الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : ولا عبرة باختلاف المطالع ) فإذا رآه أهل بلدة ، ولم يره أهل بلدة أخرى وجب عليهم أن يصوموا برؤية أولئك إذا ثبت عندهم بطريق موجب ، ويلزم أهل المشرق برؤية أهل المغرب ، وقيل : يعتبر فلا يلزمهم برؤية غيرهم إذا اختلف المطلع ، وهو الأشبه كذا في التبيين ، والأول ظاهر الراوية ، وهو الأحوط كذا في فتح القدير ، وهو ظاهر المذهب ، وعليه الفتوى كذا في الخلاصة أطلقه فشمل ما إذا كان بينهما تفاوت بحيث يختلف المطلع أولا وقيدنا بالثبوت المذكور ; لأنه لو شهد [ ص: 291 ] جماعة أن أهل بلد كذا رأوا هلال رمضان قبلكم بيوم فصاموا ، وهذا اليوم ثلاثون بحسابهم ، ولم يروا هؤلاء الهلال لا يباح فطر غد ، ولا تترك التراويح هذه الليلة ; لأن هذه الجماعة لم يشهدوا بالرؤية ، ولا على شهادة غيرهم ، وإنما حكوا رؤية غيرهم ، ولو شهدوا أن قاضي بلد كذا شهد عنده اثنان برؤية الهلال في ليلة كذا وقضى بشهادتهما جاز لهذا القاضي أن يحكم بشهادتهما ; لأن قضاء القاضي حجة ، وقد شهدوا به ، وأما ما استدل به الشارح على اعتبار اختلاف المطالع من واقعة الفضل مع عبد الله بن عباس حين أخبره أنه رأى الهلال بالشام ليلة الجمعة ورآه الناس وصاموا وصام معاوية فلم يعتبره ، وإنما اعتبر ما رآه أهل المدينة ليلة السبت فلا دليل فيه ; لأنه لم يشهد على شهادة غيره ، ولا على حكم الحاكم ولئن سلم فلأنه لم يأت بلفظ الشهادة ولئن سلم فهو واحد لا يثبت بشهادته وجوب القضاء على القاضي ، والمطالع جمع مطلع بكسر اللام موضع الطلوع كذا في ضياء الحلوم .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : وقيدنا بالثبوت المذكور إلخ ) قال في الشرنبلالية ، وفي المغني قال الإمام الحلواني الصحيح من مذهب أصحابنا أن الخبر إذا استفاض في بلدة أخرى ، وتحقق يلزمهم حكم تلك البلدة ا هـ .

                                                                                        وعزاه في الدر المختار إلى المجتبى وغيره ومثله في الذخيرة بما نصه قال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله الصحيح من مذهب أصحابنا - رحمهم الله تعالى - أن الخبر إذا استفاض وتحقق فيما بين أهل البلدة الأخرى يلزمهم حكم هذه البلدة ا هـ .

                                                                                        قلت : وقد وقعت هذه الحادثة في دمشق سنة 1239 تسع وثلاثين ومائتين وألف ثبت رمضان بدمشق ليلة الجمعة بعد شعبان ثلاثين وكان في السماء علة في تلك الليلة ثم استفاض الخبر عن أهل بيروت وأهل حمص أنهم صاموا الخميس لكن استفاض الخبر عن عامة البلاد سوى هذين البلدين أنهم صاموا الجمعة مثل دمشق فهل تعتبر الاستفاضة الأولى في مخالفتها للثانية أم لا بناء على أن الظاهر يقتضي غلط أهل تلك البلدتين نظير ما مر فيما لو كانت السماء مصحية ورأى الهلال واحد لا يعتبر ; لأن التفرد من بين الجم الغفير ظاهر في الغلط مع أنه ليس من بين تلك البلاد بعد كثير بحيث تختلف به المطالع لكن ظاهر الإطلاق يقتضي لزومه عامة البلاد ما ثبت عند بلدة أخرى فكل من استفاض عندهم خبر تلك البلدة يلزمهم اتباع أهلها ، ويدل عليه قوله : ويلزم أهل المشرق برؤية أهل المغرب ; إذ ليس المراد بأهل المشرق جميعهم بل بلدة واحدة تكفي كما لا يخفى ، وإذا كان هذا مع بعد المسافة التي تختلف فيها المطالع فمع قربها [ ص: 291 ] أولى ، وإذا كانت الاستفاضة في حكم الثبوت لزم العمل بها هذا ما ظهر لي فتأمله ثم اعلم أن المراد بالاستفاضة تواتر الخبر من الواردين من بلدة الثبوت إلى البلدة التي لم يثبت بها لا مجرد الاستفاضة ; لأنها قد تكون مبنية على إخبار رجل واحد مثلا فيشيع الخبر عنه ، ولا شك أن هذا لا يكفي بدليل قولهم : إذا استفاض الخبر ، وتحقق فإن التحقيق لا يكون إلا بما ذكرنا

                                                                                        ( تتمة ) لم يذكروا عندنا العمل بالأمارات الظاهرة الدالة على ثبوت الشهر كضرب المدافع في زماننا والظاهر وجوب العمل بها على من سمعها ممن كان غائبا عن المصر كأهل القرى ونحوها كما يجب العمل بها على أهل المصر الذين لم يروا الحاكم قبل شهادة الشهود وقد ذكر هذا الفرع الشافعية فصرح ابن حجر في التحفة أنه يثبت بالإمارة الظاهرة الدالة التي لا تتخلف عادة كرؤية القناديل المعلقة بالمنائر قال : ومخالفة جمع في ذلك غير صحيحة ا هـ .




                                                                                        الخدمات العلمية