسة أيام : الفطر والأضحية وأيام التشريق ، ولو قال : لله علي صوم ثلاثة أشهر فصامهن فعليه قضاء تسعة أيام ; لأنه أشار إلى غائب فيلزم لكل شهر ثلاثون ا هـ .

                                                                                        وبما ذكرنا علم من يراجع فتح القدير أنه لم يستوف الأقسام كلها .

                                                                                        [ ص: 283 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 283 ] ( قوله : وصحح في المحيط إلخ ) هذا التفصيل ذكره في البدائع أيضا لكن بدون تصريح بالتصحيح فقال : وفصل الفقيه أبو جعفر في ذلك تفصيلا فقال : إن صام في السنة الثانية عن الواجب عليه إلا أنه على ظن أنه في رمضان يجوز وكذا في السنة الثالثة والرابعة ; لأنه صام عن الواجب عليه ، والواجب عليه قضاء رمضان الأول دون الثاني ، وإن صام في السنة الثانية عن الثالثة ، وفي الثالثة عن الرابعة لم يجز وعليه قضاء الرمضانات كلها ثم قال وضرب له أي أبو جعفر مثلا ، وهو رجل اقتدى بالإمام على ظن أنه زيد فإذا هو عمرو صح اقتداؤه ولو اقتدى بزيد فإذا هو عمرو لم يصح ; لأنه في الأول اقتدى بالإمام إلا أنه ظن أنه زيد فأخطأ في ظنه ، وهذا لا يقدح في صحة الاقتداء بالإمام ، وفي الثاني اقتدى بزيد فإذا لم يكن زيدا تبين أنه لم يقتد بأحد كذلك هنا إذا نوى صوم كل سنة عن الواجب عليه تعلقت نية الواجب بما عليه لا بالأول والثاني إلا أنه ظن أنه للثاني فأخطأ في ظنه فيقع عن الواجب عليه لا عما ظن ا هـ .




                                                                                        الخدمات العلمية